لعنة اليمن … ولحظة حميدتى(3/2)
رائد مهندس محمد احمد ادريس جبارة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الإيمانُ يمانٍ والحِكمةُ يمانِيَة ، وأَجد نَفَسَ الرحمن من قِبَل اليمن ، أَلَا إنَّ الكفرَ والفسوقَ وقسوةَ القلب في الفَدَّادين أصحاب المَعِز والوَبَر)) .
[صحيح] [رواه أحمد والطبراني]
لعنة اليمن المراد بها هنا مانال ثلاث جيوش تدخلت فى الشان اليمنى وهى على التوالى :
الجيش الحبشى بقيادة ابرهة وارياط ومن وراءه النجاشى كالب إل أصبحه.
الجيش المصرى بقيادة ناصر وعامر والسادات
الجيش السودانى بقيادة البشير ومن بعده البرهان وحميدتى
ونحاول استطلاع ما ينتظر الجيشان السعودى والاماراتى .. بقيادة محمدبن سلمان ومحمد بن زايد.
فى هذه الحلقة :
كيف استقل شمال اليمن من الدولة العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميد الدين للمملكة المتوكلية اليمنية..واهم الاحداث ما بين 1918م وحتى سبتمبر 1962م.
كيف تطور الصراع بين الجمهوريين والملكيين وكيف تمدد ودور الدكتور عبدالرحمن البيضانى.
كيف كان التدخل المصرى واهم تفاصيله. وكيف صور هيكل ذلك.
كيف عكست المراسلات بين الرئيسيين كنيدى وناصر الازمة اليمنية.
لجوء طيارين سعوديون واردنيين الى مصر كيف كان فى اول الازمة اليمنية وماذا يعكس؟ .
كيف ساهم المازق اليمنى فى نكسة 1967م.
كيف انتهى الصراع بين ناصر وفيصل فى قمة الخرطوم … بحل الازمة اليمنية.
صراع ناصر والمشير عامر ينتهى بمقتل الاخير.
الملك فيصل والرئيس السادات … نهايات متشابهة !! .
(1) اهم الاحداث ما بين 1918م وحتى سبتمبر 1962م .
استقلال شمال اليمن من الدولة العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميد الدين للمملكة المتوكلية اليمنية عام 1918م بقيادة الإمام يحيى حميد الدين. كانت مملكة منغلقة على العالم وتبنى الإمام سياسة انعزالية خوفاً من أن تسقط بلاده لسلطة القوى الاستعمارية المتحاربة عقب الحرب العالمية الأولى وبالذات إيطاليا وبريطانيا وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية تلك الفترة وساعده في ذلك أن جل المجتمع اليمني على أيامه كانوا من المزارعين يعيشون في قرى مكتفية ذاتيًا. منع الإمام يحيى السفارات والبعثات الدبلوماسية من دخول البلاد وأي زائر أجنبي كان بحاجة إلى إذن شخصي منه. أسّس الإمام يحيى حميد الدين حكماً ثيوقراطيًا زيدياً تجاهل أبناء المذاهب الأخرى مثل الشافعية والإسماعيلية واعتبر يهود اليمن ذميين. ظهرت حركات معارضة للمملكة بعضها نتيجة احتكاك تيارات فكرية معينة بالخارج مثل محمد محمود الزبيري وبعضها اعتراضا على نية الإمام يحيى توريث ابنه أحمد بن يحيى ، وكان عبدالله الوزير من أبرز معارضي التوريث وانتخب إمامًا دستوريًا ليقود ثورة الدستور عام 1948م. قُتل الإمام يحيى خلالها وتمكّن ابنه أحمد من إنقاذ المملكة.
1948م قيام ثورة الدستور واغتيال الإمام يحيى حميد الدين ، وتولي نجله أحمد الحكم وقمع الثورة وإعدام قادتها.
قيام انقلاب 1955م بقيادة المقدم أحمد الثلايا ضد الإمام أحمد ومحاصرة قصره في تعز ، والقبائل تهاجم المدينة وفشل الانقلاب وإعدام الثلايا وضباط الانقلاب. وفى هذا الانقلاب قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام أحمد في قصره في مدينة تعز ، وطالبوا الإمام تسليم نفسه وهو ما حدث. وقد اختلف قادة الانقلاب فيما بينهم على مصير الإمام. فبعضهم اقترح قتله. والبعض الآخر اقترح أن يستبدل به أخيه الأمير سيف الله عبدالله. وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثلايا. كما قامت سيدات الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا لهم «يا غارة الله بنات النبي». فهجمت القبائل على تعز وفشل الانقلاب.
وفي صيف عام 1959م ، سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج من التهاب المفاصل الرثياني. فاعتقد البدر أنها نهاية أبوه. فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة القاضي أحمد السياغي. كما قام بإلقاء خطاب ضد الإمام في احتفال للجيش اليمني. فثار أفراد الأسرة الحاكمة ضد البدر مما دفعه للاستعانة بالقبائل لإخماد ثورتهم. ورغم أن عيون البدر في روما تخبره أن أبوه يحتضر. إلا أن الإمام أحمد أفاق من مرضه ورجع إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به البدر من إصلاحات. كما أمر باسترجاع الأموال والسلاح التي أعطاها البدر للقبائل التي أيّدته في الإصلاحات. وهرب شيوخ القبائل إلى السعودية ولكن الملك سعود بن عبد العزيز ضمنهم عند الإمام أحمد. ولما رجعوا، أعطاهم الإمام لابنه البدر فقام بذبحهم ترضية لأبيه. وكانت هذه الحادثة دليلاً للذين عقدوا الآمال على البدر أنه لا يختلف كثيراً عمن سبقوه.
1961م محاولة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى الحديدة يقوم بها الضباط الأحرار «العلفي اللقية الهندوانة».
وفاة الإمام أحمد بن يحيى متاثرا بجراحه التي أصيب بها في محاولة اغتيال 1961م ، وتولى ابنه محمد البدر الحكم.
تفجير ثورة 26 سبتمبر على أيدي الضباط الأحرار ضد الحكم الملكي وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة عبد الله السلال. واشتعال حرب أهلية بين الجمهوريين الذين تساندهم مصر والملكيين الذين تساندهم السعودية.
(2) العقل المدبر للانقلاب كان مدنياً وهو الدكتور عبد الرحمن البيضاني الذي كان يعتقد بضرورة وجود خمسة ركائز أساسية للقيام بثورة في اليمن وهي:
الجيش الذي سيقوم بالانقلاب.
بناء ميناء الحديدة لاستيراد الأسلحة الثقيلة التي تختلف عن الأسلحة الموجودة في أيدي القبائل.
إنشاء طريق بين الحديدة وصنعاء لضمان الوصول للعاصمة سريعاً لحمايتها.
دولة تساند الثورة.
إعلام قادر على التبشير بمبادئ الثورة.
في سنة 1962م ، كانت هناك نواة للجيش كما تم بناء ميناء الحديدة وشُق الطريق بين الميناء وصنعاء وبُنيت الإذاعة في الأخيرة وبقي فقط الدعم الدولي.
وُضِعَت خطة الانقلاب في مدينة غارميش بارتِنْكِيرشِن بألمانيا (بالألمانية: GarmischPartenkirchen) عندما اجتمع البيضاني وعبد الغني مطهر.
ثم بعد ذلك سافر البيضاني إلى القاهرة لعرض الخطة على المسؤولين المصريين هناك وكان من ضمنهم أنور السادات ، صلاح نصر مدير المخابرات العامة ونائبه علي سليمان والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وكان يصاحب البيضاني في بعض هذه اللقاءات محمد قائد سيف الذي شارك في انقلاب سنة 1948م الذي قاده عبد الله الوزير. ورغم تردد عبدالناصر في بداية الأمر ، إلا أنه وافق على دعم الأحرار اليمنيين.
وكانت خطة الثورة مقسمة على ثلاثة خلايا : الأولى في تعز حيث يقيم الإمام أحمد والثانية في العاصمة صنعاء والثالثة في الحديدة حيث يوجد الميناء. وكانت بداية الخطة من تعز حيث يوجد 800 جندي منهم 530 مجندين لصالح الأحرار وكان من ضمن قادة أفرع الجيش المجندين أيضاً قائد المدرعات وقائد المدفعية.
وكانت تنقص خلية تعز بعض الأسلحة فقام عبدالغني مطهر بنقلها لهم من صنعاء. وكانت على خلية تعز القيام باغتيال الإمام أحمد داخل قصره وهو ما حدث على يد محمد العلفي وعبدالله اللقية. وبعد أن تنتهي مهمة تعز تبدأ مهمة صنعاء، وكانت الخطة تقتضي بأن يعلن قادة الخلية هناك إدانتهم للانقلاب في تعز ثم يستدرجون البدر ولي العهد والشخصيات الهامة خارج مقارهم للتخلص منهم أو التحفظ عليهم بدون مشقة القتال مع حرسهم الخاص مستغلين صفاتهم الرسمية فعلى سبيل المثال كان عبدالله السلال قائد الحرس الإمامي. وكانت حادثة اغتيال يحيى محمد عباس رئيس الاستئناف خير مثال.وكان من ضمن مهام خلية صنعاء أيضاً احتلال الإذاعة وكانت هذه المهمة بقيادة العقيد حسن العمري نائب وزير المواصلات ومدير اللاسلكي. وكان يجب عليهم إما احتلالها أو تدميرها لأنه كان يوجد هناك إذاعة أخرى في أسوان. فإذا بقت إذاعة صنعاء تحت سيطرة الملكيين أصبح هناك محطتين للإذاعة.
ثم تبدأ بعد ذلك مهمة الحديدة التي يقودها العميد حمود الجايفي وكان عليهم تأمين الميناء لوصول القوات المصرية.
عندما قُتل الإمام أحمد في 19 سبتمبر عام 1962م على أيدي الثوار ، خلفه ابنه الإمام البدر. وفي هذه الأثناء، تناقش ضباط الجيش إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بالثورة أو الانتظار حتى عودة أخيه الأمير الحسن من الخارج للقبض عليهما معاً في وقت واحد.
ولكن العقيد عبدالله السلال قرر التحرك وأمر بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية بصنعاء وفتح جميع مستودعات الأسلحة وتوزيعها على كل الضباط الصغار والجنود. وفي مساء 25 سبتمبر ، جمع عبد الله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955م.
وكان كل ضابط وكل خلية بانتظار تلقّي الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام بدر. وتضمنت الأماكن الهامة التي يجب تأمينها قصر البشائر (قصر الإمام) ؛ قصر الوصول (قصر استقبال الشخصيات الهامة) ؛ الإذاعة ؛ الاتصالات التليفونية ؛ قصر السلاح (مخزن السلاح الرئيسي) ؛ ومقرات الأمن الداخلي والمخابرات. وتم تنفيذ الثورة بواسطة 13 دبابة من اللواء بدر ، 6 عربات مصفحة ، مدفعين متحركين ، ومدفعين مضادين للطائرات. وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالانقلاب.
توجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر. وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام البدر الذي تقرر إرساله للمنفى بسلام. ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط ، مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات. حيث كانوا قد قرروا استخدام الدبابات والمدفعية منذ البداية.
وقد استمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي. وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة. أما مخزن السلاح فكان أسهلها فكان يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية الملكيين منها وتأمين البنادق ، المدفعية والذخيرة. وقد سقطت الاتصالات التليفونية أيضاً بدون أي مقاومة. وفي قصر الوصول ، فقد ظلت الوحدات الثورية آمنه تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد.
