مؤسس المعجزة السنغافورية Lee Kuan Yew يفجر قنبلة إجتماعية
محمد المرتضى مبارك إسماعيل
في مجلده الثاني من كتابه الموسوم: من العالم الثالث الى الأول، قصة سنغافورة من 1965 إلى 2000، وفي الفصل الذي عنوانه رعاية وجذب المواهب، ذكر السيد Lee Kuan Yew مؤسس النهضة السنغافورية ورئيس وزرائها على مدى ثلاثين عاماً 1959 إلى 2000 بأنه قد القى قنبلة في خطابه السنوى بالعيد الوطني في العام 1983 بقوله: من الغباء أن يختار خريجوا جامعاتنا زوجاتهم ممن هن أقل منهم تعليماً وذكائاً إذا كانوا يرغبون في أن يكون أبنائهم في المستوى المرموق الذي أنجزوه. وأضاف بأن الإعلام أطلق على تصريحه: الجدل الكبير حول الزواج، وأنه كما توقع فقد فقد أثار تصريحه ردود أفعال عنيفة أدت إلى إنخفاض شعبية الحزب الحاكم حزب الحراك الشعبي بنسبة 12% وأنه زوجته قد حذرته أن النساء غير الجامعيات أغلبية.
وأشار السيد لي أن ما دفعه إلى التصريح أعلاه هو تقرير في مكتبه يحلل نتائج إحصاء العام 1980 ويشير إلى أن أفضل نساء البلاد تعليماً وأكثرهن ذكائاً لا يتزوجن ولن يمثلن في العقد القادم وأن نتائج ذلك كارثية على البلاد. أفضل النساء لا يعاد إنتاجهن لأن الرجال الذين يعتبرون أكفاء لهن من حيث التعليم والذكاء لا يرغبون في الزواج منهن. وأضاف أن نصف خريجى جامعاتهم في ذاك الوقت من النساء وأن ثلثيهن غير متزوجات. وأن الرجل الآسيوى سواء أكان صينياً أو ماليزياً أو هندياً يفضل إمرأة بتعليم أقل منه، وأن فقط 38% من الرجال متزوجون بنساء جامعيات في منتصف ثمانينات القرن الماضي.
وقال السيد لي أنه اراد أن يخرج الشباب من تحيزاتهم الغبية والديماجوجية والتي عفى عليها الزمن بذكر نتائج لدراسة تمت في ولاية مينوسوتا الأمريكية لتؤامين في العام 1980. قد إثبتت الدراسة أنهما متماثلان في 80% من العادات، الحصيلة اللغوية، الميول، الذكاء، الأصدقاء والصفات الشخصية الأخرى. ويعنى ذك أن 80% من تكوين الإنسان من الطبيعة و20% منه مكتسب من خلال الحياة. وعليه وفقاً للسيد لي فإن مقدرات معظم الأطفال مكتسبة من والديهم مع وجود أقلية لهم معدلات ذكاء أعلى أو أقل من معدل ذكاء الوالدين. ولذا وفقاً لما يراه فإن الرجال الذين يتزوجون بنساء أقل تعليما لا يعظمون فرص إنتاجهم أطفال متفوقين. وأضاف أنه حثهم على الزواج من أكفائهم من النساء وحث النساء الجامعيات على إنتاج طفلين فأكثر.
قال Lee أن النساء الجامعيات غضبن منه لأنه سلط الأضواء على وضعهن، وأن غير الجامعيات وأمهاتهن قد غضبن منه لأنه يشجع الجامعيين على عدم الزواج منهن. وأضاف أنه قد هوجم في سيل من المقالات في الصحف بأنه شخص نخبوي لإعتقاده أن الذكاء موروث وليس نتاج للتعليم، الغذاء الجيد والتدريب. وللمزيد من تأكيد حجيته نشر تحليل إحصاءات الخلفية التعليمية للوالدين لعدد من السنين للعشر الأوائل في سنغافورة للأعمار 12 و16 و18. وأن تلك الأرقام أوضحت بجلاء أن العامل الحاسم في الأداء الجيد للطلاب هو الزوجين ذوي التعليم الجيد. كما نشر إحصاءات الأعوام 1960 و1970 والتي أوضحت أن أوائل الطلاب والذين فازوا بمنح للدراسة العليا بالجامعات الخارجية كانوا من والدين ذوي تعليم جيد.
كما أشار السيد لي إلى أن الضجة التي صاحبت تصريحه قد غطتها الصحافة الغربية بصورة واسعة وأن بعض الصحفيين والمعلقيين الغربيين اللبراليين قد سخروا منه لما أسموه جهله وتحيزه. ولكن أحد الأكاديميين وأسمه R.H. Herrnstien برفيسور بجامعة هارفارد قد كتب في العام 1989 بأن: في زماننا هذا ذكر السيد لي كوان رئيس وزراء سنغافورة بأن مستويات الكفاءة ستنخفض، إقتصادنا سيتداعى، نظامنا الإداري سيعاني والمجتمع سيتدهور لأن العديد من الرجال المتعلمين يفشلون في الزواج بنساء متعلمات وينتهون بالزواج من نساء غير متعلمات او يبقون غير متزوجين. وختم هرنستين بالقول أن رئيس الوزراء لي يعتبر إستثناءاً لأن القليلين من القادة السياسيين في العصر الحديث يجرؤ على الحديث عن عامل الخصوبة المتدنية. وبعدها بسنوات قليلة أصدر السيد هيرنستين وعالم آخر دراسة بعنوان: The Bell Curve برهنت من خلال الإحصاءات أن الذكاء موروث.
