ماذا تخبرنا جنازة نافالني عن روسيا اليوم؟
ماذا تخبرنا جنازة نافالني عن روسيا اليوم؟
- Author, ستيف روزنبرغ
- Role, محرر شؤون روسييا
نشهد الأحداث، وننقل عنها. ولكن في عصر الأخبار المتلاحقة التي يتم بثها على مدار 24 ساعة، لا يمتلك الصحفيون في غالبية الأحيان رفاهية الوقت للتوقف والتقاط الأنفاس واستيعاب حجم ما حدث.
في الساعات التي أعقبت الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، كنت أتنقل للعمل بلا هوادة بين التلفزيون والراديو وموقع بي بي سي الإخباري.
استمر الأمر حتى أنهيت أخر ظهور لي على البث التليفزيوني في الساعة الثانية من صباح اليوم التالي، عندها فقط كان بإمكاني التوقف ومحاولة فهم فداحة هذه اللحظة. حدث هذا الأمر نفسه مع أليكسي نافالني.
منذ أسبوعين كنت أتحدث عن وفاة نافالني، أبرز زعيم معارضة في روسيا، في سجنه بمستعمرة عقابية في القطب الشمالي (في سيبيريا).
تحدثت عن المشاكل التي واجهتها عائلته أثناء محاولتها استعادة جثته، لقد تحدثت إلى سكان في موسكو وهم يضعون له زهورا.
شاهدت يوم الجمعة نعش نافالني يُنقل إلى كنيسة في موسكو، رأيت الآلاف من الروس يصطفون لتقديم احترامهم أثناء النظرة الأخيرة.
ورأيت أنصاره يلقون الورود والقرنفل على عربة الدفن قبل أن تتوجه إلى المقبرة.
ولكن بمجرد أن رأيت الصور الدرامية لنعشه وهو يُوضع في القبر، أدركت أخيرا وفاة نافالني بشكل كامل.
استمرت يوم السبت إجراءات تكريم نافالني، إذ جاء مواطنون روس، بينهم لودميلا والدة نافالني، إلى مقبرة بوريسوف ووضعوا الزهور على قبره.
لقد كنت أفكر في المشاهد غير العادية التي شهدتها بالأمس وما تخبرنا به عن الوضع في روسيا اليوم.
ونظرا للموجة الحالية من القمع ضد الأصوات المعارضة، لم يكن من الواضح كم عدد الروس الذين سيخرجون لتوديع أشد منتقدي الكرملين.
وفي الأيام الأخيرة، اعتقلت الشرطة مئات الأشخاص في جميع أنحاء روسيا خلال فعاليات لتكريم نافالني.
ولكن، جاء الآلاف (لتوديع نافالني).
عندما تحدثت إلى بعض من المصطفين خارج الكنيسة، من الصغار والكبار، تحدثوا عن الأمل الذي منحهم إياه نافالني بمستقبل أفضل وأكثر إشراقا لبلدهم.
لقد تحدثوا دعما للحرية والديمقراطية والسلام.
وفي وقت لاحق، رددت الحشود شعارات لم تُسمع في الشوارع الروسية منذ غزو أوكرانيا، مثل “الحرية للسجناء السياسيين!” و”لا للحرب!”.
لقد أذهلني ما يجري، هنا رأيت روسيا التي كانت غائبة عن الرأي العام لمدة عامين، روسيا التي لا تدعم فلاديمير بوتين، أو الحرب في أوكرانيا، وتريد أن تكون دولة ديمقراطية.
إنها تقف في تناقض تام مع روسيا التي تظهر على شاشة التلفزيون الرسمي: روسيا مناهضة للغرب بشكل مسعور، مؤيدة لبوتين، تدعم “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا وتتبنى الاستبداد في الداخل.
والسؤال الذي تبقى لي هو: هل كانت مشاهد الأمس بمثابة انطفاء جمر الديمقراطية الليبرالية في روسيا، أو “السطوع الأخير” لحرية التعبير قبل أن تنطفئ بالكامل؟
ربما يعتقد أولئك الذين في السلطة هنا أن هذا هو الوضع في روسيا.
ومن المؤكد أنهم كانوا يعملون بجد لتحقيق ذلك، إذ اعتمدوا قوانين قمعية تهدف إلى إسكات المعارضة ومعاقبتها.
ونتيجة لهذا فقد فرت أبرز شخصيات المعارضة في روسيا إلى الخارج أو تم الزج بها في السجون بالداخل.
ومع وفاة نافالني، فقدت المعارضة زعيمها الأكثر جاذبية.
في غضون أسبوعين لن يواجه الرئيس بوتين أي تحدي جدي في الانتخابات الرئاسية الروسية، لأن أشد منتقديه لن يذهب إلى صناديق الاقتراع.
وبعد إعلان انتصاره “الساحق” كما هو متوقع، ستقوم السلطات بتصوير الرئيس بوتين وسياساته على أنه يتمتع بشعبية كبيرة، وترفض منتقديه باعتبارهم أقلية صغيرة من الشعب الروسي.
ولكن، هناك شيء ما. وفي كثير من الأحيان يقول لي الروس الذين يصوتون لصالحه إنهم لا يفعلون ذلك لأنهم متحمسون لسياساته أو رؤيته لروسيا: فهم ببساطة لا يرون أي بديل.
وهذا على وجه التحديد ما سعى إليه الكرملين من خلال التخلص من كل المنافسين الجادين على الساحة السياسية.
ما رأيته في شوارع موسكو، يوم جنازة نافالني، كان مختلفا تماما: تدفق حقيقي لمشاعر الدعم للسياسي الذي ألهم قطاعا من الشعب الروسي برؤية بديلة لروسيا.
مات نافالني، لكن بالنسبة لهؤلاء الناس، فإن رغبتهم في روسيا مختلفة ما زالت حية بشدة.
المصدر: صحيفة الراكوبة