ما أشبه اعتقالات الجيش للمواطنين اليوم … ببارحة القبض علي الدكتور علي فضل وتعذيبه واغتياله!!
في يوم السبت القادم ٢٠/ أبريل الحالي تجئ الذكري الـ(٣٤) عام علي اغتيال الطبيب/ علي فضل في احدى (بيوت الاشباح) ، وقاتله هو زميله سابقا في كلية الطب بجامعة الخرطوم ورفيق المهنة فيما بعد ، هذا القاتل اللواء طبيب/ الطيب محمد خير الملقب ب” طيب سيخة ، هو واحد من الذين هربوا من سجن كوبر في يوم السبت ١٥/ أبريل ٢٠٢٣م مثل بقية السجناء الذين فروا من السجن ، وكان سبب وجوده في السجن اتهام موجه له بالاشتراك في انقلاب ٣٠/ يونيو ١٩٨٩م .
واعتذر للقراء ان كنت مجددا اليوم أعيد مرة تفاصيل الحدث القديم المتعلق باعتقال واغتيال علي فضل رغم انها ماعادت مخفية عن أحد ومعروفة للجميع وكتبت عنها الصحف السودانية والاجنبية عشرات المرات ، ولكن هذا الحدث القديم الذي وقع عام ١٩٩٠م تكرر مرة أخري بنفس الشكل والتفاصيل ، وايضا “ياللغرابة” وقع في شهر أبريل!! .
توفي علي فضل بقسم الحوادث في المستشفى العسكري باُمدرمان نتيجة التعذيب البشع الذي ظل يتعرض له خلال فترة إعتقال دامت ٢٣ يوماً منذ لحظة اعتقاله من منزل اُسرته بالديوم الشرقية مساء الجمعة ٣٠ مارس ١٩٩٠م ونقلِه إلى إحدى أقبية التعذيب التي أسسها نظام الجبهة الاسلامية غداة استيلائه على السلطة في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م. وطبقاً للتقرير الطبي الذي صدر عقب إعادة التشريح ، ثبت أن الوفاة حدثت نتيجة “نزيف حاد داخل الرأس بسبب ارتجاج في المخ ناتج عن الارتطام بجسم صلب وحاد”.
عندما كان جثمان الشهيد علي فضل مسجى بقسم حوادث الجراحة بمستشفى السلاح الطبي باُمدرمان سُجلت حالة الجثة كما يلي:
(أ) مساحة تسعة بوصات مربعة نُزع منها شعر الرأس إنتزاعاً.
(ب) جرح غائر ومتقيّح بالرأس عمره ثلاثة أسابيع على وجه التقريب.
(ج) إنتفاخ في البطن ، والمثانة فارغة ، وهذه مؤشرات على حدوث نزيف داخل البطن.
اصدر (المجلس العسكري العالي لثورة الانقاذ) وقتها بعد الانقلاب مرسوم عسكري حظر فيه الناس من الاضراب عن العمل او الدعوة له ، وان من يخالف هذا المرسوم سيتعرض لعقوبة الإعدام . في عام ١٩٨٩م ، وتحديدا بعد مرور خمسة شهور من الانقلاب ، حاقت بالأطباء ظروف عصيبة جراء القمع والتنكيل والتشريد، فقرروا الدخول في إضراب عن العمل بغية لفت الأنظار الي الحالة المتردية في المستشفيات نتيجة النقص في الكادر الطبي ، والأساليب الفاشية التي كانت تمارس ضد من هم في الخدمة ، كان للإضراب الذي نفذه الأطباء إبتداء من يوم الأحد ٢٦ نوفمبر١٩٨٩م أثراً قوياً في كسر حاجز المواجهة مع النظام، أثار في المقابل هذا الإضراب ذعراً واضحاً وسط سلطات النظام الإنقلابي الذي بدأ حملات قمع واعتقالات واسعة ، وملاحقات وتنكيل شرسة وسط النقابيين والأطباء على وجه الخصوص. وفي غضون أيام قليلة فقط جرى اعتقال عشرات الأطباء ، الذين نقلوا إلى (بيوت الأشباح) التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت “جهاز أمن الثورة”، وهو واحدة من عدة أجهزة أمن تابعة لتنظيم (الجبهة الإسلامية).
استطاع الدكتور علي فضل الذي كان عضوا بارزا في لجنة تنظيم الأضراب ،(والمطلوب القبض عليه حيآ او ميتآ) من قبل السلطات الأمنية الاختفاء تمامآ عن العيون ، وظلت دوريات الحراسة تبحث عنه في مكان ، وكانت في كل مرة ترجع خائبة لقواعدها.
عندها لجأ الطيب (سيخة) الي حيلة قذرة فقام بالقبض علي شقيق الدكتور علي فضل وبقاؤه في احدي (بيوت الاشباح) حتي يسلم علي فضل نفسه للسلطات الأمنية ، والا فان شقيق علي فضل سيظل في المعتقل الي ابد الابدين.
عندها قام علي فضل فداء لشقيقه بتسليم نفسه للسلطات الأمنية ، وكان يوم الفرح والسرور عند الطيب (سيخة)!! اعتُقل علي فضل مساء الجمعة ٣٠ مارس ١٩٩٠م ونقل على متن عربة (بوكس تويوتا) الى واحد من أقبية التعذيب. وبدأت حفلة التعذيب علي يد الطيب سيخة وعوض الجاز وابراهيم شمس الدين وبكري حسن صالح والطبيب عيسى بشرى ويسن عابدين. واتضح في وقت لاحق ان التعذيب قد بدأ ليلة نفس اليوم الذي اعتُقل فيه. وطبقاً لما رواه معتقلون آخرون كانوا في نفس (بيت الأشباح) الذي نقل إليه ، اُصيب علي فضل نتيجة الضرب الوحشي الذي تعرض له مساء ذلك اليوم بجرح غائر في جانب الرأس ، جرت خياطته في نفس مكان التعذيب وواصل جلادو الجبهة البشاعة أو اللاإنسانية التي تشربوها فكراً واحترفوا ممارسة. إستمر تعذيب الشهيد علي فضل على مدى ٢٣ يوماً منذ اعتقاله مساء ٣٠ مارس ١٩٩٠م حتى استشهاده صبيحة في يوم ٢١ أبريل ١٩٩٠م ، ثبت بوضوح إنه هزم جلاديه ، الذين فشلوا في كسر كبريائه وكرامته واعتزازه وتمسكه بقضيته. ومع تزايد وتائر التعذيب البشع اُصيب الشهيد علي فضل بضربات في رأسه تسببت في نزيف داخلي حاد في الدماغ أدى الى تدهور حالته الصحية. وحسب التقارير الطبية التي صدرت في وقت لاحق ، لم يكن على فضل قادراً على الحركة ، كما حُرم في بعض الأحيان من الأكل والشرب وحُرم أيضاً من النظافة والاستحمام طوال فترة الإعتقال. *** نُقل الشهيد علي فضل فجر يوم السبت ٢١ إبريل الى السلاح الطبي وهو فاقد الوعي تماماً ، ووصف واحد من الأطباء بالمستشفى هيئته قائلاً : (“إن حالته لم تكن حالة معتقل سياسي اُحضر للعلاج وإنما كانت حالة مشرد جيء به من الشارع)… لقد كانت حالته مؤلمة … وإنني مستعد أن اشهد بذلك في أي تحقيق قضائي يتقرر إجراؤه!! .
العاملون بحوادث الجراحة بالمستشفى العسكري اضطروا للتعامل مع حالة الشهيد علي فضل كمريض عادي دون التزام الإجراءات القانونية المتعارف عليها وذلك بسبب ضغوط رجال الأمن الذين أحضروا الشهيد بخطاب رسمي من مدير جهاز الأمن وأيضاً بسبب تدخل قائد السلاح الطبي ، اللواء محمد عثمان الفاضلابي، ووضعت الحالة تحت إشراف رائد طبيب ونائب جراح موال للجبهة الإسلامية يدعى أحمد سيد أحمد!!
فاضت روح الطبيب علي فضل الطاهرة حوالي الساعة الخامسة من صبيحة السبت ٢١ أبريل ١٩٩٠م ، أي بعد أقل من ساعة من إحضاره الى المستشفى العسكري ما يدل على أن الجلادين لم ينقلوه إلى المستشفى إلا بعد أن تدهورت حالته الصحية تماماً وأشرف على الموت بسبب التعذيب البشع الذي ظل يتعرض له ، بعد ظهر نفس اليوم أصدر طبيبان من أتباع تنظيم الجبهة هما : بشير إبراهيم مختار وأحمد سيد أحمد ، تقريراً عن تشريح الجثمان أورد فيه ان الوفاة حدثت بسبب “حمى الملاريا”، واتضح لاحقاً أن الطبيبين أعدا التقرير إثر معاينة الجثة فقط ولم يجريا أي تحليل أو فحص. وجاء أيضاً في شهادة الوفاة (رقم 166245)، الصادرة من المستشفى العسكري باُمدرمان والموقعة بإسم الطبيب بشير إبراهيم مختار ، أن الوفاة حدثت بسبب “حمى الملاريا”.
بعد اجتماعات متواصلة لقادة نظام الجبهة ومسؤولي أجهزته الأمنية ، اتسعت حلقة التواطؤ والضغوط لاحتواء آثار الجريمة والعمل على دفن الجثمان دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة ، فقد مارس نائب مدير الشرطة، فخر الدين عبدالصادق، ضغوطاً متواصلة لحمل ضباط القسم الجنوبي وشرطة الخرطوم شمال على استخراج تصريح لدفن الجثمان دون اتباع الإجراءات القانونية المعروفة ، فيما فتحت سلطات الأمن بلاغاً بتاريخ ٢٢ أبريل بالقسم الجنوبي جاء فيه ان الطبيب علي فضل أحمد توفي وفاة طبيعية بسبب “حمى الملاريا”. العميد أمن عباس عربي وقادة آخرون في أجهزة الأمن حاولوا إجبار اُسرة الشهيد على تسلُّم الجثمان ودفنه ، وهي محاولات قوبلت برفض قوي من والد الشهيد واُسرته التي طالبت بإعادة التشريح بواسطة جهة يمكن الوثوق بها.
ويقول شاهد عيان:(الساعة ٩،٤٥ مساء وصلنا وشاهدنا حركة غير عادية ونحن نرقب منزل الشهيد من بعد ولمحت المدعو “عباس عربي” رجل استخبارات وأمن نظام القتلة يدخل ويخرج متوترا ، وهو يسعى جاهدا لإقناع العم فضل أحمد باستلام جثمان ابنه ودفنه سريعا على قاعدة الإسلام التي تقول ”الميت أولى بالدفن و إكرام الميت دفنه”، ناسيا عن عمد ما جاء في محكم التنزيل معنى ودلالة ” بأن الذين إن أصابهم البغي فهم ينتصرون.. والسن بالسن والجروح قصاص”). إزاء هذا الموقف القوي اُعيد تشريح الجثة بواسطة أخصائي الطب الشرعي وفق المادة ١٣٧ (إجراءات اشتباه بالقتل) وجاء في تقرير إعادة التشريح ان سبب الوفاة “نزيف حاد بالرأس ناجم عن ارتجاج بالمخ نتيجة الإصطدام بجسم حاد وصلب”.
وبناء على ذلك فُتح البلاغ رقم 903 بالتفاصيل الآتية:
المجني عليه: الدكتور علي فضل أحمد
المتهم : جهاز الأمن
المادة : 251 من قانون العقوبات لسنة 1983م (القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد).
*** لم تتمكن (العدالة) من النظر في القضية وأوقفت التحريات نتيجة الضغوط المتواصلة والمكثفة من نظام الجبهة ورفض جهاز الأمن تقديم المتهمين الأساسيين للتحري ، أي الأشخاص الذين كان الشهيد تحت حراستهم ، وهم المتهمون الأساسيون في البلاغ.
عودة الي خبر جديد نشر في صحيفة “الراكوبة”
يوم الاثنين ١٥/ أبريل الحالي تحت عنوان:
(اتهامات للجيش بأخذ شقيقين رهائن لحين تسليم شقيقهما الثالث نفسه.). جاء فيه:
(… اتهمت لجان المقاومة أبو حجار بولاية سنار الجيش السوداني بإعتقال شقيقين من داخل منزلهما واحتجازهم كرهائن لحين تسليم شقيقهما الثالث نفسه. وقال لجان المقاومة في بيان إن “قوة من استخبارات الفرقة «17» بعدد خمسة تاتشر وأكثر من ثلاثين جندي مُلثم ومدجج بالسلاح ، داهمت يوم أمس في تمام الساعة 11 مساءًا منزل أسرة عضو لجان المقاومة ـ أبو حجار والناشط الأنساني مصعب محمد ادم «أدروب» بمدينة أبوحجار وروّعت أهل بيته دون مراعاة لحرمة النساءِ والأطفال في سلوك بربري لا يشبه عاداتنا وأخلاقنا كسودانيين”. أكد البيان أن القوة عندما لم تجد “أدروب” قامت باعتقال أخويه “المحامي مكاوي محمد آدم، والطالب مقداد محمد ادم” واقتادوهما الي مكانٍ غير معلوم كرهائن ، مشيرًا إلى أن هددت والدهم كبير السِن بأن عليه تسليم أبنه “مصعب” في مدة لا تتجاوز الـ 24 ساعة والاّ سيتم القبض على بقية أفراد أسرته.
اقتحمت أمس الجمعة 12 أبريل 2024م :
وكانت قوة مسلحة على متن ثلاث سيارات دفع رباعي تتبع الاستخبارات الفرقة (17) مشاة، اقتحمت يوم الجمعة منزل المحامي والمدافع عن حقوق الانسان بكري الماحي ، بمدينة سنجة واقتادته لجهة غير معلومة. وحذرت مجموعة محامي الطوارئ الحقوقية قيادة الفرقة 17 من استمرار عمليات الاعتقال غير المشروع التي تنفذها في محليات الولاية المختلفة والتي تستهدف المدنيين والنشطاء السياسيين وأعضاء لجان المقاومة ، وحملتها كامل مسؤولية سلامة المحامي بكري الماحي وسلامة جميع المعتقلين لديها.). أنتهي
سكت البرهان وأعضاء مجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني والحكومة ووزير الداخلية والنائب العام عن هذا الاعتقال الغير مبرر وبلا تهم محددة!!
ويبقي السؤال مطروح بشدة : هل سيلقي المحامي بكري الماحي وشقيقه الطالب مغداد نفس مصير الطبيب علي فضل ، ويتم اغتيالهما تعذيبا وربما اغتصابا علي شاكلة وفاة المعلم أحمد خير ، وتستخرج شهادة الوفاة بانهما ماتا بالملاريا؟!! .
مرفق مع المقال:
١ سيرة الشهيد الدكتور/ علي فضل وقصته.
https://www.youtube.com/watch?v=ZIRaVDufISE
٢ الشهيد الدكتور علي فضل وثائقي في الذكرى
الثلاثين لاستشهاده الجزء الأول من ثلاثة أجزاء.
https://www.youtube.com/watch?v=56l2Yl3vrII
٣ بيوت الاشباح ذكرى الشهيد د. علي فضل أول عملية إغتيال
إغتيال في معتقلات التعذيب (بيوت الأشباح السودانية).
https://www.youtube.com/watch?v=cfxTtNnHYEM
٤ الشهيد الدكتور علي فضل قتل بمسمار على الراس.
https://www.youtube.com/watch?v=T2A1VbB0HzU
المصدر: صحيفة الراكوبة