مؤتمر «تقدم» بأديس.. أولوية الجبهة الواسعة وإنهاء الحرب
حظي مؤتمر القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» التأسيسي، بحضور واهتمام محلي ودولي كبيرين، ووصف بأنه بداية جيدة لتوحيد الجبهة المدنية وإيقاف الحرب.
أديس أبابا: التغيير
تحت شعار “وحدتنا تصنع السلام”، انطلق بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يوم الاثنين، المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بمشاركة أكثر من (600) شخص من داخل السودان وخارجه، يمثلون قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وقطاعات مهنية وإدارات أهلية وطرق صوفية، كما شهد حضوراً دولياً كبيراً.
واكتسى فندق سكاي لايت الذي يستضيف المؤتمر لوحة زاهية بمشاركة جميع أطياف الشعب السوداني من النساء والرجال والشباب والإدارة الأهلية والطرق الصوفية.
مشاركة العمدة نعمة
وكان ملفتاً أن المؤتمر أفرد مساحة كبيرة لمشاركة النساء بنسبة (40%)، وشهد لأول مرة في تاريخ السودان مشاركة العمدة نعمة مختار كممثلة للعمد في إقليم دارفور، بعد أن كان هذا التمثيل حكراً على الرجال.
وتحدثت العمدة نعمة عن معاناة النساء في دارفور وما يعانينه من تهميش ظل يلازمهن منذ قيام الدولة السودانية وحتى اليوم، وقالت إن نساء دارفور مازلن يضعن عن طريق الحبل ويعملت في الأعمال الهامشية.
تحول جديد
كما ألقت إيمان حمد النيل، ممثلة الطريقة القادرية بزعامة الراحل أزرق طيبة، كلمة كأول أمرأة تتحدث باسم الطرق الصوفية في المناسبات الرسمية واللقاءات السياسية، ووجدت مشاركة إيمان الاستحسان من الجميع.
وقالت إيمان إن انتهاكات حرب 15 أبريل موجهة ضد المواطنين، ودعت طرفي الحرب إلى ضرورة مراعاة المواطنين.
وأصافت: “نحن في الطريقة القادرية نضم صوتنا للقوى السياسية الراغبة في إيقاف الحرب”.
أزهري حضوراً
وشارك الشاعر أزهري محمد علي، الذي يمثل رمزية للثورة السودانية بقصيدة وثق من خلالها للانتهاكات التي تعرض لها المواطنون من طرفي الصراع في حرب 15 أبريل، وما نتج عنها من قتل وتشريد ونزوح ولجوء.
ووجدت القصيدة تفاعلاً من قبل الحاضرين الذين طالبوا بضرورة إعادة الحكم الديمقراطي المدني ورددوا شعار الثورة “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، وطالبوا بضرورة إعادة الحكم المدني الذي انقلب عليه قادة طرفي الصراع في 25 أكتوبر 2021م.
مشاركة الشعبية
وحظيت مشاركة وفد يمثل الحركة الشعبية شمال، قيادة عبد العزيز الحلو باهتمام كبير من قبل المشاركين في المؤتمر، والتي جاءت بعد توقيع اتفاق نيروبي مع رئيس تنسيقية تقدم د. عبد الله حمدوك، حيث شاركت الحركة بوفد يتكون من 6 أشخاص برئاسة عمار أموم.
حضور دولي
وشارك في المؤتمر، ممثل للحكومة الإثيوبية ودول (الترويكا) ومبعوثون دوليون وممثلو البعثات الدبلوماسية في أديس أبابا.
ورحب رئيس التنسيقية د. حمدوك بجهود الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، لوقف الحرب في السودان.
انحياز لقضايا المدنيين
وفي كلمته، أكد رئيس تنسيقية “تقدم” د. عبد الله حمدوك، أنهم ليسوا منحازين لأي طرف من أطراف الحرب في السودان، وقال: “لكننا غير محايدين تجاه قضايا المدنيين والتحول المدني الديمقراطي”.
