لماذا تذبحوهم.. هل لأنهم لا يستحقون الحياة؟ 22
إن النزاع الدائر في السودان، الذي يتسم بالتعقيد وتأثيره المدمر على المدنيين والمقاتلين على حد سواء، والذي يتميز بديناميكية معقدة و خسائره الفادحة على الجميع، خاصة في ظل ظهور ممارسات تتنافى مع القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية المتمثلة في تصفية الأسرى والتمثيل بجثثهم ونشرها بصورة احتفالية مشمئزة وكريهة. في أفظع وأبشع انتهاك لحقوق الإنسان والأسير. فإن ضرورة الالتزام الصارم بالقانون الإنساني اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ويؤكد سيناريو الصراع هذا بوضوح على الدور الحاسم الذي تلعبه مبادئ اتفاقيات جنيف والقيم الروحية، ويعمل بمثابة تذكير قوي بالحاجة الملحة إلى حماية كرامة الإنسان وحقوقه وسط الفوضى العارمة. ومع تطور الاضطرابات، تبرز معاملة أسرى الحرب والأفراد المحتجزين باعتبارها مصدر قلق ملح، مما يسلط الضوء على الحاجة الأساسية للامتثال للمعايير الدولية المصممة لدعم حرمة الحياة البشرية في أوقات النزاع المسلح.
إن الادعاءات المثيرة للقلق التي أطلقتها “قوات الدعم السريع” ضد عناصر من الجيش السوداني والنظام السابق تؤكد الحقيقة المروعة للصراع في السودان، حيث أفادت التقارير بمقتل ثلاثة أشخاص على أساس عرقي وإقليمي، وتشويه جثثهم بشكل فظيع. وهذا العمل، الذي يوصف بأنه يحمل بصمة “السلوك الإجرامي لهذه الجماعات المتطرفة”، “يتنافى بشكل صارخ مع الأخلاق والرجولة والدين والقوانين”، يسلط الضوء على الأزمة الأخلاقية والإنسانية العميقة التي تجتاح الأمة. مرددًا هذا الشعور، أدان خالد عمر يوسف، وهو شخصية بارزة في تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم”، بشدة هذه الوحشية، وسلط الضوء على الانفصال الصارخ بين مثل هذه الأعمال وجوهر الإنسانية. وكلامه على منصة “إكس”، “تسجيلات الفيديو التي انتشرت أمس لأفراد من القوات المسلحة السودانية وهم يتفاخرون بقطع رؤوس البشر تكشف انحطاطاً أخلاقياً وسلوكاً إرهابياً لا علاقة له بالإنسانية”، بمثابة تذكير قاتم بالحاجة الملحة الحاجة إلى المساءلة والعودة إلى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والكرامة في المشهد المضطرب في السودان.
وعلق الناشط والكاتب الشهير هشام عباس على حادثة تقشعر لها الأبدان: “ظهر فيديو لمجموعة من الأشخاص وهم يمسكون رؤوسهم بعد فصلها عن الأجساد ويحتفلون ويهددون. ما يحزننا ليس فقط حجم الفظاعة، فنحن لقد عاشوا كل أشكال القبح في هذا البلد على مدى 35 عاماً من حكم الإرهابيين، والمحزن حقاً أن تظهر هذه الجماعة الإرهابية بزي الجيش السوداني… وأتمنى أن يتقدم الجيش بتوضيح للحفاظ على ما تبقى من كرامته ويجري تحقيقا شفافا لأنه إذا ارتبطت هذه الجريمة باسم الجيش فستكون لها آثار خطيرة جدا على المستقبل. الأفراد واضحون ويمكن التعرف عليهم، لكن الإرادة الغائبة وغياب القرار سيظهر لمرة واحدة في العام. تاريخ هذه المؤسسة؟”
كلمات هشام عباس المؤثرة تلفت الانتباه إلى القضايا المتجذرة داخل المجتمع السوداني والحاجة الماسة إلى الشفافية والمساءلة والانفصال عن الماضي لاستعادة الثقة في المؤسسات الوطنية. وتؤكد دعوته للعمل على الحاجة الملحة إلى معالجة مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لمنع المزيد من تآكل الثقة في القوات المسلحة و لضمان ألا تؤدي مثل هذه الفظائع إلى تشويه مستقبل السودان.
إن الأعمال الشنيعة التي تم التقاطها في لقطات الفيديو الأخيرة، التي لاقت رواجا واستنكارا واسعا، حيث شوهد أفراد من الجيش السوداني وهم يشاركون في المذبحة الوحشية وقطع رؤوس الأسرى وفي رواية أخرى أنهم مدنيين تم قطع رؤوسهم وفقا لقانون الوجوه الغريبة، هذه المشاهد تتعارض بشكل صارخ مع جوهر أخلاقيات الحرب والقيم المتأصلة بعمق لدى الشعب السوداني. إن هذا العمل المستهجن، الذي احتفل به الجنود في عرض يخلو من الإنسانية إلى حد صادم، يلقي بظلال طويلة على مبادئ المؤسسة العسكرية السودانية ومبادئ حلفائها الإسلاميين، المشهود لهم بمثل هذه الأفعال المنبوذة. ويكشف عن عقيدة عنيفة بشكل مثير للقلق. وأدانت رابطة محاميي دارفور بشدة هذا الفعل، مؤكدة أن “المشهد اليوم له دلالات كبيرة، وفعل التمثيل بالمسجونين مرفوض من كل عاقل على وجه الأرض”. إن هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي والآداب الإنسانية لا يشوه سمعة القوات المشاركة فحسب، بل يشير أيضًا إلى خروج خطير عن قواعد السلوك المتحضر في الصراع. وتتعهد الرابطة كذلك بالعمل مع الخبراء القانونيين والقانون الدولي وهيئات حقوق الإنسان، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان “حصول الجناة على العقوبة التي يستحقونها”، مع التأكيد على الالتزام بالعدالة وإعلاء حقوق الإنسان حتى. في أوقات الحرب.
أدانت حركة العدل والمساواة السودانية علناً الأعمال المروعة التي تم تصويرها في مقاطع الفيديو التي تظهر أفراداً يرتدون زي الجيش السوداني وهم يقومون بجز الرؤوس البشرية وعرضها. و تتجذر هذه الإدانة في أن هذه الأفعال تتعارض بشكل صارخ مع المبادئ الدينية والأعراف الثقافية والقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحكم المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب. ومن خلال تسليط الضوء على هذه الهمجية باعتبارها انعكاسًا لعقلية عسكرية عتيقة وهفوة أخلاقية ودينية خطيرة، تدعو حركة العدل والمساواة إلى المساءلة الفورية والعدالة ضد أولئك الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال اللاإنسانية. ويؤكد هذا الموقف من جانب حركة العدل والمساواة على الأهمية الحاسمة للالتزام بقوانين الصراع المسلح والحفاظ على الكرامة والسلامة التي يشتهر بها المجتمع السوداني، في حين يحذر من السابقة الخطيرة التي تشكلها مثل هذه الأعمال، والتي قد تحرض على المزيد من العنف والفظائع في حالات الصراع.
وصنف الخبير القانوني المعز حضرة ما ظهر في الفيديو، حيث يرتكب أفراد يرتدون الزي العسكري أعمالا وحشية، على أنها جرائم حرب لا لبس فيها. وأشار إلى اتفاقيات جنيف، مسلطًا الضوء على المعاملة الإنسانية المقررة للسجناء وتسليمهم من خلال الصليب الأحمر الدولي. وحذر معز حضرة من أن الأعمال المتكررة يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم التطهير العرقي، كما تنتهك القوانين السودانية، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية التي تم تحديدها بعد دارفور. وشدد على ضرورة الالتزام بالسلوك القانوني والإنساني في الحرب.
عثمان ميرغني، شارك رسالة مثيرة للتفكير على موقع X بخصوص حادثة مزعجة للغاية: “الفيديو الذي يظهر تدنيس الجثث صادم للغاية… ومن الجدير بالثناء أن الجيش أصدر بيانا يؤكد فيه إجراء تحقيق في الحادثة”. الحادثة ومحاسبة من قد يكون مسؤولاً عن المشاركة فيها.. والمطلوب بيان يصدر بعد التحقيق يوضح النتيجة».
