لو قُدِّر للسباع أن تمتلك البنادق لَما عَظُم شأنُ الأُسُود !!


سيد محمود الحاج
قد تقتل البندقية إنساناً ، لكنها لا تقتل مبدءاً ولا تقضي على فكرٍ ولا تخمد غضباً ، فالمبادىء راسخة لا تزحزحها نوائب الدهر أو طوارق الأزمان إذ بقيت صامدة تتحدّى المقاصل وبطش الجبابرة والأباطرة الأشدّاء … كذلك فإن الفكر لا يموت و لو حلّت المشانق مكان الأشجار ، وإلاّ لما كان الإنسان إنسانا ولَما كان حال العالم كما هو عليه اليوم . وهكذا حال الغضب ، فهو لا يُخمد وإلّا لأخْمدَت الأعاصير ثورات البراكين !!
غير أن هنالك من يجهل هذه الحقائق أو يتجاهلها متعمّداً وحسبه أن البندقية ، وليس غيرها ، هي المطيّة التي تمكنه من الوصول إلى هدفه وتحقيق غاياته ، وهي القادرة دون سواها على تغيير المبادىء ووأد الأفكار في مهدها وإخماد غضب الشعوب ، فيقتل ويتمادى في ذلك حتى يدمن عادة القتل حيث يصبح الأمر شأنه شأن لعبة الشطرنج او كرة القدم او حتى لعب الورق او (اللودو) ، فإمّا أن ينتصر أو ليلعب ثانية ليعوّض الخسارة التي مُنيَ بها فيستعيد كرامته .. فهل إلى هذا الأمر تُعزى تسمية حربهم الدائرة الآن بحرب الكرامة ليجُرّوا من خلفهم و بشعارات زائفة أبرياءً هُم في الواقع من أُذلّت كرامتهم ولا يد لهم في فقدان الكرامة المزعومة وذاك الرهط هو من فرّط في صونها و الحفاظ عليها . فأين كانت هذه الكرامة حين سُمِح لرجل عصابات أن يبني جيشاً موازياً لجيش الوطن بل يفوقه عدّة وعتادا ليغدو عقب ذلك وحشاً لم تصدّ بأسه حرب تجاوزت العامين وما فتئت تدور .. حربٌ دفع ثلاثة أرباع ثمنها الشعب الذي ظل هو دافع الأثمان في كل الحقب في سبيل إمتطاء الطغاة والسادة ظهر السلطة بين حين وآخر !! .. ثم أين ذهبت تلك الكرامة حين أُستبيحت أجزاء من أرض الوطن دون أن تتحرك كتيبة واحدة لإستردادها أو حتى المطالبة بها ولو ببادرة همسٍ ، فماذا تعني كلمة كرامة في عرفكم أيها الجناة الجائرين وأنتم من حرّكتم عشرات الكتائب لردع المتظاهرين الذين لا سلاح في حوزتهم سوى هتافاتهم التي لم تطالب بأكثر من العدالة والحرية والسلام حيث ظل مثل فعلكم هذا يتكرر طيلة عقود .. فعلٌ خلّدته مجزرةٌ دُفن أبطالها أحياءً وأمواتا وفي شهر الصيام ، وفي أخرى باغتّم المطالبين بحقوقهم في ليلة عيد فحصدتم من الأرواح ما لا يُحصى ولم تفرّقوا في ذلك بين فتىً أو فتاةٍ بل ومازلتم تمارسون ذات الفعل وبوحشية أكثر من ذي قبل فهل هنالك أسوأ من أن يُذبح الإنسان مثل ما تُذبح الشاة أو أن يُلقى به في مياه النيل حيّاً من أعلى الجسر ليأتوا بعد ذلك قائلين أن ما حدث لا يعدو كونه تصرّفات شخصية .. فأين هم الذين قاموا بمثل هذه التصرفات الشخصية وفي أي سجن يقبعون الآن و أين من سبقهم إلى مثله من قتلة بيوت الأشباح الذين مارسوا من السوء ما لم يفعله أسوأ جبابرة التاريخ و سفاحيه ، فهل باتت الكرامة (خشم بيوت) !!
الملايين من أهل الوطن يواصلون النزوح في كل صوب ومازالوا يكابدون مشقة الترحال ومعاناة الجوع والعطش وأمراض شتّى و آخرون يعانون مذلة اللجوء بكافة أشكالها وأنتم في سعي دؤوب نحو تحقيق مطامعكم فلا همّ لكم بكرب الآخرين الذين تجسّدت المأساة على وجوههم حتى ولو إستمرت الحرب لألف عام ، فما يضيركم وعلى وجوهكم تجسّدت نضرة النعيم وأنتم في أبهى حُللكم لكأنكم في حفل عرس فأنّى تشعرون ولم يمت أطفالكم وذويكم بالجوع والمرض أو بداناتكم ودانات خصمكم لتصبح بيوتهم مقابرهم أو جثث ملقاة على قارعة الطريق تتخاطفها الكلاب وغيرهم إحتوتهم بطون الصحاري ومتاهات النزوح وآخرون يوارون الثرى في تراب لم يظنوا يوماً أن يكون مثواهم وخاتمة مطافهم في الحياة ، فحرمتموهم نعمة النوم الأبدي في أحضان ثرى الوطن !!
فمثل هذه الحرب لن ينتصر فيها طرف دون آخر و إذا ما ظلت رحاها دائرةً فسوف تتولّد منها حروب أخرى بدت شرارتها تطقطق الآن لكنكم كعادتكم لا تعون ولا تسمعون وقد توفّرت فرص إطفاء نارها مراراً ، وما ذلك إلّا لأن مسألة إيقافها ستقف حائلاً يعيق الطريق إلى مبتغاكم كما يجعلكم في ذات الوقت عرضة لحسابات تراكمت منذ عقود وهذا ما جعلكم تتمادون في غيّكم فلو إحترق الوطن فليحترق وإن قضى كل أهله فهو قدرهم ، وإن تشرزمت بلادنا وأصبحت أشلاءً تتخاطفها الذئاب فليكن .. فقط يكفيكم ضيعة تكونوا أنتم سادتها وحكّامها فلا حساب و لا حسيب !!
فلتعلموا أيها السادرون في غيّكم .. السائرون وراء أطماعكم أن البندقية لن تجعل من الظالم بطلاً ولن تصنع من الريش نسرا كما لن تبني من الرمل قصرا .. فالأسود لم تكتسب هيبتها إلّا لأنها تصطاد ولا تسرف في القتل.. تصطاد لأجل سدّ رمقها وإذا أضطرت إلى القتل يكون دافعها حماية أشبالها وعُرنها فلا تسرف في القتل كما أنتم تفعلون ، ولو سارت على نهجكم في القتل لما علا شأنها ولَمَا أصبحت رمزاً للقوة والشجاعة والهيبة في أدب شعوب العالم .. فهل أنتم غير ضباعٍ لا همّ لها سوى إشباع رغباتها وملء بطونها فلا غيرة تدفعها تجاه صغارها او وِجَاراتها !!
لقد أسرفتم في القتل والتنكيل والقمع حتى خشينا أن تغرقوا في دماء الأبرياء وليتكم تغرقون في دمائكم لا دمائنا بعد أن تنقلوا آلة قتلكم بعيداً عن بيوتنا ومدائننا وحواضرنا فعندها لن يسألكم أحد عما تفعلون ولن نملك أكثر من أن نقول اللهم أجعل كيدهم في نحرهم فكلاكما تتحاربان لهدفكم المنشود ونحن لا نسعى لسوى سلامتنا وأمننا فأنتم لا همّ لكم بحماية مواطن مسلوب الإرادة ولا صون وطن بات يقف على حافة التمزّق بينما سُحُب قاتمة تتراكم في الأفق نحن من يراها وأنتم من تتغاضون .. فهل من خير قدّمتوه سوى لأنفسكم وهل من شرّ ناله غير الوطن وأهل الوطن وهل تمخض من رحم الشيطان سواكم يا من نافقتم بإسم الدين والدين منكم براء … وهل يتسنّى لمثلكم شبر على ثرى الوطن من بعد !!!؟ .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة