منتدى الإعلام السوداني

الخرطوم، 13 أغسطس 2025، (سودان تربيون) نتيجة للحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023، توقفت أكثر من 20 صحيفة ورقية في السودان عن الصدور، مما أدخل البلاد في ظلام معلوماتي حالك، وحجب عن العالم حقيقة ما يجري في السودان.

كان هذا التوقف متوقعا جراء الدمار الهائل الذي لحق بالمؤسسات الصحفية والمطابع التي تباشر عملها من العاصمة الخرطوم. وفي ظل هذا الدمار وجد المئات من الصحفيين والصحفيات أنفسهم نازحين ولاجئين، فيما اضطر كثيرون منهم إلى هجر المهنة والاتجاه نحو أعمال هامشية لإعالة أسرهم.

في هذا الواقع الذي لحق بالصحفيين والصحف، تعتزم الحكومة استئناف صدور الصحف.

وكشفت مصادر مطلعة لـ (سودان تربيون) أن حكومة ولاية الخرطوم بدأت استعدادات فعلية لاستئناف صدور الصحف. ووفقا للمصادر، عُقدت اجتماعات في يوليو الماضي بين موزع صحف معين من قبل السلطات وعدد من الناشرين، حيث كانت صحيفة “التيار” لمالكها عثمان ميرغني من أوائل الصحف التي أكدت استعدادها للعودة.

كان اندلاع الحرب مفاجئا للجميع بمن فيهم القراء، وحتى للناشرين ورؤساء التحرير. ففي ذلك الصباح، صدرت الصحف بعناوين رئيسية تعكس مساعي اللحظات الأخيرة لنزع فتيل الأزمة، مثل “جبريل ومناوي وعقار يقودون وساطة” و”المجتمع الدولي يبدي قلقه من التصعيد العسكري”. هذه العناوين، وبشكل ساخر، كانت هي نفسها دليلا على أن شبح الحرب كان يخيم بالفعل على البلاد.

من الأقلام إلى الأرصفة.. كارثة إنسانية بالأرقام

يقدم وليد النور، سكرتير الشؤون الاجتماعية في نقابة الصحفيين السودانيين، صورة قاتمة بالأرقام، مؤكدا لـ (سودان تربيون) أن جميع المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك 26 صحيفة ورقية و5 مطابع، توقفت منذ اليوم الأول للحرب.

ويوضح أن من بين 1500 صحفي في القطاعين الخاص والعام، أصبح 90% منهم بلا عمل بحلول أغسطس 2025. ويضيف “لم يتبقَ سوى 10% من الصحفيين يعملون، وفقد الجميع مدخراتهم، واتجه البعض ليصبح بائعا جائلا، أو يمتهن أعمالا أخرى لتوفير مقومات الحياة لأسرته”.

وأشار النور إلى أن 5% فقط من الصحفيين، معظمهم من العاملين في قنوات فضائية ووكالات أنباء عالمية، هم من يتلقون رواتبهم بانتظام. منتقدا بشدة غياب اهتمام المؤسسات الصحفية والدولية بالصحفيين السودانيين، سواء على صعيد الحماية أو الدعم، مقارنة بالاهتمام الذي يحظى به نظراؤهم في مناطق النزاع الأخرى حول العالم. ويضيف “لم يتم تناول قضايا ومعاناة الصحفيين السودانيين إعلاميا بالشكل الذي يعكس حجم الكارثة الحقيقية”.

خسائر فادحة وأمل بالعودة

رئيس تحرير صحيفة التيار، عثمان ميرغني، يشير إلى أن عدد الصحف الورقية قبل ثورة ديسمبر 2018 كان يناهز 40 صحيفة متنوعة. وأوضح في حديثه لـ (سودان تربيون) أن المشهد الإعلامي بعد الحرب تحول إلى الفضاء الإلكتروني، لكن بجهود متفاوتة، فبعض الصحف الإلكترونية يقوم على تحريرها شخص واحد بهاتف محمول، بينما حافظت صحف أخرى مثل “التيار” على هيكلها المهني وطاقمها واجتماعات تحريرها اليومية.

وقال ميرغني إن الخسائر المالية لصحيفة التيار وحدها بلغت حوالي 400 ألف دولار، إثر تدمير مقرها بالكامل ونهب جميع أجهزتها، بما في ذلك كاميرات حديثة ومعدات بث تم استيرادها قبل أسابيع من الحرب.

ورغم ذلك، يبدو ميرغني متفائلا بشأن إمكانية العودة إلى الطباعة الورقية، قائلا لـ (سودان تربيون) إن الجيش يمتلك مطبعة تحتاج إلى بعض الصيانة لتعاود العمل، ومطبعة أخرى في بحري جاهزة، وكذلك شركة التوزيع. ويضيف: بدأنا الإعداد لصدور الصحيفة ورقيا”.

خطة حكومية لإعادة الصحف إلى المطابع

تشير التقارير الحكومية إلى أن مقرات الصحف لم تتأثر بشكل كبير هيكليا رغم تعرضها للنهب، وأنه تم تجهيز مطبعتي (بكة) و(سي تي بي) للعمل. وعلمت (سودان تربيون) أنه تم تكليف رئيس التحرير ومالك صحيفة “التيار” عثمان ميرغني، ورئيس اتحاد الصحفيين، النقيب السابق، الصادق الرزيقي، بتنسيق هذه العودة. كما أكدت السلطات أنها جهزت ورق الطباعة، وطلبت من الناشرين تقديم قوائم بأسماء الصحفيين العاملين لديهم.

تحديات العودة.. مخاوف من صحافة موجهة

لكن رئيس تحرير صحيفة (الجريدة)، أشرف عبدالعزيز، يرى أن هذه العودة شبه مستحيلة في ظل الظروف الراهنة. ويحذر في حديثه لـ (سودان تربيون) من أن أي مساعدة حكومية ستأتي بثمن باهظ يتعلق بالتغول على استقلالية الصحافة.

ويكمن الخطر الأكبر، بحسب عبد العزيز، في مسألة دفع الحكومة لمرتبات الصحفيين. ويقول “إذا دفعت الحكومة، فمن المؤكد أنها سترغب في التأثير في الصحف لخدمة أجندتها.. هذا قد يؤدي إلى تحول غالبية الصحف إلى منابر لنشر الكراهية ودعم تيار الحرب، مما يقوض دورها الأساسي في التنوير”.

ويؤكد عبد العزيز أن الأزمة الحالية فاقت كل ما سبقها، فالحرب لم تعطل الصحف فحسب، بل “نسفت بنيتها التحتية بالكامل؛ لقد نُهبت دورها، وسُرقت أجهزتها، بل وبيع حديد المطابع في سوق الخردة”. وحتى الصحف القليلة التي استطاعت الصمود إلكترونيا مثل (الجريدة) و(السوداني) و(التيار)، فإنها تعمل بطاقة محدودة جدا.

تساؤلات جوهرية في انتظار إجابات

بدوره، يدعم رئيس نقابة الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، مبدأ عودة أي مؤسسة إعلامية ستعيد الصحفيين إلى عملهم، لكنه يطرح في حديثه لـ (سودان تربيون) تساؤلات جوهرية تركتها المبادرة الحكومية معلقة “هل ستمول الحكومة هذه الصحف أم القطاع الخاص؟ وعلى أي أساس ستُبنى علاقات العمل والعقود الجديدة مع الصحفيين الذين دُمرت حياتهم المهنية”؟

ويختم بالتأكيد على حجم التحدي، مذكرا بأن مقرات الصحف ووسائل الإعلام كانت من أولى ضحايا الحرب، حيث تعرضت لدمار ونهب بنسبة تصل إلى 90%، مما يجعل الحديث عن كيفية العودة سؤالا مفتوحا ومعقدا.

منتدى الإعلام السوداني

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (سودان تربيون)، لتناقش إمكانية معاودة صدور الصحف بمبادرة حكومية، ومنطقية ذلك في ظل ما تعرضت له المؤسسات الصحفية، من دمار للبنية التحتية، والصحفيين من قتل وتهجير وفقدان الممتلكات بسبب الحرب المستمرة، ومدى انعكاس الخطوة على استقلالية ومهنية الصحف.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.