محمد تورشين


 

لماذا لا يُعيَّن الحارث إدريس وزيرًا للخارجية؟

محمد تورشين

في ظل اندلاع الحرب في السودان يوم الخامس عشر من أبريل، دخلت مؤسسات الدولة في حالة من الارتباك والشلل، وتعثرت قدرة الأجهزة الرسمية على إدارة ملفات حساسة، خاصة على مستوى السياسة الخارجية. وبينما غابت كثير من الأصوات الرسمية، ظل الدكتور الحارث إدريس، مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، حاضرًا بقوة ومدافعًا شرسًا عن قضايا السودان، متحديًا الحملة الدولية المتصاعدة ضد الدولة السودانية، ومنددًا بالدعم الخارجي الذي تتلقاه قوات الدعم السريع. وقد تميز الحارث إدريس خلال هذه المرحلة العصيبة بجرأته وصوته العالي داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث واصل جهوده الدبلوماسية بحزم وثبات، متحملاً مسؤولية الدفاع عن السودان كما يتحملها الجنود على خطوط النار.

ورغم تشكيل حكومة جديدة بقيادة الدكتور كامل إدريس، يظل السؤال مطروحًا: لماذا لم يتم تعيين الدكتور الحارث إدريس وزيرًا للخارجية؟ وهو الذي يملك من الكفاءة والخبرة والتاريخ ما يجعله الأجدر بهذا المنصب، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة. فالرجل يتمتع بخبرة طويلة في العمل الدبلوماسي، إذ سبق أن عمل في وزارة الخارجية قبل انقلاب نظام الإنقاذ الوطني، وبعد أن اضطر لمغادرة البلاد للعلاج في المملكة المتحدة، عاد لاحقًا إلى السلك الدبلوماسي خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط النظام، وذلك بموجب قرارات رئيس الوزراء آنذاك القاضية بإعادة الدبلوماسيين المفصولين تعسفيًا. ومنذ عودته، واصل أداءه المتقن في المحافل الدولية، وتمكن من إيصال صوت السودان بوضوح في مجلس الأمن وغيرها من المنصات الأممية، بفضل قدرته على التعبير الراقي ومهنيته العالية وفهمه العميق لتشابكات السياسة الإقليمية والدولية.

ما يُعزز من أهمية اختياره كذلك، أنه يتمتع بمؤهلات أكاديمية رفيعة، وتجربة دبلوماسية لا يشق لها غبار، وحضور قوي يُحسب له في المجتمع الدولي. لكن رغم كل ذلك، لم يتم إشراكه في الحكومة الجديدة، ما يُثير تساؤلات عن معايير الاختيار، ودور جماعات الضغط التي يبدو أنها نجحت في فرض أسماء بعينها على حساب الكفاءات الوطنية المستحقة. ويزيد من أهمية طرح اسمه الآن أن بعض المكونات الإثنية لم تجد تمثيلًا في التشكيلة الحكومية، ومنها الفُلّاني الذين ينتمي إليهم الدكتور الحارث إدريس، وهو ما يعكس خللًا واضحًا في توازن المشاركة المجتمعية في هذه الحكومة.

من المؤسف أن تُغيب الكفاءة والخبرة لحساب الحسابات الضيقة، في وقت يحتاج فيه السودان إلى رجال دولة حقيقيين قادرين على إعادة بناء صورة البلاد في الخارج، وإدارة علاقاتها الدولية من موقع القوة والندية والاحترام المتبادل. والدكتور الحارث إدريس هو أحد هؤلاء القلائل الذين يمكن الاعتماد عليهم في هذا الظرف الحرج. إن تعيينه وزيرًا للخارجية لا ينبغي أن يكون خاضعًا لمعادلات المحاصصة، بل يجب أن يُبنى على أساس الكفاءة والقدرة الفعلية على خدمة مصالح السودان العليا في الساحة الدولية. فالرجل يتمتع برؤية متقدمة، وشبكة علاقات قوية، وخبرة عريضة تجعله الخيار الأمثل لهذا المنصب في هذه المرحلة.

من هنا، فإن تعيين الدكتور الحارث إدريس وزيرًا للخارجية سيكون خطوة صحيحة، ليس فقط على مستوى الأداء المتوقع، بل كذلك على مستوى الرسالة السياسية التي ينبغي أن تبعث بها حكومة الأمل، رسالة مفادها أن الكفاءة الوطنية هي أساس البناء، وأن السودان الجديد يُدار بالعقل والخبرة لا بالمحاصصات والترضيات.

باحث وكاتب في قضايا والصراعات والأمن في افريقيا

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.