اخبار السودان

ما تأثير عقوبات واشنطن على قائدين بالدعم السريع في معارك الفاشر؟

 فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على اثنين من قيادات قوات الدعم السريع لما دعت أنهما وراء هجمات قواتهما للسيطرة على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ومركز الإقليم، في خطوة يعتقد مراقبون أنها لن تؤدي إلى توقف العملية، وتسعى واشنطن من ورائها إلى مخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي حتى لا تتهم بالتقصير في وقف ما يجري بدارفور من جرائم وانتهاكات بحق المدنيين.

وتشهد الفاشر منذ 10 أيام اشتباكات بين الجيش السوداني والحركات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى مما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين وإصابة المئات ومحاصرة المدينة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وإلى حركة نزوح واسعة.

وقالت الخزانة الأميركية إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة فرض عقوبات على اللواءين علي يعقوب جبريل وعثمان محمد حامد، لقيادتهما حملة تشنها قوات الدعم السريع على الفاشر “مما عرض حياة نحو مليون مدني سوداني للخطر، وعرقل وصول المساعدات الإنسانية، وزاد من خطر وقوع جرائم إبادة جماعية“.

مقربان من حميدتي

واللواء جبريل زعيم مليشيا قبلية عربية، اتهمته مجموعات قبلية غير عربية بارتكاب انتهاكات وجرائم بحق مدنيين، قبل أن يلتحق بقوات الدعم السريع حيث يتولى قيادة قواتها بولاية وسط دارفور، وتربطه صلة وثيقة مع قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

كما أنه يقود عملية قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر، بعدما اجتاح في أبريل/نيسان الماضي بلدة مليط 56 كيلومترا شمال الفاشر، وهي المنفذ الرئيسي الذي يغذي شمال دارفور بالمواد الغذائية القادمة من ليبيا ومصر عبر مدينة الدبة شمال السودان.

أما اللواء حامد الشهير بـ”عمليات” فهو مسؤول العمليات في قوات الدعم السريع، وانتدبه حميدتي من الجيش لقواته وبات قريباً منه ومصدر ثقته، وبعد إنهاء الجيش لانتدابه بعد اندلاع الحرب ظل في موقعه مع “الدعم السريع” ويعد المشرف على العملية العسكرية في الفاشر.

وكانت الخزانة الأميركية فرضت في سبتمبر/أيلول 2023 عقوبات على كل من عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع شقيق “حميدتي”، وقائد القوات بولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، لما اعتبرت أنهما مسؤولان عن أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والقتل على أساس عرقي غرب دارفور بعد اغتيال حاكم الولاية خميس أبكر والتمثيل بجثته.

خطوة تكتيكية

ويرى المحلل السياسي خالد سعد أن العقل الأميركي الذي يدير ملف السودان يعيد تجارب غير فعالة بشكل حاسم وسريع، ويكشف ذلك عن إدراك غير عميق بتعقيدات أمور السودان، ويعزز فرضية أن “مشاوراتهم الإقليمية قاصرة عن فهم بلادنا بصورة أفضل”.

وحسب حديث المحلل السياسي إلى الجزيرة نت، فإن مسألة العقوبات تريح واشنطن من ناحية داخلية، وتستفيد منها في مواجهة منتقديها بالخارج بشأن بقائها “مكتوفة الأيدي” أمام هذه الكارثة في السودان. وحتى لا يجرح كبرياء تأثيرها الدولي تستخدم ورقة العقوبات، لكن فعليا تمزقها الأوضاع على أرض الواقع، كما حدث العام الماضي مع العقوبات الصادرة ضد أشخاص من بينهم نائب قائد الدعم السريع.

وتعد الخطوة الأميركية حسب المحلل السياسي تكتيكاً يمهد للمبعوث الأميركي إلى السودان انخراطا أكثر فاعلية في المسألة عبر “منبر جدة” أو غيرها من الوساطات، وذلك استكمالا لسياسة “امنحوا الحرب الفرصة الهادفة للحسم أو الإنهاك” في إشارة إلى رغبة واشنطن بإطالة أمد الحرب.

ويتوقع المتحدث ذاته ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا أكثر على كافة أطراف الصراع بما فيها القوى السياسية، للتهدئة والدخول في محادثات أكثر جدية، لكن ذلك أيضا رهين بالأوضاع على أرض الواقع خصوصا في معارك حاكمة لسياسة الحرب سواء في الفاشر أو ولاية الجزيرة التي تسيطر قوات الدعم السريع على غالب محلياتها.

عقوبات غير فعالة

من جانبه، رحب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بفرض واشنطن عقوبات على اثنين من قيادات الدعم السريع.

وأشاد خلال تدوينة في صفحته في “فيسبوك” بموقف الولايات المتحدة الذي يدعو لوقف التصعيد في الفاشر، ودعوتها للدعم السريع التخلي فوراً عن ضرب الحصار على المدينة بغرض التخويف والتجويع، وقال إن قوات الدعم السريع تستهدف النهب واستباحة المدينة كما فعلت في مدن أخرى.

وفي المقابل، يقول كبير باحثي المركز الأفريقي بالمجلس الأطلسي كاميرون هدسون معلقاً على العقوبات الأميركية إن المنطق المعطوب وغياب الإستراتيجية يؤديان إلى فرض عقوبات اقتصادية على فردين لا يمتلكان حسابات مصرفية بالدولار الأميركي ولا يسافران إلى الخارج.

وكتب هدسون في منصة “إكس” أن الولايات المتحدة قلقة بشأن ما يحدث في الفاشر، وهي عاجزة إلى حد كبير عن تغيير مسار الصراع، واتخذت خطوة ضغط لـ”فعل شيء ما” أو على الأقل الظهور وكأنهم يفعلون شيئًا حتى لو كان ذلك الشيء في الغالب تمثيليًا.

وأضاف “تبدو هذه العقوبات صارمة دون أن تكون صارمة وتجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها منخرطة دون أن تكون منخرطة فعليًا.. هذه هي السياسة عندما لا تكون لديك إستراتيجية، ويكون نفوذك متضائلا، وتهتم أكثر بعلاقاتك مع الفاعلين في الصراع أكثر من اهتمامك بالضحايا”.

من جهته يقول الباحث في قضايا دارفور آدم عبد الرحمن إن واشنطن تسعى إلى طي ملف الأزمة في السودان قبل بدء الحملة الانتخابية الرئاسية، حتى لا يستخدم ما يجري في دارفور من جرائم حرب وانتهاكات ضد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واتهامها بالتقصير خاصة أن الذاكرة الأميركية لا تزال تختزن الإبادة التي وقعت في الإقليم قبل 21 عاما.

ويرى عبد الرحمن في تصريح للجزيرة نت أن الولايات المتحدة لا تملك أوراق ضغط كافية لإنهاء الحرب في دارفور، ويستدل على ذلك باستمرار قوات الدعم السريع في الهجوم على الفاشر بعد 24 ساعة من فرض العقوبات الأميركية على اثنين من قيادتها.

كما أن مصالح الولايات المتحدة مع دول وجهات أخرى تزود قوات “حميدتي” بالأسلحة وتمثل وقوداً للحرب يقول الباحث لا تمكنها من فرض ضغوط فاعلة عليها.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *