لماذا الهجمة علي الحزب الشيّوعي السّوداني الآن؟
نضال عبدالوهاب
طالعتا حقيقةً العديد من الكتابات والمقالات في الآونة الأخيرة تُهاجم الحزب الشيّوعي السُوداني وتحاول النيّل منه ، مرةً بدافع الإصلاح والتصحيح لمساره لمن كتب عنه ، سلسلة من المقالات ، ومرات أخري بدافع النيّل من الحزب الشيّوعي السُوداني “اليسار” بشكل عام.
إبتداءاً فإن حق النقد والإختلاف أمر طبيعي ، بل ومطلوب ، والنقد الهادف والموضوعي والمُتزن يُطور ويُستفاد منه ، وهو من أساسيات العمل والفعل الديمُقراطي وركيزة أساسية فيه.
ليس بالمُستغرب أن تختلف مع أي آخر سياسياً أو في طريقة التفكير والإعتقاد ، والإختلاف يوجد حتي داخل الحزب الواحد والهئيات والحلقات الداخلية لاي مكون سياسِي ، وهذا كما ذكرت شئ طبيعي ومُتعارف عليه ، وليس كُل الموجودون داخل الأحزاب أو التنظيمات السياسِية علي درجة واحدة من الإلتزام بذات طريقة التفكير ، أو القول بنفس الرأي ، عدا الإلتزام العام بخط الحزب العام أو المجموعة السياسِية سياسِياً وتنظيمياً ، فتجد داخل الحزب الواحد تيارات مُختلفة ، ونقاشات مُحتدمة ، يتم حسمها عادةً بالأُسس الديمُقراطية والنظام الأساسِي والدستور واللائحة التي تُنظم عمل الحزب أياً كان ، ولكل حزب ضوابطه الخاصة ونظامه في النقاش الداخلي أو العام لعضويته وقواعده ، أو مايخص جماهيره الحزبية بشكل عام وكافة الجماهير علي إختلافاتهم.
ومع تطور وسائل الإتصال وثورة المعلومات ، دخلت أنماط عديدة من المساحات للتأثير ، ولم يعد كما في السابق أن يتم تشكيل رأي عام أو حتي خط سياسِي وفقاً للطرق التقليّدية القديمة في كتابة المقال السياسِي فقط في الصحافة الداخلية للأحزاب ، أو حتي في الصحافة التقليدية الورقية ، ولا بأسلوب البيانات المطبوعة والمنشورات ، ولا بالوثائق الموجودة ورقياً ويتم توزيعها بأساليب النشر الداخلية ، أو وفق حلقة للوثائق والمطبوعات ، وصارت هنالك مكاتب إعلامية لجميّع الأحزاب تقريباً ، وناطقين ومتحدثين رسميين بإسمه أو بإسم كُل الكيانات والمجموعات السياسِية ، وأصبح تشكيل الرأي العام وقياسه مُرتبطاً حتي بوسائل “السوشل ميديا” والوسائط الإلكترونية والغرف الإعلامية المُختلفة وتطبيقاتها ، وهذا الأمر ليس في السُودان فقط وإنما هو ظاهرة عالمية ، يتم التعامل وفقها ومعها بدرجات مُختلفة ، وبحسب طبيعة الأنظمة الحاكمة أو الموجودة ، وكُلما كانت تلك الأنظمة ديمُقراطية وتحترم حريات التعبير ، والحريات العامة زادت بالتالي مساحة الديمُقراطية والإلتزام بها ، والعكس صحيح ، فنري عندها نماذج التضييق وكبت الحريات ، بل والبطش بمختلف صوره لقمّع أي رأي مُخالف لأي مجموعات مُستبدة ، سواء أنظمة حاكمة ، أو حتي مُتحكمون في منظومات من المُفترض أنها ديمُقراطية بالأساس ، كالأحزاب والكيانات السياسِية.
بالعودة للذي جعلني أكتب هذا المقال ، من هجمة أراها واضحة علي الحزب الشيّوعي السُوداني واليسار بشكل عام ، وهي تتمثل عندي في أشياء مُحددة ، تتعلق أولاً في توقيتها ، وثانياً في محتوي ماتم تناوله من خلالها وطريقة تسويقه ونشره وتعميّمه.
أولاً ليس الحزب الشيّوعي السُوداني أو أي حزب سياسِي آخر فوق للنقد أو عليه سياج بمنع الحديث عنه ، سواء في خطه السياسِي ومواقفه الرسمية وقراراته ، أو في قياداته أو حتي تصريحات منسوبيه ، طالما تم إتباع الأساس الموضوعي لهذا النقد أو حتي النُصح والتوجيه ، أو إبراز العيوب أو السلبيات ، دعك من التقريظ أو الإشادة والمدّح أو توضيح الإيجابيات ، فكل هذه الأشياء مُجتمعة تعتبر ظاهرة صحيّة إذا ماتمت علي أساس موضوعي كما ذكرت ، وتشير لوجود التفاعُّل المطلوب مابين هذه المؤسسات والكيانات ومختلف الجماهير وأصحاب المصلحة في وجودها.
