اخبار السودان

ماذا نعرف عن قانون “قيصر” الذي فضح “انتهاكات” نظام الأسد في سوريا؟

ماذا نعرف عن قانون “قيصر” الذي فضح “انتهاكات” نظام الأسد في سوريا؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، هوية المصور العسكري “قيصر” المنشق عن النظام السوري بقيت سرّية ولا يظهر أمام الكاميرات، وهنا يرتدي سترة زرقاء في جلسة أمام مجلس النواب عن الشؤون الخارجية في واشنطن بتاريخ 31 يوليو/تموز 2014

اتخذ مجلس النواب الأمريكي قرارا في عام 2019 يقضي فيه بالإجماع بتطبيق “قانون حماية المدنيين السوريين” أو ما عُرف باسم قانون “قيصر”، وهو قانون ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية، وتستهدف دولا تدعمها، مثل إيران وروسيا، لمدة 10 سنوات في خطوة وصفت بأنها تأكيد على عزم المجلس على النهوض بدور هام في الشرق الأوسط.

وقالت لجنة الشؤون الخارجية في المجلس في بيان لها صدر في 22 من يناير/كانون الثاني 2019 إن مجلس النواب الأمريكي صوّت على تفعيل قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين” من أجل فرض عقوبات جديدة على حلفاء سوريا في مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوي.

جاء في بيان الخارجية الأمريكية أنه بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، “سيُطلب من الرئيس الأمريكي فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري”.

كما جاء في البيان أن القانون يطال أي جهة توفر طائرات أو قطع غيار طائرات لشركات الطيران السورية، أو أي جهة تشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو التي تدعم صناعة الطاقة في سوريا.

وكانت منظمة العفو الدولية قد كشفت في تقرير سابق عن حالات إعدام جماعي شنقا نفذها النظام السوري بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، معظمهم من المدنيين المعارضين، خلال الفترة بين عامي 2011 و 2015.

كما أشارت احصاءات سابقة نشرتها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن اعتقال نظام بشار الأسد السابق تعسفيا العديد من الضحايا كان لايزال من بينهم ما يزيد على 137 ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم حتى تاريخ نشر هذا الإحصاء في أغسطس/آب 2024، فضلا عن “تعذيب” ما يزيد على 15 ألف شخص، و”مقتل” ما يزيد على 136 ألف من المدنيين على يد النظام السوري.

ولم تصدر سلطات النظام السوري السابق تعليقات رسمية كثيرة بشأن مصير هؤلاء، أو حتى بخصوص التقارير التي تحدثت عن الظروف التي يعيشونها داخل السجون.

فما هو إذن قانون “قيصر” وما هي أهدافه؟

قانون “قيصر” وأصل التسمية؟

معرض صور فوتوغرافية من داخل السجون السورية للمصور العسكري

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، معرض صور فوتوغرافية من داخل السجون السورية للمصور العسكري “قيصر” الذي انشق عن النظام الحكومة وتظهر أساليب التعذيب المروعة التي شهدتها السجون السورية، الصورة بتاريخ 15 يوليو/تموز 2015

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

قانون “قيصر” أو “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” سُمِّي بهذا الاسم نسبة إلى شخص عُرف بلقب “قيصر”، وهو اسم مستعار لمصور عسكري سوري سابق.

انشق “قيصر” عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ 11 ألف سجين قُتلوا أثناء عمليات تعذيب، وكان يتعاون مع شخص آخر عُرف باسم حركي، “سامي”، واستخدم المصور اسم “قيصر” لإخفاء هويته الحقيقية، وعُرضت صوره في قاعات مجلس الشيوخ الأمريكي، وأثارت ردود فعل عالمية غاضبة في ذلك الوقت.

ونشرت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية مؤخرا مقابلة حصرية مع “سامي”، التي أعرب فيها عن ترحيبه بالتغيير الذي طرأ على سوريا في ظل سيطرة المعارضة على دمشق، مشدداً على ضرورة “المحاسبة”، ومحذّرا من تبعات “الدخول العشوائي للمواطنين إلى السجون وأماكن الاحتجاز”، مشيراً إلى أن ذلك “أدَّى إلى إتلاف أو فقدان وثائق وسجلات رسمية مهمة للغاية تكشف عن انتهاكات منذ عشرات السنين”.

وكشف سامي، في مقابلته الحصرية مع “الشرق الأوسط” في العاصمة الفرنسية باريس عن اسمه وصورته الحقيقيتين، وهو الناشط الحقوقي السوري، أسامة عثمان، الذي يرأس حاليا مجلس إدارة “منظمة مجموعة ملفات قيصر”، والذي كان يعمل مهندساً مدنياً عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، وارتبط اسمه بـ “قيصر” في تهريب صور قتلى التعذيب في السجون السورية.

تعاون “سامي” و”قيصر” في جمع وثائق التعذيب في مايو/أيار عام 2011، بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة ضد نظام حكم بشار الأسد، ونجح “قيصر” في تهريب صور قتلى التعذيب في سجون النظام عبر استخدام ذاكرة رقمية محمولة أعطاها لـ “سامي”، ونجح الرجلان في تهريب “أرشيف التعذيب” إلى خارج سوريا، وصارت شهادتهما دليل إدانة للنظام السوري في المحافل الدولية.

وردا على سؤال في مقابلته الحصرية لماذا قرر “سامي” الخروج عن صمته وكشف اسمه الحقيقي؟ أجاب: “طبيعة العمل وطبيعة الملف الذي خرجنا به من سوريا كانت سبباً في أن أحرص على إخفاء هويتي وهوية الكثير من أعضاء الفريق. اليوم نحن، الحمد لله، في وضع آخر تماماً. نحن في مكان آخر. في سوريا أخرى جديدة”.

ورفض “سامي” الإدلاء بأي معلومات عن طريقة مغادرته و”قيصر” سوريا ووصولهما إلى دول الغرب، بيد أنه اكتفى بالقول: “أنا أسامة عثمان، مهندس مدني من ريف دمشق. كثيرون يعرفونني حتى وإن اختفيت تحت اسم (سامي). كان لابد من أن اتخذه درعاً يحميني أثناء فترة العمل الشاق على هذا الملف المعقد الذي ساهم في صنعه الكثير من الأبطال المجهولين”.

وأضاف للصحيفة اللندنية: “لست الوحيد. هناك الكثير من الأبطال المجهولين الذين ساهموا في وصولنا إلى هذه المرحلة. ملف قيصر احتاج جهوداً جبارة في أوروبا عبر المحاكم وفي الولايات المتحدة عبر منظمات سورية بذلت الكثير حتى استطاعت أن تدفع الإدارة الأميركية لإصدار ما يسمى بقانون قيصر أو قانون حماية المدنيين وهو أحد مفرزات ملف قيصر”.

“ما هو سبب إصدار القانون؟”

أحد أفراد المعارضة السورية يمزق صورة لبشار الأسد

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، أحد أفراد المعارضة السورية وهو يمزق صورة لبشار الأسد

بعد أن سرّب “قيصر” صور تعذيب المعتقلين في السجون السورية، توصل الكونغرس الأمريكي إلى ما يلي:

  • أصبح أكثر من 14 مليون سوري لاجئاً أو نازجاً داخلياً خلال السنوات الخمس الأولى من الصراع.
  • مات أكثر من 60 ألف سوري بينهم أطفال في السجون السورية بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
  • صرح جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، بأنه متأكد تماما من استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيمياوية ضد شعبه.
  • منع الأسد وصول المساعدات الطبية إلى المدنيين الذين كانوا في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة بحسب ما جاء على الموقع الرسمي للكونغرس.
  • رأى الكونغرس أن أعمال بشار الأسد ضد الشعب السوري أدت إلى مقتل مئات الالاف وتدمير أكثر من 50 في المئة من البنية التحتية الحيوية في سوريا، وشرّدت أكثر 14 مليون شخص وتسببت بأكبر أزمة إنسانية منذ اكثر من 60 عاماً.

“تداعيات تطبيق القانون”

شخص ومعه مجموعة من العملات السورية

صدر الصورة، RAMI AL SAYED

التعليق على الصورة، كان من أهداف تطبيق القانون زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد

بدأت تداعيات تطبيق قانون “قيصر” أو “حماية المدنيين في سوريا” الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية تظهر جلية، متسبباً بأزمة اقتصادية وإنسانية خانقة داخل سوريا وموجة خوف وقلق لدى قطاع واسع من رجال الأعمال والتجار اللبنانيين وغيرهم ممن يتعاملون مع سوريا.

ودخل القانون حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2019 بهدف حرمان بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأسمال سياسي لتكريس وتعزيز فرص بقائه في السلطة الى أجل غير مسمى.

كما كان من أهداف تطبيق قانون “قيصر” زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد ومحاصرة ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

وأصدر أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الديمقراطيان انغل ومينينديز والجمهوريان ماكول وريش، الذين رعوا هذا التشريع، بيانا قبل تطبيق القانون جاء فيه: “لقد عانى الشعب السوري كثيراً ولوقت طويل تحت حكم الأسد ومؤيديه”.

وأضاف البيان: “يجب على الإدارة (الأمريكية) المشاركة في الإنفاذ القوي والمستمر لقانون قيصر من أجل إرسال رسالة إلى النظام وعناصره مفادها أن الأسد لا يزال منبوذاً ولن يستعيد مكانته كزعيم شرعي”.

كما حث البيان “النظام ومن يرعاه أن يوقفوا ذبح الأبرياء وأن يوفروا للشعب السوري طريقاً نحو المصالحة والاستقرار والحرية. نحث بشدة جميع أعضاء المجتمع الدولي على عدم التعاون تجارياً أو دبلوماسياً مع نظام الأسد القاتل”.

“سد الطرق”

شملت عقوبات القانون كل الجهات الدولية والإقليمية التي تتعاون مع نظام الأسد على نحو يفضي إلى حرمانه من فرصة تجاوز العقوبات عبر الالتفاف عليها، وهي عقوبات تطال أي نشاط اقتصادي بشكل تلقائي، وكذلك أي تعامل مع إيران وأي من الأطراف والجهات الإقليمية والدولية في حال فكرت في الاستثمار أو العمل في سوريا.

كما استهدفت العقوبات كيانات كانت تعمل لصالح الأسد في أربعة قطاعات هي: النفط والغاز الطبيعي، والطائرات، والبناء، والهندسة، ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سوريا.

علاوة على ذلك نص القانون على مطالبة الإدارة الأمريكية بتحديد ما إذا كان “المصرف المركزي السوري” هو كيان من النوع الذي يشكل “مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال”.

“عرض قُدّم للأسد”

صورة للرئيس السوري بشار الأسد مثقوبة بالرصاص في مطار كويرس العسكري في الجزء الشرقي من محافظة حلب بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، صورة للرئيس السوري بشار الأسد مثقوبة بالرصاص في مطار كويرس العسكري في الجزء الشرقي من محافظة حلب بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول

كشف المبعوث الأميركي إلى سوريا في ذلك الوقت، جيمس جيفري، أن واشنطن قدمت للأسد عبر طرف ثالث “عرضاً بطريقة للخروج من هذه الأزمة. إذا كان مهتماً بشعبه سيقبل العرض” لافتاً إلى أن واشنطن أرادت “رؤية عملية سياسية، من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، لكن تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم توفيره قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة”.

كما صرح نائب جيفري الدبلوماسي، جويل ريبورن، في ذلك الوقت أن القانون “يطال الأفراد والشركات ويعطينا القدرة على تناول قطاعات كاملة منصوص عنه بالقانون” وأن لا حل أمام الأسد سوى قرار مجلس الأمن 2254.

ويعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر. وأنتجت الحرب االمستمرة منذ 2011 طبقة جديدة من تجار الحروب الذين راكموا ثروات طائلة وباتت هذه الفئة الصغيرة تتحكم بمعظم ما تبقى من نشاط اقتصادي في البلاد.

وتعرضت البنية التحتية والمنشأت الاقتصادية لدمار واسع بينما توقف حتى ما تبقى من مصانع ومنشآت صناعية وانتاجية خاصة بسبب نقص المواد الأولية التي كان يتم استيرادها بالدولار من الخارج عبر المصارف اللبنانية.

“الصديق وقت الضيق”

المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي

صدر الصورة، Anadolu Agency

التعليق على الصورة، لعبت ايران دوراً محوريا في بقاء الاسد في الحكم

صحيح أن مقولة “الصديق وقت الضيق” صحيحة في كل زمان ومكان، لكن إذا كان الصديق نفسه يعاني من ضائقة مالية شديدة فالأقربون يصبحون أولى بالمعروف. ومما فاقم أزمة الرئيس السوري السابق أن دائرة أصدقائه كانت تقتصر على إيران وروسيا، وهما تواجهان أوضاعا اقتصادية صعبة بسبب تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة عليهما.

وتشير بعض التقديرات إلى أن ايران قدمت نحو 30 مليار للأسد خلال السنوات التسع التي أعبقت اندلاع الثورة في عام 2011، إلى جانب تجنيد عشرات آلاف المقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وإيران ولبنان، الأمر الذي مكّن الأسد من الصمود والحفاظ على جهازه الأمني والعسكري والاداري متماسكاً إلى حد بعيد وتجاوز أعنف مراحل الحرب الأهلية.

لكن خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الأولى للبيت الابيض شددت الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على إيران، وخاصة على قطاع النفط الذي يمثل أهم مصدر للدخل في ايران، إذ اتسعت العقوبات وشملت جهات تشتري النفط الإيراني، فتراجعت صادراتها النفطية إلى ما دون 300 ألف برميل في اليوم مقابل 2.5 مليون برميل يوميا أواسط عام 2018.

وأظهرت تجربة السنوات الماضية أن الأسد لم يرضخ للضغوط الخارجية ولم يقدم تنازلات سياسية بغية تأهليه دوليا، كما أنه لم يقدم أي تنازل لخصومه ومعارضيه في الداخل والخارج حتى عندما كانت المعارضة المسلحة تطرق أبواب دمشق، فما بالك عندما باتت هذه المعارضة في جزر شبه نائية تفيض بالمهجرين في أقصى الشمال وتعيش تحت الحماية والرعاية التركية.

فلا الآلة العسكرية الروسية المدمرة ولا المقاتلون الشيعة الذين جندتهم إيران دفاعا عن الأسد كانت لديهم القدرة على مساعدة الأسد في أزمته التي أدت إلى الإطاحة بنظام حكمه.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *