تظهر التسريبات أن اللقاء شهد طرح مقترح أمريكي لوقف الحرب في السودان، يعتمد خطة متعددة المراحل تبدأ بوقف كامل لإطلاق النار، يليه السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررًا، وعلى رأسها مدينة الفاشر..
التغيير: الخرطوم
زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان لمدينة جنيف بسويسرا ولقاءه بالمبعوث الأمريكي لأفريقيا، مسعد بولس حظيت بالكثير من ردود الأفعال لدرجة التشكيك في حقيقة اللقاء نفسه.
وتظهر التسريبات أن اللقاء شهد طرح مقترح أمريكي لوقف الحرب في السودان، يعتمد خطة متعددة المراحل تبدأ بوقف كامل لإطلاق النار، يليه السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررًا، وعلى رأسها مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، المحاصرة منذ أكثر من عام من قبل الدعم السريع.
ووفقا للتحليلات سيتم البحث عن الخيارات السياسية لتسوية الأزمة، بما في ذلك استعادة المسار المدني للانتقال الديمقراطي، والنظر في كيفية تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين التيارات المختلفة في توجهاتها السياسية ومواقفها من الحرب السودانية.
رفض لعودة الدعم السريع
ومن بين التسريبات أيضا أن قائد الجيش السوداني أبدى رفضا لأي مقترح يتضمن عودة قوات الدعم السريع للواجهة السياسية حيث شدد علي ضرورة تفكيكها ومحاسبة قادتها.
في المقابل أكد الدعم السريع أنه لم يتلق أي دعوة إلى لقاء المبعوث الأمريكي، وأن ما راج بهذا الخصوص مجرد شائعات.
من بين التسريبات أن قائد الجيش السوداني أبدى رفضا لأي مقترح يتضمن عودة قوات الدعم السريع للواجهة
يقول المحلل والكاتب عبد العظيم حسن لـ«التغيير»، إن اجتماع “البرهان” مع مستشار ترامب في سويسرا يؤكد أن واشنطن بدأت في التعامل بجدية مع موضوع السلام في السودان. حيث تحول الملف من الهامش إلى جدول الأعمال بعد أن اقتنعت أن العقوبات التي تفرضها بين الحين والآخر علي طرفي الحرب أصبحت غير مجدية بعد أن دخلت الحرب عامها الثالث.
ويلفت إلى أن الذي يؤكد ذلك هو التعامل المباشر مع ملف السودان بعد أن ظلت الولايات المتحدة تتعامل مع القضية السودانية عن طريق حلفائها في المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات.
وأضاف: الخطوات الفعلية لهذا التحول بدأت خلال جولات وزير الخارجية الأمريكي في السعودية وقطر وأبوظبي بشأن الحرب السودانية. أيضا تصريحات ترامب نفسها بضرورة إحلال السلام في السودان أعقب ذلك زيارة الوفد الاستخباراتي الأمريكي لبورتسودان مؤخرا ولقاء قادة جهاز الأمن والمخابرات السوداني.
خطوط عريضة
وأشار المحلل والكاتب عبد العظيم حسن، إلى أن الولايات المتحدة ربما تضع الخطوط العريضة للاتفاق لتفادي التقاطعات في الملف بين مصر والإمارات تحديدا. لذا فهي تفرض طوقا من السرية علي المفاوضات التي تمت مع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان. ومن ثم تترك التفاصيل الصغيرة للتفاوض وتدخلات الوسطاء في الرباعية
ويشير بقوله: من الواضح أن واشنطن لا تريد أي دور سياسي للدعم السريع في السودان مستقبلا، ولكن في المقابل لديها تحفظات كذلك علي الإسلاميون، وربما تكون هذه نقطة خلاف كبيرة مع الجيش الذي يرى أن التخلي عن حلفائه قد يشكل تهديداً للأمن القومي عموما إذا كان هنالك جدية من جانب الجيش والدعم السريع سيخضع الجميع للشروط الأمريكية.
وأوضح حسن أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن سياسية العصا والجزرة التي تستخدمها بوضوح في النزاعات، ولوحت بها مؤخراً في وجه أوكرانيا للقبول بسلام مع روسيا، وإذا انتهى هذا الملف سريعاً لن يأخذ موضوع السودان زمناً طويلاً، وربما ينتهي قبل نهاية العام الحالي.
الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن سياسية العصا والجزرة التي تستخدمها بوضوح في النزاعات
المحلل والكاتب عبد العظيم حسن
وحول التوقعات لمآلات لقاء البرهان ومسعد بولس،فإن الباحثة السياسية، إيناس بلة، بدت متشائمة في حديثها وربطت بله ما بين بيان وزارة الخارجية السودانية الأخير، وما دار في لقاء البرهان ومسعد بولس.
وقالت في حديثها لـ«التغيير» إن رفض الخارجية السودانية لبيان الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الإمارات السعودية ومصر تحالف “إيه إل بي إس” مجموعة العمل من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام بشأن توصيل المساعدات الإنسانية يشير بوضوح إلى أن الإمارات بدأت تضع العراقيل أمام الجهود المتصلة بالملف الإنساني باعتباره أول ملف من الملفات التي ناقشها الطرفان السوداني والأمريكي.

وأضافت بأن ملف المساعدات الإنسانية يمثل البداية لتنفيذ مخرجات لقاء البرهان ومسعد بولس وواضح من البيان أن الإمارات لها اليد الطولى فيه ولذلك البداية متعثرة.
وأكدت أن الإمارات تعمل في مسارين: الأول سياسي، من خلال مشاركتها في الرباعية، والثاني أمنيعسكري، عبر الدعم المباشر للمليشيا. وأضافت أنه إذا فشل الدعم السريع عسكريًا، ستنوب الإمارات عنه في الرباعية، وهو وضع مشوه، لا يمكن أن يكون فيه الخصم هو الحكم في الوقت نفسه.
وتابعت بالقول: واهم من يظن أن القرار الأمريكي تجاه السلام في السودان سيكون بعيداً عن رغبة وتطلعات أبوظبي الشريك الاستراتيجي لواشنطن في حقبتي بايدن وترامب.
وأوضحت أن قراءة مخرجات اللقاء بين البرهان وبولس يمكن استخلاصها من التحركات الميدانية للجيش والدعم السريع في كردفان ودارفور. وأضافت أن اشتداد القتال لا يعني استباق السلام، بل يؤكد فشل مساعي السلام.
وأضافت: بالتالي فإن محاولة فرض أمر واقع من قبل الطرفين ربما يمثل الخطة (ب) لكليهما بعكس ما كان يحدث سابقاً في المفاوضات بالعودة لنموذج التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في “نيفاشا”. وأكدت: “الأمر مختلف هذه المرة.”
ورأت بله أن الحل يكمن في حياد الولايات المتحدة وعدم توجيه الرباعية لخدمة مصالح شريكتها الإمارات.
حليف يزود بالمال
وأضافت أن هذا وضع غريب بالنسبة لدولة تعتبر “سيدة العالم”، إذ يبدو أنها ترضخ في قراراتها لحليف يزودها بالمال والصفقات المليارية. لكنها أكدت أن سياسة “التاجر ترامب” لن تجلب السلام إلا إذا وُجد ضغط حقيقي ومتساوٍ.
يتخوف الأكاديمي، صالح محمد أحمد، من أن تكون الزيارة التي قام بها البرهان لسويسرا ولقاء مستشار ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس بتنسيق ومباركة الإسلاميين قائلا: ربما يكون هذا صحيحاً خاصة وأن الدوحة هي من نسقت اللقاء حسب التسريبات، وإذا كان الأمر كذلك، سيبقى البرهان رهينة “الكيزان” فهم من يتحكم بالمؤسسة العسكرية عبر الكتائب العقائدية، كما يسيطرون على جهاز الأمن، ويُموّلون الحرب عبر شركاتهم الاقتصادية، حسب قوله.
تطلع لخروج “العسكر” جميعهم من السلطة
الأكاديمي، صالح محمد أحمد
وأضاف: لا نريد اتفاقاً يوقف الحرب ويعيد الإسلاميين للسلطة ومعهم صنيعتهم الدعم السريع والحركات المسلحة.
وأضاف:هذه كارثة علي السودانيين الذين يتوقون لوقف الحرب قد يقول قائل هذا هو الحل.. لا هذا ليس هو الحل. نتطلع لخروج “العسكر” جميعهم من السلطة يمكنهم أن يمسكوا بزمام الأمن لفترة بسيطة، ثم تأتي الانتخابات.
وأردف: “الكيزان” ومن شايعهم لا يريدون أن تتوقف الحرب بالمفاوضات يعتقدون أنهم يمكن أن يحسموا الحرب بعد أن انتقلت إلى كردفان ودارفور”.
وقال: هؤلاء في إشارة لمنسوبي الحركة الإسلامية لا يدرسون التاريخ. ويتناسونه القريب منه والبعيد. وتساءل: هل حسم تمرد مني وجبريل عبر البندقية الجيش يحارب من 2003 إلى أن جاءت اتفاقية السلام جوبا 2020.
وتساءل: كم من السنوات يريد هولاء أن يتقاتل أفراد الشعب السوداني وما ذنب أفراد القوات المسلحة والضباط الشرفاء يقتلون لا لشي إلا لرغبة مجموعة كرتي الإسلامية في الحكم.. لا هذا أمر مرفوض تماما من أي شخص عاقل.
ومضى قائلاً ما ذكرته بخصوص الإسلاميين من شأنه أن يعرقل المفاوضات مهما كانت جدية الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء. وأضاف: لا يمكن أن نتحدث عن تفاصيل لقاء البرهان ومسعد بدون هذه الجزئيات المهمة.
وشدد صالح علي أهمية وجود قرارات قوية وضغوط أمريكية توقف نزيف الحرب قائلا: السياسة الناعمة بدون عصا ليست مجدية، ولو كانت فاعلة لكان السلام حاضرا منذ مفاوضات جدة في مايو 2023.
المصدر: صحيفة التغيير