مبادرة الحزب الشيوعي السوداني غياب الكتلة الشعبية وأزمة الآليات الواقعية
زهير عثمان حمد
على مدار عقود من الزمن ، شكل الحزب الشيوعي السوداني جزءًا محوريًا من المشهد السياسي والفكري في البلاد ، مستندًا إلى إرث نضالي وثقافة سياسية تجذرية. ومع ذلك ، يواجه الحزب اليوم تحديات جسيمة أبرزها عجزه عن تأسيس كتلة شعبية قوية تُمكنه من دفع مبادراته وتحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية. هذا القصور ، الذي يبرز جليًا في المواقف الأخيرة للحزب ، يعكس خللًا عميقًا في منهجية الطرح السياسي للحزب ونقصًا في الآليات الواقعية لترجمة شعاراته إلى فعل ملموس يخدم الشعب.
مبادرات نظرية بلا حامل شعبي
الحزب الشيوعي يتبنى مبادرات سياسية طموحة ، يُروج لها بوصفها قادرة على إنقاذ البلاد من حالة التشرذم والاحتقان السياسي. ومع ذلك تفتقر هذه المبادرات إلى التجذر في القاعدة الشعبية. فبينما يطرح الحزب شعارات تتسم بالجاذبية النظرية مثل العدالة الاجتماعية والتحرر من التبعية الاقتصادية ، يبقى السؤال : أين الحامل الشعبي الذي يُمكنه تحقيق هذه الأهداف؟ .
في الواقع ، يبدو أن الحزب قد انفصل تدريجيًا عن هموم الشارع السوداني الذي يرزح تحت وطأة الأزمات المعيشية اليومية. شعارات الحزب ، على الرغم من عدالتها النظرية ، تبدو وكأنها موجهة لنخب محدودة أكثر من كونها تُخاطب الأغلبية العظمى من الشعب ، ما يجعلها مجرد صيحات في الفراغ.
غياب الآليات الواقعية
واحدة من أكبر المشكلات التي يعاني منها الحزب هي نقص الآليات الواقعية لتنفيذ مشاريعه. يعتمد الحزب بشكل كبير على الخطاب السياسي النظري دون أن يقدم حلولًا ملموسة تُجيب عن أسئلة الناس الأساسية : كيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل اقتصاد هش ومُرهق؟ كيف يمكن ضمان الحرية في بلد يمزقه الصراع السياسي؟ .
الاعتماد على لغة التخوين والتمترس الأيديولوجي ضد خصومه ، بدلًا من طرح برامج عملية ، يعمق عزلته. كما أن تعاطيه مع قضايا العمال والفلاحين، الذين يُفترض أنهم قاعدته الأساسية ، يقتصر غالبًا على بيانات التضامن دون تقديم خطط عمل حقيقية تُحسن من أوضاعهم المعيشية.
غياب استراتيجية التحالفات
من أهم نقاط الضعف في الطرح السياسي للحزب الشيوعي هو عدم قدرته على بناء تحالفات واسعة مع قوى سياسية ومدنية أخرى. ففي سياق سياسي معقد ومتشابك مثل السودان ، يصبح التعاون بين القوى ضرورة ملحة. إلا أن الحزب يرفض غالبًا الانخراط في تحالفات مرنة ، متمسكًا بموقف مثالي يفتقد للبراغماتية ، ما يتركه معزولًا وغير قادر على التأثير في موازين القوى.
استراتيجية بديلة مطلوبة
إذا أراد الحزب الشيوعي السوداني أن يستعيد تأثيره ويُحدث تغييرًا فعليًا، فعليه تبني نهج جديد. يمكن تلخيص هذا النهج في النقاط التالية :
إعادة قراءة الواقع السوداني : يجب على الحزب تجاوز الخطاب الأيديولوجي التقليدي وإعادة صياغة أهدافه بما يتناسب مع التحديات الراهنة ، مع التركيز على القضايا التي تُلامس حياة الناس اليومية.
بناء تحالفات مرنة : يجب أن يراجع الحزب استراتيجياته فيما يتعلق بالتحالفات السياسية ، بحيث يكون مستعدًا للتعاون مع قوى سياسية ومدنية حتى لو لم تشاركه جميع رؤاه الأيديولوجية.
إطلاق مبادرات عملية : بدلًا من الاقتصار على الخطاب السياسي ، يجب أن يقدم الحزب مشاريع عملية تُثبت جدارته في تحسين حياة الشعب، مثل مبادرات دعم التعليم والصحة والتنمية المحلية.
التواصل مع القواعد الشعبية : الحزب بحاجة إلى النزول من أبراج الفكر إلى واقع الشارع ، وبناء تواصل مباشر مع الفئات التي يدعي تمثيلها ، ليكون جزءًا من معاناتها وحلولها.
وفي نهاية الامر نقول
إن الحزب الشيوعي السوداني يمتلك إرثًا فكريًا وثقافيًا غنيًا ، لكنه اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة ذاته والخروج من دائرة الطرح النظري إلى العمل الواقعي. إن غياب الكتلة الشعبية ونقص الآليات الواقعية هما العقبتان الأكبر أمام تحقيق أهدافه. وبغير التجديد الاستراتيجي ، قد يجد الحزب نفسه في موقع هامشي في مشهد سياسي يتطلب مرونة وبراغماتية لمواجهة التحديات الراهنة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة