لماذا نرفُض التدخُل العسكرّي الدُولي في السُودان تحت ذرِيعة حِماية المّدنيّين
لماذا نرفُض التدخُل العسكرّي الدُولي في السُودان تحت ذرِيعة حِماية المّدنيّين
نضال عبد الوهاب
سادت حالة من الجدل وتباين الآراء جاءت عقب نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأُمم المُتحدة، والذي بعد إدانته لطرفي الحرب والجرائم التي تمت، والتي ترقي لجرائم الحرب الجرائم ضد الإنسانية وتوصيته بضرورة حماية المدنيين ونشر قوات دولية “مُحايدة”، وكذلك تمديد حظر السلاح وتدفقه ليشمل كل البلاد بعد أن كان مُنحصراً في دارفور فقط، وكذلك وجود حظر للطيران، مع التأكيد على توقف الدول الداعمة بالسلاح لطرفي الحرب دون تسميتها، إضافة لعمل محكمة مُختصة بالجرائم وتقديم مطلوبيها للمُحاكمة الجنائية…
لجنة تقصي الحقائق هي إحدى الآليات التي يتم استخدامها ما قبل تحويلها لقرارات من مجلس الأمن الأداة التنفيذية للأمم المُتحدة، وتُمهد لتلك القرارات التي تصدر لاحقاً بعد التصويت عليها وإجازتها من قبل مجلس الأمن، وبالفعل اجتمع مجلس الأمن من يومين وقرر تمديد قراره السابق 1591 الساري منذ العام 2004م والخاص بالعقوبات على السُودان والحظر للسلاح في منطقة دارفور فقط، مع العلم أن الحرب الآن في مُعظم السُودان وتهدد ما تبقى منه، وهذا القرار تم تمديده لعام آخر، وهذا يعني أنه حالياً وبهذه الكيفية لا يشمل حظر للسلاح في كل السُودان ولا للطيران بحسب توصية لجنة تقصّي الحقائق، وكان تقرير اللجنة قد أوصى بمواصلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة وإيقاف الحرب وإفرازاتها الإنسانية.
حالة الجدل والاختلاف التي أحدثها تقرير لجنة تقصي الحقائق السابق لجلسة مجلس الأمن بجنيف خاصة بشأن التوصية بدخول قوات لحماية المدنيين وحفظ الأمن والسلام، كانت ما بين داعم ومؤيد لها وبشدة لظنه أنها توقف الحرب ومآسيها ومُعاناة السُودانيين وحماية المدنيين، وما بين داعم ومؤيد ولكن بحذر وبعض الاشتراطات لتلك القوات، وما بين مُتحفظ، وما بين رافض لها وبشدة…
وقد كنت ولا أزال أحد الرافضين للتوصية والعاملين الداعيّن ضدها في دخول قوات دولية بمعنى الوجود العسكري، حتى وإن كان بمُسمى حافظة للسلام أو حامية للمدنيين قبل التوقيع على اتفاق وقف تام لإطلاق النار، وبحيث عندها فقط يمكن الاستعانة بقوات أفريقية أو مشتركة وبعدد محدود وصلاحيات محدودة وفق آليات مُراقبة لوقف إطلاق النار وعمليات الفصل بين القوات والأشياء الفنية العسكرية، وهذا إجراء طبيعي ومقبول، لكن الرفض يأتي لتدخل قوات دولية حتى وإن تحت مُسمى مُحايدة والبلد لاتزال في حالة حرب بين عدة أطراف، وهو ما جاء به نصاً كتوصية تقرير لجنة تقصي الحقائق، وبذريعة حماية المدنيين في السُودان والتدخل الإنساني، وهي الذريعة التي ظل يتم التبرير بها لكل أو مُعظم التدخلات العسكرية الدولية والأمثلة كثيرة على ذلك كما في الصومال وسوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها…
وبغض النظر عن التعقيدات القانونية فيما يختص بالقانون الدولي للتدخل العسكري الدولي الإنساني، ما بين النظر لها كعدوان على سيادة الدول وما بين من يراها ضرورة ومسؤولية لحماية المدنيين، ومحاولات إضفاء شرعية قانونية لها وضوابط من القانون الدولي ومواثيق الأمم المُتحدة وإجراءاته التنفيذية، إلا أن الثابت أن هذه التدخلات العسكرية كانت في أساسها لحماية مصالح سياسية واقتصادية لدول كُبرى، وكذلك لتغيير أنظمة، وحدث هذا في العراق وليبيا وافغانستان والصومال وغيرها، وكمثال لنظامي صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا والقاعدة وطالبان في افغانستان، وأن هذه الأنظمة تمثل تهديداً للمصالح الأمريكية والغربية، ولدول كبرى في اوروبا كانجلترا وفرنسا والمانيا، ولذلك دخل حلف الناتو تحديداً في تشكيل تحالفات دولية للتدخلات العسكرية لبعض الدول التي عددناها، إذاً فالمصالح السياسِية للدول الكبرى هذه هي المُحرك الرئيسي وليست الدواعي الإنسانية أو حماية المدنيين كما يُشاع ويُقال، ثم بعد ذلك التحكُم في ثروات تلك المناطق النفطية والمعدنية والزراعية ودخول الشركات التابعة لها، بعد الضمان الفعلي لتغيير أنظمتها، وإحداث حكومات تابعة، ولكن الأهم الفشل الكبير في خلق الاستقرار السياسِي أو الأمني، ونجد أن هذا موجود في أمثلة العراق والصومال وليبيا وسوريا واليمن، كلها ظلت في حالة من عدم الاستقرار السياسِي والأمني، وبالتالي الفشل في المهمة الرئيسية التي يُروج لها بجعلها ذريعة لدخول تلك القوات، وحتى في مجال فريّة حماية المدنيين فقد سُجلت العديد من حالات قتل المدنيين سواء بالأسلحة أو الطيران، كذلك استخدام القوة المُميتة والعنف والقتل خارج القانون والتعذيب والإخفاء والاعتقال والإعدامات، وكلها تمت في ظل وجود قوات دولية بما فيها القوات الأمريكية وقوات التحالف وكل هذا وثقته منظمات دولية لحقوق الإنسان، في العراق والصومال وليبيا وسوريا، وبدلاً عن حماية المدنيين تمدد وانتشر الإرهاب وصار الأمر أسوأ مما قبل التدخل العسكري الدولي المزعوم لحماية المدنيين؟؟؟.
وحتى الذين يقولون إن هنالك نماذج لتدخل دولي وإنساني وهي “حالات نادرة” أدت للاستقرار كمثال تيمور الشرقية كان ثمن ذلك انفصالها عن إندونيسيا، إذاً نستطيع التوصل لنتيجة أن التدخل الدولي العسكري مع إنه عدوان وانتهاك لسيادة الدول، ولكن حتى في حال استخدام ذريعة مسؤولية الحماية للمدنيين فإنها فشلت في حمايتهم، وحولت الوضع للأسوأ، وأن المصالح السياسية هي التي كانت المُحرك للدول الكبرى، إما لتغيير أنظمة وخلق نماذج لحكومات ضعيفة وتابعة وأنظمة هشة، وتخفي من ورائها الغرض الآخر الحقيقي وهو السيطرة على ثروات تلك الدول وتمديد النفوذ بنفس الفهم الاستعماري القديم، والغرض الآخر من التدخل هو تفتيت وتقسيّم الدول.
للذين يدعمون هذا الإتجاه والتدخل الدولي لكن بشروط أخلاقية لتلك القوات وصلاحيات، نقول لهم ليس هنالك أخلاقيات في أي تدخل دولي عسكري حتى وإن كان بذريعة حماية المدنيين والنواحي الإنسانية، وأن تلك الدول التي تدخل تأتي بأجندتها السياسية وأطماعها، وأن التجارب المتوفرة في العالم تُغنينا عن أي تفكير “إفلاطوني” أو مثالي لدعم دخول قوات دولية في السُودان، وفي ظل حرب دائرة وأطراف مُسلحة موجودة رافضة، وإن حدث فستكون هي نفسها طرفاً في الحرب وهذا حدث في أمثلة الصومال والعراق وسوريا واليمن وليبيا، ولن نكون نحن في السُودان استثناءً من كُل هذا، بل إن التعقيدات الداخلية وتركيبتنا كشعب وموقعنا الجغرافي سيُعقد من كل هذا، ويضيف أبعاداً لحرب دولية وإقليمية من داخل بلادنا تستمر معها الإبادة والقتل والمآسي الإنسانية إضافة لخطر الاحتلال والتقسيّم والتفتت؟؟.
لكُل هذا نرفض وبشدة أي تدخل عسكري لقوات دولية في السُودان، ونشدد فقط على الحلول الوطنية لوقف الحرب والمساعي الدبلوماسية الخارجية والإقليمية لترتيبات الوساطة والمُساعدة فيها وفي النواحي المُتعلقة بالإغاثة والعمل الإنساني فوق الأرض وتقديم المُساعدات، وعدم الذهاب لوضع بلادنا تحت أي وصاية أو انتهاك لسيادة، أو فرض تقسيّم.
والضغط المباشر على طرفي الحرب لوقفها وكذلك على الدول التي تدعم بالسلاح وتمديد الحرب وفق مصالحها والكشف عنها علانية وملاحقتها قضائياً وبعقوبات بمثل ما يتم للأفراد المتورطين في هذه الحرب والمُرتكبين لجرائمها وانتهاكاتها الجسيمة.
علينا كسُودانين تحمّل مسؤوليتنا الوطنية والتوحد جميّعُنا من أجل وقف الحرب ومُعاناة كافة السودانيين نتوحد لوقفها شعباً وقوى سياسِية وفاعليّن، والتخلي عن الأنانية والاقصائية والاحتكارية وقبولنا جميعاً ببعضنا البعض ونبذ العنف والقبول بالتدوال السّلمي الديمُقراطي للسُلطة والتخلص من كُل أخطاء الماضي ومُعالجة جذورها ومُخاطبتها بشجاعة والتي جرّنا إليها الصرّاع على السُلطة أو احتكارها والبناء للمُستقبل وعدم الانغماس والتمترُس في الماضي نحو سُودان حر تسوده العدالة والسلام، مُوحد وديمُقراطي يسع الجميع.
المصدر: صحيفة التغيير