وفي صباح 26 سبتمبر ، تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة أنه قد تمت الإطاحة بالإمام البدر وحلّت محله حكومة ثورية جديدة. ثم بدأت الوحدات الثورية في مدن تعز ، حجة ، وميناء الحديدة تأمين ترسانات السفن ، المطارات ومنشآت الميناء. وكان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات ، وقد تعرض الإمام إلى 12 محاولة اغتيال ، منها محاولة فاشلة لاغتياله وهو على فراش الموت. وما كانت الثورة التي قام بها الضباط عبد الله السلال وعبدالرحمن البيضاني والدكتور محسن العيني إلا تركيز النشاطات الثورية في جهد منظم واحد للإطاحة بحكم الإمام. وقد كان قائد المجموعة ، السلال ، متأثراً بقراءاته عن الثورة الفرنسية وكتاب عبد الناصر «فلسفة الثورة».
وفي 28 سبتمبر ، أعلنت الإذاعة موت الإمام بدر على الرغم من أنه كان لا يزال على قيد الحياة. وفي هذه الأثناء ، غادر الإمام العاصمة صنعاء وهرب إلى مدينة حجة في الشمال وكان ينوي أن يفعل ما فعله أجداده من قبل : الاستنجاد بالقبائل في الشمال وفي جبال حضرموت وشن حرب لاستعادة العاصمة. وفي 30 سبتمبر ، وصل العميد المصري علي عبد الخبير على متن الطائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني. وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات الصاعقة المصرية ، وكانت مهمتها العمل على حراسة العقيد عبد الله السلال ، ووصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة في 5 أكتوبر.
وكان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوم بالطائرات يمكنه تأمين السلال ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين.
ولكن تسارعت الأحداث وقامت السعودية التي كانت تخشى المد الناصري بإرسال قوات إلى الحدود اليمنية. وأرسل ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلى الأمير حسن لإجراء مباحثات. وفي الأيام الممتدة بين 2 و 8 أكتوبر ، غادرت أربع طائرات شحن سعودية محملة بالسلاح لإرساله إلى القبائل اليمنية الموالية للإمام. ولكن الطيارون اتجهوا إلى مدينة أسوان المصرية. وقد أعلن سفراء ألمانيا، المملكة المتحدة ، الولايات المتحدة ، والأردن دعمهم لنظام الإمام بينما أعلنت مصر ، إيطاليا ، وتشكوسلوفاكيا ، دعمها للثورة الجمهورية.
(3) هيكل فى كتابه (عبدالناصر وكينيدى الآفاق الضائعة) كتب هيكل التالى : (وبينما كان الاهتمام العالمى يتحول عن كوبا : اندلعت من صحارى اليمن الوعرة أزمة أخرى واندفعت إلى وسط المسرح العالمي تستقطب الانتباه العام لغموضها ، وكانت هذه الأزمة واحدة من الأزمات التى عالجها عبد الناصر وكنيدى في علاقتهما. “فقد توفي أحمد إمام اليمن العجوز يوم 9 سبتمبر ( إيلول) بعد أن تعرض أربع مرات لإطلاق النار عليه. كان رجلا خارقا غير عادى أشبه بشخصية خرافية خرجت من صفحات أساطير القرون الوسطى. وقد سحق يد عبد الناصر عندما صافحه في أول لقاء بينهما ، ربما لأنه أراد أن يعامل عبدالناصر كواحد من رؤساء القبائل الذين درج على أن يهيمن عليهم بإشعاره بقوة قبضته وبأنه ما زال في صحة تمكنه من فرض سيطرته. وكان حكمه في اليمن أوتوقراطيا وفي غاية الاستبداد . ولم يكن يسمح بحرية الصحافة فى بلاده بينما كان مدمنا قراءة المجلات الفنية المصرية. وكان أول سؤال وجهه إلى الرئيس عبدالناصر في لقائهما الأول
هل تزوجت فاتن حمامة من عمر الشريف ؟ .
وقد دهش عبدالناصر من السؤال وربما كان آخر ما توقعه من إمام اليمن .
وكان الإمام أحمد في الواقع مخلوقا عجيبا غريبا. يتزين بالمسابح والعقود وأحزمة الرصاص والخناجر وكان الكحل يزين حدقتيه. أما وجهه فكانت كل عضلة فيه تتحرك وتختلج مستقلة عن الأخرى بمفعول القات الذى اعتاد مضغه .
وروى الإمام أحمد لعبدالناصر قصة انقلاب أحبطه . وخلاصة القصة أنه كان محاصراً في قصره حينما شاهد حارسا يفتش إحدى جواريه فصاح :
“والله لن تفتش النساء ما دام أحمد حيا” .
وقفز على صهوة حصان واندفع يخب به نحو الخفراء وأمسك بمدفع رشاش وأخذ يطلق عياراته في الهواء من برج القصر . ولما شاهده الناس أخذوا يهتفون :
“إنتصر الإمام .. إنتصر الإمام” .
وهكذا أخفق الانقلاب .
وقد قطع الإمام أحمد رؤوس زعماء الانقلاب وقال إنه علق تلك الرؤوس على شجرة “كالثمار اليانعة”.
كان هو واليمن التى يمثلها شيئاً ينأقض التاريخ …
وقد اعتاد عبدالناصر بهذه المناسبة أن يروى النادرة الآتية :
هبط الله من السماء مع كبير الملائكة جبريل ليرى كيف تطور العالم منذ أن خلقه . وجالا حول العالم فوق إحدى السحب وتطلع الإله من عليائه وقال :
لم أعرف هذا المكان .
فأجابه جبريل :
هذه بريطانيا .
لكم تغيرت .. لم أستطع تبينها .
وتوجها بعد ذلك إلى القارة الأمريكية فقال الإله :
وماهذه؟ .
فأجابه جبريل :
هل نسيت ؟ .. انهما الجزيرتان الكبيرتان اللتان خلقتهما فى النهاية .
ولكنهما تغيرتا كثيرا ..
وتكرر الحوار ذاته فوق مصر عندما شاهد الإله الأهرامات .
وبعد ذلك وصلا إلى بلد عرفه الإله فورا وقال :
هذه هى اليمن .. فقد بقيت تماما على نفس الحال منذ اليوم الذي خلقتها فيه.
وعندما أوفد رالف بانش من قبل الأمم المتحدة إلى اليمن مر بالقاهرة فى طريق عودته وقال لى : “يا إلهى .. عندما رأيت الكونجو رأيت جريمة الاستعمار .. ولكن عندما وصلت إلى اليمن آمنت بأن من سوء الحظ أنها لم تعرف ولو قدرا ضئيلا من الاستعمار ” .
وبعد وفاة الإمام أحمد ، خلفه ابنه الأمير محمد البدر الذى كان أبوه يستخدمه دائما في البعثات التي يوفدها إلى مصر. وكان عبد الناصر محتارا في أمر البدر وكان يتساءل ما إذا كان في وسع البدر أن ينقل اليمن إلى العالم الحديث. وظل يتعجب ويتساءل إلى أن طلب الأمير البدر ذات يوم وكان لايزال وليا للعهد أن يزور حديقة الحيوان في القاهرة .
وذهب البدر يرافقه وفد رسمى إلى حديقة الحيوان حيث سار كل شيء على مايرام إلى أن اكتشف البدر شجرة قات لم يتبينها أحد غيره . فهرع وصعد إليها وجلس على غصن منها وأخذ يمضغ أوراق القات .
وبعد أن سمع عبد الناصر بهذه الواقعة لم يعد يتساءل عن طاقات البدر أو قدراته.
حكم البدر لمدة أسبوع انتهى بقلبه عن الحكم على يد العقيد عبذ الله السلال قائد الحرس الملكى .
وكان السلال قد عين في منصبه ذاك برغم أن الإمام السابق زجه في السجن خمس سنوات ، أمضاها مقيدا في زنزانته حيث كان الطعام يلقى إليه وحيث كان لا يستطيع أن يقضى حاجته في مكان أبعد من مدى السلسلة التى قيد بها.
وسرعان ما جاءت إلى مصر جماعة من رجال السلال ليطلبوا من الرئيس عبدالناصر تأييده وعونه في إقامة نظام جمهوري وقابلوا أنور السادات الذى كان وقتئذ رئيس مجلس الأمة. وكتب السادات مذكرة بصدد اجتماعه مع اليمنيين وتقرر بالاستناد إليها الاعتراف بحكومة السلال وتزويدها ببعض المستشارين وبكميات من الأسلحة الخفيفة.
أما البدر فقد استطاع الهرب بطريقة مسرحية هزلية.
ذلك أن السلال كان قد أمر رجاله بمحاصرة القصر ، ولكنه عندما حان وقت الغذاء ترك الجميع مراكزهم ليأكلوا ويمضغوا القات. فانتهز البدر الفرصة وخرج من باب خلفى راكبا حمارا واختفى قبل أن يعود جنود السلال إلى اتخاذ مراكزهم .
وساد الهرج والمرج ولم يعرف أحد ذلك الحين ما جرى للبدر وهل هو حى أم ميت ولم يعرف أحد بمكانه حيا أو ميتا.
وفي ذلك الحين كذلك كان عمه الأمير الحسن في الأمم المتحدة حيث كان يشغل منصب رئيس وفد اليمن الدائم . وقد طار الأمير الحسن فورا إلى المملكة العربية السعودية وطلب المساعدة من الملك سعود برغم العداوة القديمة بين عائلتيهما.
وكان الملك سعود يشعر وقتئذ باليأس . ذلك أن الرجال الذين وضعهم فى الحكم فى سوريا كانوا قد سقطوا. وها هى ثورة جمهورية تقوم على أبوابه وهكذا سارع إلى إعانة العائلة المالكة اليمنية.
وبينما جمع السعوديون السلاح : أخذ الأمـير الحسن يثير القبائل وبدأ سعود يشترى ولاء تلك القبائل بأمواله التي يدرها عليه البترول . و لم يلبث أن ظهر البدر وخرج من مخبئه ليحارب الحكومة الجمهورية.
على أن السعوديين لم يكونوا جميعا راغبين في إعادة الملكيين . إلى الحكم في اليمن . فقد انطلق ثلاثة من طياري سلاح الجو السعودى بطائراتهم إلى مصر طالبين حق اللجوء السياسى [في 2 اكتوبر 1962م]. وكانت الطائرات الثلاث من طائرات النقل طراز فيرتشايلد ، محملة بالسلاح والذخيرة في صناديق عليها صورة اليدين المتضافحتين : شعار برنامج المساعدات الأمريكية واحتج عبدالناصر للسفير الأمريكى قائلاً ، إن هذه ليست بالطريقة السليمة للمساعدة : وإن هذا النوع من المساعدات ينطوى على تقديم الموت وليس الصداقة .
بعد التجاء الطيارين السعوديين الثلاثة إلى مصرشل سعود حركة سلاحه الجوي ومنع تحليق طائراته واستأجر سلاح طيران الملك حسين لتزويد الملكيين بالمساعدات ..
لكن الشيء ذاته حدث للأردنيين . ففى ظرف اسبوع وصلت إلى مصر طائرات هوكرهنتر الثلاث التابعة لسلاح الطيران الأردني والمرابطة في مطار جدة . وكان يقودها طياروها وعلى رأسهم قائد سلاح الجو الملكي الأردني نفسه .
ولما ازداد عدد الطيارين السعوديين والاردنيين الذين لجأوا بطائراتهم إلى مصر. دأب السفير الأمريكى بادو على سؤال عبد الناصر كلما رآه في تلك الفترة :
“كم بلغ عدد الحمائم اليوم؟”.
غير أن الملكيين استجمعوا قواهم واحتلوا سبأ وصعدة وأقضوا مضاجع الجمهوريين في صنعاء إذ أعطوا القبائل الإذن عبر إذاعتهم بنهب العاصمة ، والنهب طريقة تقليدية لتسديد الفواتير للقبائل .
وبعث عبد الناصر ببعض القوات إلى اليمن لمساندة الحكومة الجمهورية واضطر أن يرسل المزيد منها نظرا إلى أن الفيافي اليمنية كانت تستوعب فوراً المزيد والمزيد وكان عبد الناصر يقول أحيانا :” لقد أرسلت كتيبة لمواجهة التهديد على صنعاء ثم عززت الكتيبة بفرقة ” .
