لماذا يجب أن تقف هذه الحرب فوراً
الحرب التي تجاوزت شهرها العاشر ؛ في شوارع المدن والقرى السودانية، هي بينة إدانة على فشل دولة ما بعد الاحتلال، الدولة التي بُنيت على أُسس أحادية إقصائية، ساهمت في إثارة الحروب السياسية والأهلية على الدوام؛ بسبب انعدام مبدأ العدالة والكفر بسيادة القانون، الحرب إضافة إلى أنها جريمة؛ فهي نشاط لا حد له، إذا ما تساهل الناس تجاه إيقافها، فترك كل طرف يحشد لصفه في هذه الحرب بالصمت، او الانحياز لصف ، هو عمل تشجيعي للحرب لتفتك نيرانها بالمجتمع ثم تفني اي أثر للحضارة.
حرب الخرطوم هذه يجب أن تقف لسبب جوهري، هو إعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة. حق المواطنة المتساوية وسيادة القانون.
الدولة المركزية بمكوناتها الحالية التي انتهى بها الحال إلى الاحتراب بين مساكن المواطنين ومزارعهم ومراعيهم غير قابلة للترميم ، وانما للهدم واعادة البناء، وقد بادر ثوار ديسمبر بابتداء الرحلة الطويلة لإعادة الهيكلة عن طريق ثورة سلمية اجبرت أساطين الدولة في المؤسسة العسكرية على المناورة بقبول التغيير الذي يجب ان يحدث حتى نتمكن من العيش في هذه الارض بسلام رغم حيل سدنتها التي أفلست حد إعلان الاحتراب الداخلي.
هذه الحرب لا تخص كرامة الشعب السوداني في شيء، بل هي ضد كرامته وعزته وحقه في العيش، لأنها حرب داخلية بين مكونات أصيلة في دولة 1956 التي ورثت كل قبيح من البعثة الإنجليزية المحتلة بعد الجلاء؛ بل بين مكون واحد يحمل جين متطابق فيما يخص تصور الدولة، لذلك يجب أن يقف الشعب السوداني في وجه مشعليها هاتفاً “قف” لمواصلة مسيرة بناء التحول الديمقراطي والتي تقوم على اخراج الجيوش التي تتوزع أرض المعركة الآن والاخرى التي تشاهد من بعيد، من المشهد السياسي وإلزامها ثكناتها، ومن ثم فسح المجال للقوى المدنية لبناء دولة مدنية علمانية تقوم على دستور يقدس المواطنة ويحكّم القانون ،
ففي هذه اللحظات الحرجة من عمر بلادنا اي محاولة لبث الروح في احد طرفي هذه الحرب الاثنان اطراف أصلاء في الدولة المركزية باعتبار الواحد اب شرعي للاخر بمساندته لحسم المعركة عسكريا فهو عمل مشين وغير وطني لأنه يعيد انتاج الدولة القديمة مرة اخرى سواء برئاسة دقلو او البرهان فكلاهما ” ام الكلب بعشوم”
الحقيقة التي يحاول معظم المدافعين عن سقوط الدولة المركزية مداراتها عبر حشد عواطف الوطنية وفزاعة الانهيار؛ هي انه إذا انتصر اي طرف من الطرفين المتحاربين في هذه الحرب فإن شروط دولة العرق الواحد والدين الواحد والثقافة الواحدة التي ظلت تحكّم قوانين التمييز العنصري بين السودانيين ستظل قائمة بل تعود أقوى من اي وقت مضى لأنها قد جددت دماءها بوأد ثورة ديسمبر .
يجب ايقاف هذه الحرب لبناء دولة لا يكون فيها الانتساب للمؤسسات الامنية ” الكلية الحربية وكلية الشرطة وجهاز المخابرات ” يعتمد على شرط متحيز مثل ” الواسطة” او ” التوصية” في قناعها المفضوح؛ تلك الحيلة القذرة التي ابتكرتها سلطة الخرطوم المركزية، لصنع نخبة متجذرة ونادي عائلي لمنتسبي هذه المؤسسات الامنية بإعتبار كل المنتسبين اللاحقين هم بالضرورة امتداد وثيق للسابقين اي ان القادمين هم “تقاوي” منتخبة من ربائب السلطة والزعامات الأهلية.
وهذه الحيلة المتحيزة تبدو بريئة ووطنية لو ان الانسان لم يعرف علم الإحصاء بعد، ولكن للأسف ما “لينا في الطيب نصيب” ، إذ انه نشير الإحصاءات البسيطة ان اكثر من 78% من الطلاب الحربيين وطلاب الشرطة على مدى 68 عام هو عمر دولة ما بعد الاحتلال يعودون بجذورهم الى اقليم واحد وتوزعت النسبة المتبقية اقل من 22% على شعوب اقاليم البلاد الاربعة الأخرى وهذا ليس نتاج مصادفة وانما نتيجة طبيعية لخطل سياسة الدولة المركزية بتمكين العرق والدين والجهة .
يجب ايقاف هذه الحرب لارجاع المؤسسات الامنية كصروح مهنية تعتني بحفظ الامن وتوفير حماية الحدود بعد ان حولتها الدولة المركزية التي يتقاتل جنرالاتها الآن على الانفراد بالسلطة إلى مؤسسات تجارية واحزاب سياسية تدر على قادتها اموالاً طائلة عبر السياسة او استثمار السطوة في بناء تحالفات مخالفة للقانون او عبر الإشراف على شركات ومصانع عن القانون لا تخدع لسيادة وزارة المالية ولا تدفع رسوم جمركية او اي نوع من الضريبة على المبيعات.
يجب ان تقف هذه الحرب لبناء مؤسسات تحكّم مبدأ العدالة في المشاركة الوطنية حتى نجد انفسنا جميعاً دون إقصاء او تغول، ويكون ذلك بوضع دستور وطني دائم للبلاد يفكك المركزية العرقية والدينية والجهوية التي بنتها دولة 56 لصالح مركزية جديدة هي مركزية المواطنة المتساوية، في دولة علمانية تقبل كافة الاديان والمعتقدات والأعراق والثقافات تحت سيادة القانون.
يجب ان تقف هذه الحرب لنوقف الذين جيروا الدولة لخدمة الدين والعرق والجهة عند حدهم؛ تقف الحرب لتزدهر الشوارع ونطوي صفحة التجربة الفاشلة في بناء دولة تسع تنوعنا في تعايش السلمي لثمانية وستون عام للأبد، ومن ثم نقوم بإرجاع الكيكة الوطنية إلى الطاولة لنتقاسمها كما يجب وفق مبدأ المواطنة والكفاءة تماماً كما نفعل الآن بمقاعد كليات الاداب والتربية والزراعة عبر منصة المنافسة الحرة فيما يسمى “بالقبول العام” وقتها لن يهتم احد بجهات وأعراق هيئة اركان الجيش او موظفي البنك المركزي او الهيئات الدوبلوماسية وان كانوا من قرية واحدة طالما استحقوا ذلك عبر جدارتهم الاكاديمية او كفاءتهم البدنية والفنية .
تماماً مثلما لا يهتم أحد بأعراق وديانات طلاب كلية التربية جامعة الخرطوم او الدلنج لأن نسب القبول موضحة في دليل المنافسة ولم يحتاج احد فيهم إلى خطاب “توصية”
استمرار هذه الحرب اللعينة ينبأ العالم بمدى عجزنا وهواننا على انفسنا، لأننا نعيش فقط لنشجع من يقتلون الأطفال ويحتلون المساكن، على فعل المزيد من الفظاعات بنا، نعيش لنهتف مهللين لغارات الطيران التي تحرق المدنيين ومن ثم نأتي للمنابر للانقسام لصالح طرفي الحرب اللذين لا يعترف أحد منهما بحق المواطنة المتساوية للشعوب السودانية، او سيادة القانون.
لهذا وأكثر يجب ان تقف هذه الحرب ويعيش أطفالنا في سلام لا يسألون الآخرين جوازات سفر او اقامات آمنة عبر قوارب الموت وخيام معسكرات اللجوء ، أو قرعة اللوتري على اسوأ حال
#لازم_تقيف
تلبو
المصدر: صحيفة الراكوبة