هذا بالطبع بعيداً كُل البُعد عن الإنتقاد الغير موضوعي ، والهادم والشخصّي ، والمايل للتخريب والتكسيّر والتجريّح ، وكافة الوسائل غير الديمُقراطية والبعيدة عن سلوكها ، وعن القواعد الأساسِية لها ، والذي للأسف هو ودون أدني تجني حال غالبية النقد المُمارس والسلوك العام في مُمارستنا للديمُقراطية وتعلّمها وتحويلها لفعل نتطور به كمجتمعات ومؤسسات ظلت تنادي وتُناضل من أجلها في السُودان لسنوات طويلة وعديدة ، مُنذ الإستقلال وحتي اللحظة ، مروراً بكل الحقب والأنظمة المُتعاقبة للحُكم في السُودان.
هنالك تاريخ طويل ومُمتد من المحاولات المُتعمّدة لتكسير الأحزاب ، ولغلق أي طريق يمكن أن يقود للديمُقراطية في السُودان ، كي تستقر أولاً وترسخ ، ولتتطور من خلال المُمارسة العملية ذاتها ومن التجربة ، وهذا التكسيّر عملت كافة الأنظمة الشمولية والقمعيّة في السُودان به ولأجله ، مُستهدفة تلك الأحزاب ، مع التفاوت ، وأستخدمت العديد من الأساليب لتنال هذا الهدف ، من الدعاية المُضادة ، إلي الإغلاق والمُطاردات والمُحاكمات الجائرة ، والتهُم الكيديّة ، إلي الإعتقال والتعذيب والتشريد لكوادرها ، وإجبارهم علي مُغادرة البلاد ، والتضييق عليهم حتي في خارج البلاد والتآمر علي حرياتهم ، وعلي حياتهم ، وخصوصياتهم ، وإستخدام كافة الأساليب القذرة في هذا ، وأساليب الإبتزاز السياسِي ، والرشاوي والإختراق ، والتغويص ، وغيرها من أساليب لهدم أي طريق مؤدي للديمُقراطية وترسيخها كما ذكرت ، ولعبت الأجهزة الأمنية والإستخبارية الداخلية للأنظمة الشمولية والديكتاتورية المختلفة ، وكذلك والأجهزة الأمنية والإستخباراتية الخارجية ذات المصلحة في بلادنا ، في العبث باياديهم أيضاً إلي لعب أدوار دنئية وسالبة في ذات الإتجاهات لقتل الديمُقراطية والثورة في السُودان ، أو أي طريق مؤدي للتغيير للأفضل في بلادنا.
ومارس نظام الإسلاميين والكيزان تحديداً وأجهزته الأمنية هذا الدور بإمتياز طوال فترة حكمهم وإلي اللحظة للنيّل من الأحزاب والكيانات السياسِية ، لإضعافها ، أو تكسيرها ، ولعل هذه إحدي الوسائل التي نجحوا بها في البقاء طويلاً فترة حكمهم الأطول في السُودان.
ومن مُلاحظاتي أن الهجمة الأخيرة ضد الحزب الشيّوعي السُوداني والذي ظل يُمثل العدو التاريخي والأول للإسلاميين بل ولكل الديكتاتوريات السابقة ، جاءت مُتزامنة مع هجماتهم ايضاً ضد قوي سياسِية أخري ، سواء في الحرية والتغيير وتقدم والتي وصلت لحد فتح بلاغات جنائية كيدية ، وكذلك للقتل خارج القانون والإعدامات التي طالت شباب مدنيين أُتهموا بالتعاون مع المليشيا في الأماكن التي تم تحريرها في مدينة الخرطوم في الأيام الفائتة وفي بحري الحلفايا وشمبات تحديداً ، وكانت ذات الطريقة في الهجوم ومحاولات التكسيّر والتقسيّم والإضعاف المُتعمّد قد مورست علي حزب الأمة القومي ، أكبر الأحزاب السُودانية ، وكل تلك المحاولات المُتسارعة والمُتلاحقة في تقديري هي سلسلة من قرارات الحلقة الأمنية داخل الحركة الإسلامية للعودة التامة للسُلطة والقضاء المُبرم والتام علي كافة خصومهم السياسِين ، وهذه أيضاً تزامنت معها تصريحات سواء لقيادات من الحركة الأسلامية وكوادرها ، أو من الجنرالات العسكريين داخل الجيش وكتائب الأسلاميين فيه.
إذاً الخلاصة عندي أن الهجوم علي الحزب الشيّوعي السُوداني تحديداً يمثل عندي آخر حلقات التآمر علي الديمُّقراطية والثورة في السّودان ، سنظل ندافع ونتصدي لأي هجوم غير مُبرر علي الحزب الشيّوعي السُوداني وكافة الأحزاب الوطنية المدنية الديمُقراطية والثورية في السُودان ، لقناعة راسخة لدّينا أن المُستهدف الرئيسي الآن هو الإنتقال للديمُقراطية والخط الثوري حتي إن كان بالقضاء علي البلد نفسها بالحرب أو نشر الفوضي أو الإحتلال أو التقسيّم.
شخصياً أختلف مع الحزب الشيّوعي السُوداني ومع قيادته الحالية وخطه السياسِي ، ومع هذا لا أقبل إضعافه أو إختراقه أو تكسيره وتقسيمه ، وذات الامر لأحزاب وطنية أخري اختلف معها كُل الإختلاف ، وأظل مع أي إصلاح ديمُقراطي ومؤسسي لها جميّعاً وفق القواعد الديمُقراطية والنقد الهادف الموضوعي والتغيير الداخلي بها.
عاش نضال الحركة الجماهيرية
عاش نضال الحزب الشيّوعي السُوداني.
وعاش نضال الشعب السُوداني.
المصدر: صحيفة الراكوبة