ومالبثت أن بدأت تؤثر في الموقف عدة من تيارات النفوذ المختلفة . فقد عم الاستياء في المملكة العربية السعودية بسبب المبالغ الهائلة التي كان الملك سعود ينفقها على الحرب في اليمن . وأصبحت شركات البترول تخشى أن يزحف الجيش المصري على آبار البترول السعودية . وقلقت بريطانيا على عدن .
لكن سعود ظل يدعم الملكيين وتقرر في يوم من الأيام إشعاره بأنه لايستطيع أن يفرض الخطر على الناس ويظن انه هو نفسه بمأمن منه ، وهكذا أرسلت قاذفة قنابل من طراز ايليوشين لتحلق فوق قصره . وتطلق مشاعل ضوئية هدفها تحذير الملك .
ومن سخريات القدر أن ذلك القصر كان القصر الملكي الجديد الذي كان عبد الناصر قد زاره كأول ضيف رسمي فسمي تيمناً به “قصر الناصرية” . وعندما جاء سعود الى مصر في أواخر حياته لاجئا سياسيا وصف للرئيس عبد الناصر مدى الذعر الذي أحس به ، وكم كره المصريين يومها .
وبسبب هذه الغارة سافر الأمير فيصل الذى كان قد أصبح صاحب السلطة الحقيقية في المملكة العربية السعودية إلى واشنطن وطلب من الأمريكيين تزويده بغطاء جوى لحماية السعودية من سلاح الطيران المصري
ويعرض هيكل مجموعة رسائل بين كنيدى وناصر تتحدث عن ازمة اليمن وكوبا .
ويبن العلاقة بين ناصر وكيندى … ثم يبين تاثر ناصر لموت كنيدى.
وكان تأثر الشعب المصرى صادقاً وعرض التليفزيون المصرى فيلما كاملا لجنازة كنيدي أربع مرات متوالية إشباعاً للهفة الناس … وخيم الحزن شاملا على الرئيس الشاب ، الذي كان يبشر بالشيء الكثير ، ومن الصعب أن نقول : ماذا كان يمكن أن يحدث لو ظل حياً ، فقد اندفعت الأحداث بسرعة إلى فترة العنف أيام حكم ليندون جونسون لأمريكا بعد كنيدى) .
” انتهى كلام هيكل عن التدخل المصرى فى اليمن ومراسلات ناصر وكنيدى .. وفيه نلحظ التالى:
1 السخرية بنكته تعد كفرا .. عن اليمن وناقل الكفر ليس بكافر.
2 هذه المراسلات كانت فى اول سنين التدخل وظل التدخل بعده لمدة سبع سنوات .
3 الطيارين السعوديين والاردنيين الذى لجو لمصر هل كان نتيجة لعمل استخبارى مصرى ا؟ ام يعكس روحا قومية عمت الوطن العربى تعكس الولاء لمصر ناصر؟.
4 هيكل تجنب ذكر دور المدنيين امثال البيضانى وغيره.
5 المراسلات بين كنيدى وناصر تعكس ايمان ناصر الشديد بالقومية العربية وفهم عميق للمفهوم الثورة وتصديرها .
6 الملك سعود عزل فى 2 نوفمبر 1964م … اى بعد نحو من عامين على فتنة اليمن … فهل اصابته لعنتها؟.
7 روايات هيكل بعد سماع روايته عن منقة الامام الهادى المسمومة اضحت عندى دوما موضع شك مالم يصدقها مصدر اخر .