وأضاف: “يجب على الطرفين أن يعودوا لرشدهم ويوقفوا الحرب بشكل فوري ويذهبون للتفاوض لإيقاف معاناة الشعب السوداني”. وطالب المجتمع الدولي بالضغط على طرفي الصراع لإيصال المساعدات الإنسانية من غير قيد أو شرط.
وناشد حمدوك دول الجوار بتسهيل إجراءات اللاجئين وتقديم العون اللازم لهم، وقال إن الحرب تدخل عامها الثاني وخلفت الكثير من القتل والتشريد والدمار، وأن نذر المجاعة تهدد الشعب السوداني، وإذا لم إيقاف الحرب ستؤدي إلى مقتل أعداد أضعاف من مات في الحرب.
وتأسف لتنامي خطاب الكراهية الذي يهدد وجود الدولة السودانية، وقال: “يجب محاربة خطاب الكراهية ومحاصرته حتى لا يؤدى إلى تفتيت الدولة السودانية”.
ودعا إلى تكوين جبهة مدنية واسعة لإيقاف الحرب للحفاظ على بقاء الدولة السودانية.
غياب الشرعية
من جانبه، طالب رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس يحيى، المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بـ”حكومة بورتسودان” في إشارة إلى الحكومة المهيمن عليها الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان معتبراً أن غياب السلطة الشرعية أكبر مهدد للوحدة الوطنية.
وقال في كلمته إن على الشعب السوداني نزع الشرعية منها وتكوين حكومة مدنية من مهامها إيصال المساعدات الإنسانية.
ودعا إدريس، طرفي النزاع السوداني إلى إيقاف الانتهاكات ضد المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وشدد على أن الحل لإيقاف الانتهاكات يتمثل في الإيقاف الفوري للحرب والسماح لمجلس حقوق الإنسان ومحاسبة كل المتورطين في الحرب خصوصاً في دارفور.
واتهم نظام المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بإشعال الحرب طمعاً في العودة إلى السلطة، كما أتهمهما بخلق أوضاع إنسانية سيئة في السودان وخصوصا دارفور.
اعتقال أعضاء
أكد رئيس اللجنة التحضيرية صديق الصادق المهدي، اعتقال عدد من أعضاء “تقدم” في مدينة سنار ومصادرة جوازات سفرهم أثناء توجههم إلى إثيوبيا لحضور المؤتمر. كما أشار إلى توقيف آخرين في ولاية القضارف ومنعهم من المغادرة.
ولفت صديق إلى استمرار لجنة الاتصال السياسي في التواصل مع القوى والأجسام المدنية الرافضة للحرب والداعية لإيقافها، للانضمام إلى التحالف. وأكد مشاركة الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، والحزب الاتحادي الأصل، والمؤتمر الشعبي.
حراك واسع
من جهتها، قالت ممثلة القوى السياسية أسماء محمود محمد طه، إن المؤتمر التأسيسي لتنسيقية “تقدم” سيكون بداية لحراك واسع لأجل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر وإيقاف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية وتأسيس الدولة السودانية.
وأشارت إلى أن مخرجات المؤتمر ستذهب في اتجاه تكوين أكبر كتلة مدنية وسياسية لوقف الحرب وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر.
وذكرت أن “تقدم” قدمت وسائل عديدة لاستيعاب القوى السياسية خارجها وذلك لبناء تحالف جديد أو مشروع يقود لمائدة مستديرة.
حكومة الضباط
ودعت ممثلة المجتمع المدني والأجسام النسوية هادية حسب الله، إلى عدم الانحياز للجماعات والإثنيات والشلليات لتجاوز هذه الأزمة.
وطالبت المشاركين في المؤتمر بالسمو فوق الخلافات والتنازل من أجل الدم المسكوب في شوارع السودان لكسب معركة الصراع المعنوي الشرسة.
وقالت: “يمكن من خلال هذا الحشد صناعة السلام عبر أوسع تحالف مدني، ورغم ذلك لسنا الممثل الشرعي والوحيد للشعب ويجب فتح الباب للحوار مع القوى الرافضة للحرب”.
وشددت حسب الله، على ضرورة رفض أي دعاوى لتقاسم السلطة بين أطراف الحرب، وقالت: “لن نصافح الأيادي الملوثة بالدماء والانتهاكات، ولن تحكمنا جمهورية الضباط”.
حرب تدميرية
وفي السياق، دعا ممثل لجان المقاومة عبد الرحيم علي، القوات المسلحة إلى الانضمام لعملية التوقيع على اتفاق وقف الحرب والالتزام بالمسار السياسي والإنساني، مطالباً قوات الدعم السريع بوقف الانتهاكات بحق المدنيين.
وقال إن المؤتمر يمثل بداية جيدة لتعزيز روح التضامن والتعاون بين المجتمعات وتحقيق العدالة والسلام، وأضاف أن المؤتمر يقف على أعتاب مرحلة جديدة وبداية عهد لإنهاء الظلم والمعاناة وبناء “سودان الكرامة والعدالة”.
ولفت ممثل لجان المقاومة إلى أن حرب 15 أبريل ليست مجرد صراع على السلطة بل هي حرب تدميرية تهدف إلى القتل وتدمير الوطن، وقال: “حان الوقت لإيقاف هذه الجهات المتصارعة”.
وأضاف: “الحل لن يأتي عبر فوهة البندقية بل من خلال الحوار، والمؤتمر يساهم في إيقاف الحرب دون انحياز لأي طرف”.
مفصولو الأجهزة الأمنية
من ناحيته، كشف ممثل المفصولين والمعاشيين في القوات المسلحة الفريق مجذوب محمد، عن تنظيم جديد يهدف إلى تحقيق وحدة القطاع الأمني والعسكري تحت مسمى “تضامن”، ويضم متقاعدي القوات المسلحة والشرطة والأمن وفق أسس الدولة المدنية الديمقراطية، متوقعاً التوصل إلى نتائج جيدة قريباً.
اعتراض ممثل المزارعين
وشهد المؤتمر اعتراضاً من بعض الحضور على كلمة ممثل المزارعين إبراهيم دارفي، الذي تحدث عن انتهاكات قوات الدعم السريع، خاصة في ولاية الجزيرة بعد سقوط مدني في ديسمبر الماضي، وتعطل الموسم الزراعي والتخريب والنهب الذي طال المشروع.
ووصف بعض الحضور ممثل المزارعين بالداعم للجيش السوداني، وطالبوه بضرورة إدانة انتهاكات ضرب الطيران للمدنين العزل، قبل أن يعود ويعتذر ويقول إن جميع الانتهاكات لديه مدانة، ولكنه يتحدث بلسان المزارعين الذين تعرضوا لانتهاكات من جهة معينة.
لذوي الإعاقة كلمة
وشارك محمد المؤيد مبارك المحامي نيابة عن الأشخاص ذوي الإعاقة وقال: “نحن جزء أصيل من الجبهة المدنية الرافضة للحرب والداعية للسلام والحوار.. وبناء السودان إنسانا ومعانٍ، على أسس علمية ومنهجية حديثة، تظللها شعارات ثورة ديسمبر المجيدة”.
وأضاف أن هذه الحرب المدمرة أثرت سلبا على كافة السودانيين، والأشخاص ذوى الإعاقة من أكثر الفئات تضرراً ومعاناة من الحرب؛ معاناة فاقت حد الوصف والتصور”.
ودعا مبارك إلى مصالحة مجتمعية قاعدية شاملة يسبقها حوار على أسس علمية ومنهجية لبناء سودان المستقبل.
الهيئة القيادية
وبنهاية المؤتمر التأسيسي الذي يستمر من حتى 30 مايو الحالي، تحل الهيئة القيادية لتشكل بعدها هياكل انتقالية مؤقتة تختار بدورها هيئة قيادة جديدة للتنسيقية، كما سيعتمد المؤتمر رؤية وبرنامج سياسي لمخاطبة كيفية وقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية.
المصدر: صحيفة التغيير