ويسلط تعليق عثمان ميرغني الضوء على الحاجة الماسة للشفافية والمساءلة داخل المؤسسات العسكرية والحكومية في التعامل مع مثل هذه الانتهاكات الجسيمة. وتؤكد دعوته لإصدار بيان متابعة بعد التحقيق على أهمية الكشف العلني والدور الذي يلعبه في دعم العدالة واستعادة ثقة الجمهور. ولا يتطلب هذا النهج المسؤولية عن الإجراءات المتخذة فحسب، بل يمثل أيضًا خطوة نحو معالجة القضايا النظامية داخل المؤسسة، بهدف منع تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.
وسلط أمجد فريد الضوء على وجهة نظر انتقادية شاركها عبر منصة X : “الفيديو الصادم الذي يتم تداوله لمشاهد التمثيل بالجثث والاحتفاء بها من قبل منتسبي الجيش تتجاوز خطورته وفظاعته المزايدات السياسية التي تجري لتسجيل نقاط، فهذه الحرب تدور بين طرفين سيئين بالاساس. ولكن خطورة مثل انتشار مثل هذه المشاهد الاكبر هي في اثرها طويل الامد على النسيج الاجتماعي السوداني وامكانية التعايش بين مكونات الشعب السوداني تحت ظل جهاز دولة رسمي واحد. وحسنا فعلت قيادة الجيش باعلانها عن تحقيق رسمي بخصوص هذا الفيديو ولكن هذا لا يكفي وكما لن يكفي ايضا معاقبة المتورطين فيه.
وأكدت نور الصادق، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، مشاهدته مقطع فيديو يظهر جنودا من القوات المسلحة يرتكبون أعمال عنف ضد الضحايا الذين تم تحديدهم على أنهم من أفراد قوات الدعم السريع. ووصفت هذا العمل بأنه مروع، ويذكرنا بمشاهد من الحرب الرواندية، ويترك أثرا سلبيا دائما ويشكك في إنسانية المتورطين. وشددت الصادق على أن مثل هذا السلوك، الذي لم يكن من الممكن تصوره في السابق بغض النظر عن العداء بين الجيش وقوات الدعم السريع، يعد انتهاكًا جسيمًا وغير إنساني. ودعت إلى عرض هذه المشاهد المروعة على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مشددة على أن مرتكبيها يؤججون الصراع المستمر ويثيرون ردود فعل انتقامية، مما قد يتصاعد إلى حرب أهلية. وشدد الصادق على أن الحرب يجب أن تلتزم بالسلوك الشريف، مستنكرا أي أعمال تدنيس باعتبارها غريبة عن مجتمعهم ونذير بعواقب وخيمة.
إن الأفعال المزعجة للغاية التي تم تصويرها ونشرها مع سبق الإصرار والترصد وتداولها عبر الإنترنت، في مظهر خالي من مظاهر الإنسانية، تلقي بظلالها الطويلة على النسيج المجتمعي في السودان. هذه التصرفات، ليست مجرد حوادث معزولة، تؤكد الأزمة التي تمتد إلى ما هو أبعد من الرعب المباشر لتهدد أسس التماسك الاجتماعي السوداني وإمكانية بناء مستقبل وطني موحد. وفي حين أن بدء قيادة الجيش بإجراء تحقيق رسمي في خطوة ينظر إليها كثير من المراقبين بأنها فقط لامتصاص الغضب والرفض العام وإدانته من الشعب السوداني عبر منصات السوشيال ميديا المختلفة. مع ذلك يمثل خطوة أولى جديرة بالثناء نحو المساءلة. إن إلقاء نظرة ثاقبة على هذا الوضع يسلط الضوء على ضرورة وجود استراتيجية أكثر شمولية وبعيدة المدى لا تسعى فقط إلى معاقبة الجناة، بل تعالج أيضًا الأسباب الجذرية لهذه الوحشية. ويستلزم ذلك خطة شاملة للتعافي وإعادة الإعمار الوطني، خطة تعطي الأولوية لاستعادة الثقة، وتعزيز قيم المواطنة، وتعزيز بيئة يمكن أن يزدهر فيها التعايش السلمي والسلام الاجتماعي بين مجتمعات السودان المتنوعة والمتعددة. فقط من خلال هذا النهج متعدد الأوجه يمكن للسودان أن يأمل في حماية هويته الجماعية والشروع في الطريق نحو السلام الدائم والوحدة.
إن الأفعال المروعة الأخيرة هي بمثابة تذكير قاتم لموضوع العنف المتكرر الذي كان يمارسه الجيش ومليشياته من مجموعات كتائب الإخوان في مناطق مثل جنوب السودان، وجبال النوبة، ودارفور، والنيل الأزرق. وهذه الحوادث ليست معزولة، بل هي جزء من نمط محزن يعكس قضايا عميقة الجذور تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وجماعية. ويجب على المجتمع المحلي والدولي أن يتحد في الإدانة وأن يتخذ خطوات حاسمة لمنع مثل هذه الفظائع. إن هذه الأعمال لا تدمر الحاضر فحسب، بل تلقي بظلالها الطويلة على المستقبل، وتقوض الجهود المبذولة لتحقيق السلام والمصالحة والوحدة. ومن الضروري أن يكون هناك موقف قوي وموحد ضد هذه الوحشية، تدعمه استراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية وتعزز ثقافة احترام حقوق الإنسان وكرامته.
علاوة على ذلك، فإن ربط مثل هذه الأعمال الشنيعة بأطراف ذات أيديولوجيات شبيهة بداعش يمثل تصعيدًا كبيرًا في مستوى التهديد للسودان والمنطقة ككل. ويؤكد الدعم الذي تلقته هذه الجماعات من مصادر خارجية مثل إيران مدى تعقيد القضية والحاجة الملحة إلى استجابة منسقة من المجتمع الدولي. وهذا السلوك ما هو تنفيذ لتعليمات المتطرفين الذين سودوا الساحة بخطابات الكراهية الداعية الى مزيدا من العنف التي ظلت تنادي من وقت طويل بأن الذبح وقطع الروس لكل مشتبه به وأنه لا يستحق الحياة، هذا الواقع يتطلب أيضا اتخاذ إجراءات عالمية لمنع انتشار الأيديولوجيات التي تغذي مثل هذا العنف. إن دعم المجتمع الدولي أمر بالغ الأهمية في مساعدة السودان على اجتياز هذا المشهد المحفوف بالمخاطر، مع التأكيد على الحاجة إلى اليقظة والتضامن والمشاركة المستمرة لتفكيك شبكات الكراهية هذه وحماية مستقبل السودان وشعبه من آفة الإرهاب والتطرف.
يسلط الوضع في السودان الضوء بشكل صارخ على الهوة بين المثل النبيلة للقانون الإنساني الدولي والواقع المروع الذي يعيشه أسرى الحرب والمدنيون، حيث تقوض الانتهاكات الصارخة جوهر الإنسانية. وهذا بمثابة نداء واضح لجميع الأطراف المشاركة في النزاع ليس لإعادة تأكيد التزامها باحترام اتفاقيات جنيف فحسب، بل أيضًا لترجمة هذه الالتزامات إلى إجراءات ملموسة تحمي المستضعفين. يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لسد الفجوة بين القواعد القانونية وتطبيقها على أرض الواقع، وضمان أن تصبح مبادئ الإنسانية والمساءلة واليقظة أكثر من مجرد مُثُل طموحة، بل أساس لنهج منسق لحماية الكرامة الإنسانية في العالم. أوقات الحرب.
في الختام، فإن أعمال العنف الشنيعة التي تم تصويرها في اللقطات الأخيرة، بغض النظر عن مرتكبيها، تمثل انتهاكًا شنيعا لمبادئ الإنسانية والأخلاق التي ينبغي أن توجه أعمالنا وسلوكنا، سواء كأفراد أو كمجتمع جماعي. و باعتبارنا مدافعين عن هذه الوحشية، فمن الضروري التأكيد على أن هذه الأعمال، بغض النظر عن مصدرها، تقوض نسيج إنسانيتنا المشتركة والسعي لتحقيق السلام والعدالة. لذلك يجب علينا أن ندين هذه الأعمال بشكل لا لبس فيه وأن نلتزم بمسار الدعوة والتعاون والعمل بلا هوادة لضمان المساءلة وتضميد الجراح ومنع ارتكاب الفظائع في المستقبل. إن بوصلتنا الأخلاقية الجماعية لا تتطلب أقل من معارضة ثابتة لمثل هذه الأعمال اللاإنسانية، وتعزيز تفانينا الذي لا يتزعزع في دعم الكرامة الإنسانية وتعزيز عالم يسود فيه احترام الحياة وحقوق الإنسان.
المصدر: صحيفة الراكوبة