عبد الرحمن الكلس

اسمه مبارك عبد الرحمن أردول. تقول سيرته المبذولة إنه قد وُلد ذات ظهيرة شؤم في العام 1982، تحت جبلٍ من جبال النوبة، حيث القساوة لا تنبت ضعفاً، بل رجالاً يذودون عن الأرض والكرامة، إلا أنه خرج استثناءً، مثل عِرقٍ فاسدٍ في شجرةٍ باسقة.

درس ما لا يعرف معناه، في جامعةٍ ما كان لها أن تُسمى جامعة. جامعة إفريقيا العالمية كما يُسمّونها، وهي ليست سوى فرنٍ لتخمير الغلو والتطرف، يديره تنظيم الإخوان المسلمين (فرع السودان الكيزان)، وتُموّله منظمة الدعوة الإسلامية لنشر سمومها في قلب القارة السمراء.

من داخل أسوارها خرجت عيون الموت إلى الصومال، من رحمها خرج شَبَح تنظيم الشباب المجاهدين الإرهابي كمشروع تخرّج لدفعة من طلابها.

دخل أردول الجامعة لا بمجموعٍ علمي، بل بعضويته في تنظيمٍ إسلامي سلفي جهادي، زامل فيه محمد علي الجزولي، الرجل الذي نصب نفسه “أميرًا” لتنظيم داعش

لكن أردول، والانتهازية في قلبه تسبق الخطى، غادر هذا التنظيم قبل أن يجف حبر قسم الولاء، ليلتحق بالحركة الشعبية، التنظيم الثوري العلماني المسلح. لم يكن مؤمناً بأي من الشعارات، بل كان يتقلب بينها كما تتقلب الحرباء على فروع الأشجار: يبدل جلده، لا جوهره.

انتهى به المطاف في صفوف الثورة، لا حباً فيها، بل لأنها القطار الأقرب إلى السلطة، فركبه، وصار ديمقراطيًا بالتصريحات، ثورياً في المؤتمرات الصحفية، يُنادي بالتغيير وهو يدفن شهوته للسلطة تحت كل خطاب.

وما إن مُنح وظيفة المدير العام لشركة الموارد المعدنية أهم شركات الذهب في البلاد وأكبر مورد مالي حكومي حتى تجلّت حقيقته.

فسد فسادًا لو وُزّع على قارعة إفريقية لأغرقها. عرض سرقاته على العلن دون وجل: قِطار كامل زعم أن قيمته 4 مليون دولار، تبرعٌ مجتمعي، بينما الحقيقة أن حمولته لا تساوي 100 ألف دولار.. سرق الذهب والفضة وسرق مسؤولية الشركة تجاه السكان المساكين!

وسرق الثورة!

بعدها لم تعد تناديه باسمه، بل صار اسمه: حرامي الذهب. وقد صدقوا.

المفارقة الأكثر فجاجة أن هذا الرجل، الذي تقلد واحدة من أخطر الوظائف الاقتصادية في الدولة، لم يكن يملك في تاريخه المهني سوى إدارة مشروع صغير لمنظمة كنسية في كاودا، تتبع لإرسالية كنيسة الأبيض. وكم هو مُدهش هذا التكوين! أن يتربى في أحضان الإسلاميين، ويبدأ أولى خطواته بتوزيع الكتيبات المسيحية!

وحده أردول من يقدر على ذلك!

وليس غريباً إن قيل إن في جيناته نزعة للارتماء في حضن كل سلطة، أيًا كان دينها، أو لونها، أو قبحها.
يغدو افريقياً عروبياً ويمسي عروبياً، ينام مسيحياً ويستيقظ مسلماً.. ويتعامل كما لم يعرف ديناً من قبل .. وكأنه من نزلت فيه آية: الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرًا…”

بعد أن فضحته الثورة، وكشفت عوراته على رؤوس الأشهاد، تحالف مع من أطاحوا بها. عاد إلى الإسلاميين وجنرالات الجيش، يتآمر معهم على ذات الثورة التي حملته. خاض الحرب إلى جانبهم لا دفاعاً عن الوطن، بل دفاعاً عن المنصب والامتيازات والذهب المُهرّب.

لكن حتى شركاؤه في الفساد ضاقوا به، فخانه قائد الجيش بعد وشاية، وأطاح به، غير أنه لم يغادر المشهد حتى الآن، بل بقي يراوغ ويدافع ويتملق ويُراكم الوعود في محيط السلطة، علّ منصبًا آخر يسقط كالثمرة العفنة في حجره.

وأردول هذا هو الوحيد الذي نجا من كل محاسبة: عمل وعاش وتوظف بلا كفاءة، بلا شهادة، بلا مبدأ، فقط بحقيقة بيولوجية تقول انه: ابن جبال النوبة، ذلك الإقليم المأزوم الذي صار يُستغل عرقياً لتعيين النكرات وتلميع الفاشلين في عصر البرهان والكيزان.

أردول ليس نتاج تهميش، بل نتاج استثمار سياسي في التهميش. ليس صوت الهامش، بل صدى الطمع المموّه بلكنة الهامش..

يقول عنه العارفون:
“لو خُيّر بين الجنة والسلطة، لاختار السلطة، ثم سأل الله أن يُدخل الجنة لأنه من جبال النوبة”.
ويقول عنه الجيران:
“منذ صغره كان يعرف كيف ينجو بالكذب، ويصعد على أكتاف غيره. لم ير فيه أحد نجابة، بل رأوا فيه جوعًا مفتوحًا لا يشبعه شيء؛ لا علم، ولا شرف، ولا وطن”.
ويقول عنه أهله:
“نحن من جبالٍ لا تنحني، لكنه انحنى لكل ريح. لم يُشبهنا يومًا، بل كان غريبًا حتى في اسمه: مُبارك”.

وقالت عاهرةُ الحيّ، وهي تنفث سُخريتها في وجه الفحش:

“نحمد الله أنه لم يُخلف امرأة، وإلا لسلبنا أرزاقَنا بعُهرٍ لا يُشبه حتى عُهرنا”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.