ما جنى على العربية إلا أهلها السودانية , اخبار السودان
أم خالد: جدة
يطيب لي أن أتقدم بهذه الوريقة، مساهمة مني بالاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر.
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم لقوله تعالى (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه لا من خلفه….) سورة فصلت، الآية 42. (إنه من رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) الشعراء، الآية 192 195, ويطيب لي أن أفخر وأعتز وأنا أتحدث في هذه الوريقة عن اللغة العربية، والتي أسميتها (ما جنى على العربية إلا أهلها).
فما أحلى وأحب إلى القلب المؤمن أن يفهم هذا المعنى، معنى القرآن الكريم ومقولة الثعالبي وهي (أحب الله رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحب رسوله العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية) (اللهم حبب إلينا حبك وحب نبيك، لذلك وجب علينا أن نعنى عناية فائقة بها، ويتطلب ذلك معالجة النقص في مرجعيتها العلمية).
وقد أكد الدكتور الباحث الأكاديمي عبد القادر الفارسي في شؤون اللسانيات، الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية والآداب في تصريح له في صحيفة عكاظ أن نواقص اللغة العربية يعود إلى قصور متكلميها ومستخدميها معلناً أن تأهيلها تأهيلاً قوي يتطلب تأسيس معلميها تأسيساً صحيحاً وقوياً، حتى ينهض ويتقدم متكلموها بثقة راسخة، وذلك يتطلب جهداً كبيراً في إعداد مناهجها الإعداد الصحيح، وقد كانت مناهجها تجرب في معاهد إعداد المعلمين كمعهد التربية ببخت الرضا بالسودان، كما كانت المناهج تدرس في شكل معاينات ينتقد فيها مدرس المقرر نقداً موضوعياَ، ويخضع المقرر إلى التنقيح ليدرس بعد إجازته في المدارس التابعة لمعهد التربية ببخت الرضا.
وكنا من المحظوظين، من الذين درسوا المقررات الدراسية (خاصة اللغة العربية) في مرحلة التنقيح، قبل إجازة المقرر، وكان ذلك بحق خطوات ثابتة في إعداد المعلم، مما جعلها لغة عالمية لكثير من الشعوب، مما أكسبها مكانة سامية، مهما تعددت الحضارات، والتطور، والتقدم، والتكنلوجيا.
إن اللغة العربية هي أم اللغات بلا منازع بتفوقها على اللغات الأخرى لتميزها بالبيان والبلاغة، وقد ذكر سلطان بن مناع العمري إن اللغة العربية تحتل مكانة سامية في حياة الشعوب والمجتمعات فهي وسيلة للتواصل. كما ذكر الدكتور سلمان العائدي في محاضرة في نادي أبها الأدبي بجنوب المملكة العربية السعودية عن التحديات التي تواجه اللغة العربية من داخل الوطن العربي، حيث أصبح مفهوم اللغة عند كثير من الناس وظيفة للعيش.
وهكذا بالطبع جور على اللغة العربية واختزالها، وقال إن اللغة العربية هي الثقافة، بل هي الوعاء الحامل للثقافة، وذلك لأن الأمم التي تحترم لغتها، وتحافظ عليها وتحميها من اللغات الأخرى، بأن تكون لها السيطرة في المنابر والمنتديات، وقال إن الذين خذلوا العربية هم حملتها وكما ذكر المنصف المرزوقي (ما جنى على العربية إلا أهلها)، مما حدا بي أن أسمي هذا البحث بهذا الاسم (ما جنى على العربية إلا أهلها)، وإن اللغة العربية لشعب كأنه لا يستحقها، وإن كثيراَ من الشعوب لا تتنازل عن لغتها بهذا الكرم الحاتمي، إلا نحن ومصداقاً لقول المنصف، فإن كثيراً من الشعوب الذين يتحدثون العربية يدخلون بعض الكلمات من لغات أخرى، كأنما العربية خلت من المعاني والمترادفات، وذكر الدكتور الصديق عمر الصديق في ندوة بقاعة الشارقة بالخرطوم (إن المتحدث باللغة العربية في المنابر والمؤتمرات لا يحتاج إلى وسيط، فهي لغة كل مكان وزمان ليس بها لغة قديمة أو وسط أو حديثة).
وذكر العلامة البرفسور عبد الله الطيب أن اللغة الإنجليزية التي كتب لها الذيوع والانتشار، لا تستطيع أن تقرأ شعراً إنجليزيا من القرون السابقة في هذا العصر، إلا المختصين في هذا الشعر، بينما تستطيع أن تقرأ شعراً لامرئ القيس الذي عاش قبل الإسلام بسهولة ويسر، لذا لا يُخشى على اللغة العربية من الانتشار، وقال إن الاتحاد الأوروبي الذي لم يتخذ لغة واحدة، بل لكلِ لغته وبينهما الترجمة.