وذات المشكلة ظهرت في جميع المستويات التعليمية وفقاً للكاتب، بأن عدد كبير من خريجي مستوى A بالمدارس العليا من النساء لم يجدن خريجين من ذات المستوى للإرتباط بهم. وذات الشئ حدث لمن هن خريجات مستوى O بالمدارس العيا لان النساء يرغبن بالزواج ممن هم أعلى منهن والرجال يرغبون بالزواج ممن هن أدنى منهم. والنتيجة أن الرجال قليلي التعليم صاروا لا يجدون نساءاً للزواج منهن لأن النساء اللائي بقين بلا زواج أغلبهن من ذوات التعليم الأرفع ولا يقبلن بالزواج منهم.
وللعمل على حل مشكل زواج النساء المتعلمات أنشأ السيد لي ما سماه وحدة التنمية الإجتماعية Social Development Unit لتسهيل اللقاءات الإجتماعية بين المتعلمين من الجنسين ولكن التجربة لم تجد قبولاً من النساء المتعلمات بل وجدت سخرية من الصحافة الغربية تجاه جميع أنشطة الوحدة من سمنارات، ندوات ورحلات. ولتكامل المسألة وجه السيد لي بإنشاء قسم تنمية إجتماعية لمستوى التعليم الثانوي في العام 1995 ولدهشته فإن العضوية في مدة وجيزة تجاوزت ال97 الفاً، تزوج الثلثان من ذلك العدد من لقاءات ذلك القسم.
كما أورد السيد لي كوان أن معلومات الإحصاء قد أشارت إلى مشكل نسبة المواليد لدى المتعلمات اللائي يملن إلى إنتاج عدد أقل من الأطفال بنسب 1.6 للجامعيات وخريجات الثانوي و2.3 لخريجات الإبتدائي و4,4 لغير المتعلمات. وأن البلاد بحاجة إلى نسبة 2,1 في المائة من المواليد لتجديد نفسها. وأن الإحصاءات السابقة تشير إلى أنهم ينتجون أكثر من الضعف من غير المتعلمين. ولعكس ذلك التوجه قرر وزير مالية سنغافورة السيد Keng Swee منح كل أمرأة جامعية تلد طفلاً ثالثاُ الحق في إختيار أفضل مدرسة لأطفالها الثلاث معاً. وقال السيد لي أن قرار وزير المالية رغم إمضاءه قد اثار إستياء بعض أعضاء مجلس الوزراء الذي يرى بعضهم أن فيه إهانة لكرامة الناس وللإطفال الأقل نبوغاً وأبائهم. وقال السيد لي أنه توقع أن يثير القرار غضب النساء غير الجامعيات. غير انهن لم يحفلن به ولكنه أثار غضب النساء المتعلمات اللائي رفضن تلك المزية مما حد بالحكومة إلى إلغائها مكتفية بما أحدثته من أثر، من جملة أشياء أخرى، في رفع وعي المتعلمين بضرورة الزواج ممن هن في مستواهم.
وختم السيد لي بأنه منذ خطابه الضجة في العام 1983 ظل سنوياً ينشر تحليلات الخلفية التعليمية لآباء العشر الأوائل على المستوى القومي. وأن مواطني سنغافورة الآن قد قبلوا حقيقة أن كلما كان الأباء افضل تعليماً كلما صار بإمكان الأبناء تحقيق ذات النتائج. غير ان وزير ماليته ذي الخلفية الإحصائية قد توصل إلى أن رغم التقدم الذي أحرز في نسب زواج المتعلمين من المتعلمات والذي إرتفع لنسبة 63% في العام 1997 مقارنة بنسبة 38% في العام 1982 وأن عدد أكبر من النساء المتعلمات صرن يتزوجن برجال غير متعلمين، إلا أن المسألة ستأخذ وقتاً لتصحيح التوجه الخاطئ وفي الأثناء فإن كثير من بنات سنغافورة المتعلمات سيعانين وسيعاني كذلك إقتصاد البلاد خاصة أن الكفاءات البشرية الذكية ذات التأهيل العالي تعتبر أغلى موارد سنغافورة والتي إستطاعت بها تحقيق النهضة التنموية غير المسبوقة في التاريخ المعاصر بالإنتقال مباشرة من العالم الثالث إلى الأول خلال ثلاثين عاماً.
حرص نظام السيد لي كوان وقراءته المتأنية والصبورة لمصادر تجديد الكادر البشري ذي الجودة العالية إمتد إلى قراءة التحولات العالمية التي تبدلت بسماح الولايات المتحدة وكندا واستراليا بهجرة العناصر الآسيوية إليها بديلاً بسياستهم القديمة التي كانت تقتصر على هجرة البيض فقط من اوروبا الأمر الذي ادى إلى إغراء العديد من افضل طلاب وكفاءات سنغافورة بالهجرة لشروط عمل ومزايا افضل وكذلك تجفيف الكثير من مصادر الكفاءات التي كانت تهاجر إلى سنغافورة من الصين وماليزيا وأندونيسيا بالإتجاه إلى الدول الغربية. ولتعويض ذلك إبتدع أنظمة تعويض من خلال جذب وإغراء طلاب متفوقين من آسيا للدراسة والإستقرار في سنغافورة وأيضاً بتشجيع رواد أعمال ومهننيين وفنانين وعمالة مهرة بالإستقرار في سنغافورة والإسهام في نهضتها.
المصدر: صحيفة الراكوبة