صلاح شعيب

 

لماذا فشلت مواكب الثلاثاء في محو ثورة ديسمبر؟

صلاح شعيب

رغم قدرة الحركة الإسلامية في التحشيد الجماهيري والإعلامي لعضويتها ما قبل وبعد الحرب إلا أن فشل موكب الثلاثاء الماضي الذي تقف خلفه يحتاج منها لمراجعة تأثيرها السياسي بعد سقوط مشروعها الحضاري. فلو قارنا هذه المواكب المدعومة بالبلابسة مع مواكب الحشود الثورية التي أسقطت نظام البشير فإنها لا تعادل واحداً من المئة منها.
ولعلنا ما نزال نذكر آخر حشد للحركة الإسلامية في الساحة الخضراء قبل نجاح الثورة، والذي كان فشله أيضاً متطابقاً لفشل مسيرة الردع المايوية التي سبقت نجاح ثورة السادس من أبريل بأيام. ومع كل ذلك ما يزال غالب الإسلاميين يصرون على السير عكس حركة التاريخ لاسترداد ما سلبه منهم حراك الشباب آنذاك.
فثورة ديسمبر التي ما يزال الإسلاميون أنهم وأدوها بهذه المسيرات الفاشلة كانت استفتاءً شعبياً ضد استبداد طغمة المؤتمر الوطني التي تمثل الجناح الغالب للإخوان المسلمين. وليس من السهل أن يقوم بعض المئات من الإسلاميين المتظاهرين في مواكب الثلاثاء الكئيبة بمحو آثار هذه الثورة التي عبرت عن آمال غالب السودانيين في التحرر من الدجل الديني، والسياسي.
ما يحير في أمر الإسلاميين السودانيين استمرارهم في محاولة لي عنق الحقائق بالأباطيل عوضاً عن اعتماد الحجج الفكرية الدامغة في كل حراكهم السياسي. والسؤال هو كيف تعتمد هذه الحركة التي تدعي إحياء جوهر الإسلام أن تحقق نصراً يخول لها وراثة حكم البلاد برغم إسقاط الشعب تجربتها؟. فما نشهده على مستوى منشورات التنظيم، وأحاديث قادته، ومؤيديه في الأجهزة الإعلامية، هو المجهودات المتضاعفة عينها لإلباس الحق ثوب الباطل حتى يكسبوا الرأي العام السوداني.
الحقيقة أننا كلما نلحظ نشاطاً للإسلاميين متعلقاً بالحرب الدائرة الآن نلحظ السعي المهموم لتغيير الوقائع على الأرض كلها. ونادراً ما نجد صدقاً يمكن استشفافه في سبيل تأكيد تدين الاسلامويين أكثر من عموم المسلمين السودانيين، خصوصاً أن المطلوب أصلاً في المنافح سياسياً بخلفية التدين هو أن يكون مثالاً في تبني الصدق، وهو جوهر حراك المسلم العادي ناهيك عن المسلم الذي يريد تطبيق سنة الله في الأرض.
اختيار الإسلاميين لتاريخ مواكب الثلاثاء التي قالوا إنها ستعم كل مدن وقرى السودان لم يكن بريئاً. فما يصادف هذا اليوم هو بدء حراك الديسمبريين لإسقاط المشروع الحضاري الذي بدد طاقة البلاد في الفتنة الداخلية بكل مآسيها، وجلب العزلة لها دولياً بكل آثارها السالبة على البلاد.
ثورة ديسمبر التي لا يعترف بها الإسلاميون بوصفها امتداداً لثورتي أكتوبر وأبريل جاءت كثمرة نضالات راسخة لإنهاء الاستبداد الإسلاموي. ولذلك كانت مواكبها سلمية عفوية، وغير مدفوعة الثمن، ولم يوظف لها إعلام حكومي، بغير مجهودات الشباب العظيمة في السهر عليها حتى نضجت، وأنهت سلطة الموتمر الوطني.
ولكن مواكب الثلاثاء لدعم الحرب برغم ما صُرف عليها من مال المواطن، والإعداد الكبير الذي بذلته الغرف الإعلامية للإسلاميين، والبلابسة، جاءت كئيبة، وليست ذات قيمة لتغير موازيين الملعب السياسي. ولهذا لم تجد استجابة من الجماهير داخل السودان، وخارجه. بل أحيت لدى ثوار ديسمبر نشاطاً للسخرية منها، وتأكيد سيرهم لاستردادها.
إن الاستفتاء الكبير على الحرب التي أوقدها الإسلاميون وحرصوا على دعمها سياسياً واقتصادياً وإعلامياً هو هذا الرقم الضئيل من الإسلاميين، والبلابسة، الذين خرجوا للشارع حتى يعرفوا قدرهم الحقيقي. فالصور التي نقلها نشطاء متابعون من الداخل لبعض هذه المواكب بينت أن غالبية السودانيين يتوقون إلى إنهاء الحرب بالكيفية التي تضمن لهم استئناف حياتهم بعد شدة ما تزال تحاصرهم، وتنكد عليهم حياتهم.
ومن الناحية الثانية فإن العديد من الغرف الإعلامية التي يقف وراءها الإسلاميون حاولت الاستعانة بصور حشود ثورة ديسمبر نفسها لتزيف الواقع. ومع ذلك لم يحقق هذا التزييف كسباً سياسياً لدعم الحرب، أو تغيير نتيجتها الماثلة.
كل ما يتمناه المرء هو أن يؤوب الإسلاميون الذين يدعمون الحرب لمحو آثار ثورة ديسمبر أن يتواضعوا قليلاً، ويتحرروا من هذا الفكر الضال الذي يلبس الحق بثوب الباطل. فهذا التعميش الأيديولوجي الذي يطبق على أذهان معظم الإسلاميين لن يسعفهم البتة في إعادة عجلة التاريخ للوراء، والأوبة لاستعباد السودانيين مرة ثانية. فالسعي للقطع مع زمان ثورة ديسمبر بالحرب، ومواكب تصعيدها، يعد افلاساً سياسياً، وضعفاً في البصارة السياسية، وإهداراً لطاقات تنظيماتهم المتعددة الوجوه. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا دَاوُود؟

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.