وإذا أردنا أن نذكر بعظمة اللغة العربية، نرفع شأنها وننفض الغبار عنها، ونعني بها ونحافظ عليها وأن يرتفع شأن مدرسيها ومتحدثيها في المنابر وإعداد معلميها ومقرراتها.
ومن العوائق التي تواجه اللغة العربية كثيرة منها كما ذكرنا غياب الرؤية والاستراتيجية للنهوض باللغة العربية للانشغال بالجزئيات وكذلك تيار العولمة التي لم تشكل اللغة العربية إلا جزءاً يسيراً، وكذلك من المؤسف عدم اهتمام أقسام اللغة العربية بالجامعات بها وعدم النهوض بها وتدريسها، ولا يعتني بأدب الأطفال وإثراء المكتبات التي تعتني بأدب الأطفال، وهنا أذكر مبادرات بن مكتوم في أدب الأطفال وتحفيزهم على القراءة، وقد أنشأ مسابقات كثيرة وحبب الأطفال في القراءة والتحصيل، وشهدنا كثيراً من أطفالنا الذين شاركوا في المسابقات، يتحدثون العربية بطلاقة، وبدأوا في الكتابة بالعربية حسب سنهم ومستواهم التعليمي وذلك مما حبب إليهم اللغة العربية حيث رسخت في أذهانهم.
واستوقفني مقال للكاتبة السعودية إيمان الوزير، وهي تربوية تقول (دعونا نقرأ، وقد آلمني ضعف اللغة العربية وانقلاب الحروف عند كثير من التلاميذ، فيجب العناية بمكتبة الأطفال، وقد أشرف الدمع على مستقبل العربية التي أهملناها، حيث أصبح الطفل يعرف (أبل) ولا يعرف تفاحة، لأن الطفل أصبح حبيس الإصدارات والمدارس الأجنبية التي أسهمت في ضمور اللغة العربية واضمحلالها، وهذا صوت يصيح هماً وخوفا وهلعاً على ناشئتنا يختزل الكثير من رصيدها. ويظهر ذلك في شخبطة التلاميذ على الجدران، حيث تمسخ هذه الشخبطة الحروف العربية.
نحن في السودان، لدينا حصة الخط العربي حوالي ساعة يتدرب فيها التلاميذ على كتابة الأحرف بالطريقة الصحيحة وكذلك حصة المكتبة، حيث يقرأ التلاميذ كتباً ثقافية وأدبية ودينية ويلخصونها، أتذكر ابن بنتي أحمد حيث يسمونه (حمودي اسم الدلع)، كان متعلقاً بي كثيراً، وكان يحب أن أقرأ له، فأقوم بحكاية أنسجها من الخيال كالأحاجي، مما جعله وهو في سن الرابعة عشر أن يؤلف كتاباً أسماه (حكايات لا أنساها)، ومما يشجع على القراءة خاصة العربية والمبادرات التي ترصد لها الجوائز للنشء، ويتبارون فيها كما أسلفنا (مبادرة راشد بن مكتوم)، والتي تعد الأكبر من نوعها في المنطقة العربية، وقد انطلق التحدي في عام 2015م، وتقام سنوياً كالبداية بقراءة 50 كتاباَ، وقد شارك كثيرٌ من أطفال عالمنا العربي، وقد كان نصيب أطفال السودان كبيراَ من حصد الجوائز.
وبالطبع هذا يعد حافزاَ وتشجيعاً على حب اللغة العربية. ولا يفوتني أن أذكر اثنينية عبد المقصود خوجة التي تقام كل يوم اثنين بداره بجدة السعودية إزكاءَ لحب القراءة والاطلاع.
ومن حبي وامتناني للغة العربية، فقد طبعت رسالة الدكتوراه لزوجي المرحوم الدكتور أحمد التجاني عمر، حيث كانت بحق رسالة اعتز بها وافتخر بها، والتي نالها من جامعة الأزهر، وقال المناقشون اليوم لم تناقش رسالة، بل نحتفل بمولد عالم. وكانت بحق جديرة بذلك، وكانت تحت عنوان (التصوير الفني في الشعر العربي من العصر الجاهلي إلى الخامس الهجري)، وكانت قيمة وعشت معه أيامها حيث أجلس إليه لمساعدته بالكتابة، وأن يملي علي لأكتب، وهي عزيزة علي لعزة صاحبها، فطبعتها وتوزيعها على كثير من أصحابه وكذلك وزعت على بعض المكتبات الجامعية بالسودان (صدقة جارية).
وقد أردت أن استعرض بعض الأخطاء الشائعة في اللغة العربية، مما كتبه جهابذة وأساطين العربية وعرابيها ما آل إليه حال أم اللغات كما أسلفنا، فهي لغة القرآن الكريم الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) سورة فصلت، الآية 42.
