لقد شيَّع “فولكر” أكاذيبهم إلى مثواها الأخير!
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/فولكر.jpg)
🖊 علي أحمد
حين ظنّ وزير خارجية حكومة الأمر الواقع في بورتسودان أن باستطاعته تزوير الحقائق، وأن لا أحد ممن يجتمع بهم ويخاطبهم بلغة إنجليزية ركيكة ومعوجّة (قاطعها من رأسه المدور) في مؤتمر ميونخ للأمن، ظن أن لا أحد لديه معرفة تفصيلية بالشأن السوداني وما يدور من حرب وأسبابها وتداعياتها، ظهر له من حيث لا يدري مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة دعم الانتقال الديمقراطي (يونيتامس) السابق إلى السودان، السيد فولكر بيرتس، فأسقط في يده وفي يد وفده .. لقد وقع الرجل الأبله في الفخ.
كان وزير الصدفة ضخم الجثة، قليل العقل، ضعيف القدرات، يتحدث إلى المؤتمر بلغة إنجليزية توحي بأنه قد درسها بأحد معاهد تعليم الكبار، وربما هو الشخص الوحيد الذي يتفوق عليه البرهان بلغته المضحكة منذ أن ظهر في حيواتنا. بل هو الشخص الوحيد الذي رأيته يتألم وهو يحاول الحديث، إذ شرع يتأتئ ويكذب ويزوّر الحقائق ويلوي عنق الأحداث الراهنة، ظانًّا أنه سيتمكن من خداع العالم! لكن العالم تغيّر، والحصول على الحقيقة لم يعد يحتاج جهدًا كبيرًا في ظل الثورة التقنية التي تتفجر كل ساعة بجديد. لكن وزيرهم من القرون الوسطى، فماذا نحن فاعلون؟!
كما أن الرجل ما ظنّ أن شاهد عيان، بل فاعل أكثر منه وعارف بتفاصيل المشهد السياسي والعسكري في السودان ومساهم فيه، مثل فولكر بيرتس، سيكون في مواجهته، فكاد أن (يفعلها) في كرسيه الميونيخي المريح.
تحدث فولكر، وهو رجل يتمتع بمصداقية كبيرة لدى المجتمع الدولي والحكومات الغربية، مفندًا ادعاءات وأكاذيب الوزير (غير الشريف)، قائلًا: إن كلا الطرفين سواسية في الحرب ونتائجها، وإن الميليشيات التي ارتكبت الفظائع في ولاية الجزيرة حوّلت ولاءها وأصبحت تحارب إلى جانب الجيش بنفس قياداتها. ثم التفت إلى وزير الصدفة قائلًا: “وليصححني السيد الوزير”. لكن الرجل المصدوم، قليل القدرات والذكاء، كان مذهولًا، لأن فولكر قالها صراحة إن “كيكل” وميليشياته، التي ارتكبت جل الانتهاكات في ولاية الجزيرة، تحارب الآن بجانب الجيش وترتكب نفس الانتهاكات، وبطريقة أكثر فظاظة وفظاعة، وهذه حقيقة لا يأتيها باطل الوزير وسلطته.
أكثر من ذلك، فقد أكد فولكر أنه لا يوجد مرتزقة أجانب في صفوف الدعم السريع، وقال ما معناه إن من يتم تجنيدهم من خارج القوات هم سودانيون أيضًا، وإن الجيش السوداني يمارس العنف ويرتكب الانتهاكات كذلك.
وبهذه المرافعة الرفيعة والقوية، يكون السيد المحترم فولكر بيرتس قد قضى تمامًا وشيَّع إلى الأبد الرواية الرسمية الكيزانية لحكومة بورتسودان عن الحرب والانتهاكات التي ارتُكبت خلالها. وبالتالي، فقد مهّد الطريق ليقدم خلاصة حديثه حين اختتمه بالقول: “لا حل غير الجلوس إلى مفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وإن تشكيل حكومة تحت مظلة عسكرية لن يجدي نفعًا”.
ولأن خارجية سلطة بورتسودان تُدرك تمامًا أن ما يقوله فولكر يقطع قول كل خطيب، فالرجل عارف بما يدور في الشأن السوداني وقد شهد الحرب، وهو محل ثقة واحترام من الجميع، بل هو محل ثقة الحكومات الغربية والمجتمع الدولي، وحديثه له تأثير بالغ على صناع القرار وعلى المؤسسات الإعلامية هناك، باعتباره خبيرًا في الشأن السوداني، بل فاعلًا في المشهد السياسي السوداني إلى ما بعد اندلاع الحرب.
ظهور فولكر وحديثه إلى المؤتمر أطاح بجهود خارجية بورتسودان، التي ظنت أن الساحة قد خلت لها لتبث أكاذيبها وادعاءاتها وتبرطع في المجتمع الدولي كما تشاء، ولكن هيهات! فقد عاد الوزير (الدلاهة) من ميونخ ذليلًا، كسيرًا، منكس الرأس، لأن المجتمع الدولي والغربي عمومًا لا يحب الكذب والخداع، وهذا ما كشف عنه فولكر في المؤتمر. وبالتالي، لن يستمع أحد في الغرب إلى هذا الرجل مرة أخرى، وحتى إن استمع، فلن يأخذ ما يقول بجدية، “والكذّاب وصلوه الباب”، كما نقول في السودان.
لقد شيّع فولكر أكاذيبهم إلى مثواها الأخير في جلسة واحدة، وبضربة واحدة، وأصبحت أثرًا بعد عين.
المصدر: صحيفة الراكوبة