من الأخطاء الشائعة عند قارئي نشرات الأخبار في وسائل الإعلام أو من يعتلون المنابر، تلك الأخطاء الفظيعة التي تصيب السامع بالاشمئزاز، أو قل الغثيان، لا أدري هل هو جهل أم استهتار باللغة العربية؟؟ منها.
1 (وسًط) والتي يقرأونها وسْط: ألم يقرأوا الآية الكريمة (كذلك جعلناكم أمة وَسَطَاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً..) سورة البقرة، الآية 143.2.
كلمة حاجة، والتي ينطقها السواد الأعظم في السودان (حوجة)، والصحيح (حاجة)، كما ورد في سورة يوسف، الآية 68, (وما يغني عنهم من الله شيئاً إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها).
3 كذلك كلمة مسّودة والتي سّودوا عيشتها وتنطق مْسودة.
4إن وهذه تلك التي لم نسمع في حياتنا من ينطقها صحيحة بعد القول وكثيرون ينطقونها بفتح الهمزة.
5 كلمة هوية بضم الهاء والتي أتت من كلمة (هو) والتي ينطقونها بفتح الهاء.
6 كلمة كمية التي تسود في السودان، حيث يقول القائل (كمية من الناس)، وهذا خطأ فادح، إذ كان من الصحيح استخدام (عدد من الناس، فيقال عندنا كمية من السكر، أو في مستودعي كمية من الحديد.
7 كلمة مرحلة وينطقها الكثير من الناس بكسر الحاء، فالصحيح نطقها بفتح الحاء.
8 العدة والعتاد، يقولون أعددنا العدة بكسر العين، فالصحيح أعددنا العدة بضم العين للقيام برحلة، أما العدة بكسر العين فللعدد.
9 استخدام الكاف للتشبيه، ويقول بعض الناس (نحن كأطباء) أو (نحن كسودانيين، لماذا التشبيه وأما كان ينبغي أن نقول (نحن سودانيين) ونعرفها بالألف واللام أو نحن الأطباء و(نحن مواطنون).
10 كلمة فيضان التي تنطق بالفتح وجمعها فيضانات بالسكون.
11 القُوى بضم القاف وليس القِوى بكسرها. (علمه شديد القُوى) سورة النجم، الآية رقم 5.12 في العدد يقال (الجهات الأربعة) يجب أن نقول (الجهات الأربع؛ لأن العدد يخالف المعدود في تمييز العدد من 39, (فخذ أربعة من الطير، فصرهن إليك) سورة البقرة، الآية 260.
فحب اللغة العربية يجري في دماء كل أسرتي ولله الحمد، بالرغم من التخصصات المختلفة، وأحببت الكتابة والقراءة منذ أن كنت طالبة، في المدرسة وكلية المعلمات، حيث كنا نشارك في الجمعيات الأدبية، التي نتحدث بها باللغة العربية الفصحى، مما هيأتني للكتابة منذ ذاك الزمان، فألفت كتابي الأول بعنوان.
التغذية، وكانت الطبعة الأولى ثلاث آلاف نسخة، طٌبع بالأردن ووزع بالمملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان العربية وغير العربية مثل المملكة المتحدة، أما الطبعة الثانية، فكانت أربعة آلاف نسخة، وٌزعت بدولة قطر وغيرها من الدول والطبعة الثالثة فقد كانت، فقد كانت ألف نسخة طبعت في السودان، كما دُرس بكليات التربية بالمملكة العربية السعودية، وكذلك ألفت ديوان شعر بعنوان (أصداء)، الذي كانت قصائده باللغة الدارجة السودانية، إلا أن تعلقي باللغة العربية الفصحى جعلني، أحشر كثيراً من الكلمات الفصيحة.
إن اللغة العربية أينما حلت لها طعم خاص، حتى ولو أدخلت على اللهجة الدارجة، مما يجعلها حلوة كالوجبة التي أضيفت إليها البهارات الهندية.
اللغة العربية والناطقين بغيرها
فاللغة العربية كريمة ككرم أهلها، لم تنس الناطقين بغيرها، وقد أولت أولئك العناية، بأن أنشئت معاهد لتعليمهم، حيث أصبحت لغة عالمية تمثل ثقافة عربية وإسلامية وهي حية معاصرة تخدم شريحة كبيرة من المجتمعات الإنسانية، حيث أتاحت الفرصة للناطقين بغيرها تعلمها كتابة وتحدثاً بطلاقة، فكلما سمعت شخصاً أشقر عيونه خضر يتكلم في منبرها أعجبت به، وأحسست وأيقنت أن العربية لا يخشى عليها مهما توافرت الحضارات والتكنلوجيا.
أرجو من الإخوة السودانيين أن يبعدونا عن (حوجة) و (كمية من الناس).
المصدر: صحيفة التغيير