(4) ذكر السير أنتوني نتنغ ( Sir Anthony Nutting) في كتاباته عن سيرة حياة عبد الناصر عوامل عديدة دفعت الرئيس المصري لإرسال قوات مصرية إلى اليمن. ومن بين هذه الأسباب كان انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961م مما يعني أن هذه الجمهورية التي قامت عام 1958م لم تدم سوى 43 شهراً فقط. وكان عبد الناصر يريد استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا. وكان انتصار عسكري سريع وحاسم يمكن أن يرجع له قيادته للعالم العربي. وكانت لعبد الناصر سمعته المعروفة كمعادي للاستعمار وكان يريد طرد البريطانيين من جنوب اليمن ومن ميناء عدن الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب. ويظهر كتاب دانا آدمز شميدت (بالإنجليزية: Dana Adams Schmidt) «اليمن، الحرب المجهولة» أن عبد الناصر كان ينوي في البداية انتظار سقوط الإمام أحمد والعمل مع الإمام بدر. ولكن كانت العلاقات العدائية بين عبد الناصر والإمام العجوز واضحة في شعر كتب بواسطة الإمام هاجم فيه الاشتراكيةعام 1961م. ورد عبد الناصر عليه بواسطة إذاعة صوت العرب. ولكن الكتاب الذي يمكن أن يكون قد وضح الأسباب والدوافع التي جعلت عبد الناصر يرسل القوات المصرية إلى اليمن هو كتاب اللواء محمود عادل أحمد الذي نُشر عام 1992م واسمه «ذكريات حرب اليمن 1962م 1967». ويوضح الكاتب أنه في 29 سبتمبر تم مناقشة القرار في مجلس قيادة الثورة. وقد اعتقد المجلس أنه من الضروري إرسال قوات مصرية لردع الممالك العربية التي تحاول إجهاض الانقلاب اليمني ، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.وكتب المؤرخ السياسي والصديق المقرب من عبد الناصر محمد حسنين هيكل في كتاب «لمصر لا لعبد الناصر»، أنه قد تناقش مع عبد الناصر في موضوع دعم الثورة في اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي سترسل إلى اليمن لدعم نظامه. وإنه من الأفضل التفكير في إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية. وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في اليمن. ولكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مصراً على ضرورة حماية الحركة القومية العربية. وكان عبد الناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباً بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن. وكان جمال عبدالناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ سنة 1957م ، وفي يناير من عام 1962م وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.
ومن بين الأسباب التي أدت بعبد الناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن:
تأثير دعمه لحرب تحرير الجزائر من سنة 1954م إلى سنة 1962م.
انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961م.
تدهور علاقاته من بريطانيا وفرنسا بسبب دعمه للجزائريين وكذلك على الأخص بسبب جهوده لتقويض حلف بغداد الذي أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في العراق عام 1958م.
كان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار.
نُسب إلى وزير الدفاع المصري حينها المشير عبد الحكيم عامر. قوله أن وجود جمهورية على أرض اليمن هو أمر حيوي بالنسبة لمصر لضمان السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس إلى مضيق باب المندب. كان ينظر للحرب في اليمن على أنها وسيلة لكسب النقاط في صراعه مع النظام الملكي السعودي الذي آمن عبد الناصر أنه سعى إلى فك الوحدة بين مصر وسوريا.
(5) أثناء الحرب ، قامت المملكة العربية السعودية والأردن بعقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري عُرفت باتفاقية الطائف. وبسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر بسبب رفضهم قصف المواقع المصرية في اليمن،
التجأ السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية. وبالفعل ذهب وفد عسكري أردني إلى السعودية يرأسه قائد الجيش حابس المجالي ومعه قائد سلاح الجو سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي سيقوم بها طيارون أردنيون. وكانت الأهداف التي يجب ضربها مطارات صنعاء، الحديدة ، وتعز ، وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة ، السفن المصرية في البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن ، إذاعة صنعاء ، محطة الاتصالات اللاسلكية ، قلعة حجة ، إذاعة تعز ، وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة.
وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات ، فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي طريق العودة يتم ضرب أهداف أخرى.
وفي أثناء زيارة الوفد العسكري غادر قائد سلاح الجو الأردني سهل حمزة السعودية إلى عمان بدون إبداء الأسباب وكان في نيته مقابلة العاهل الأردني لمناقشته في جدوى الأمر. وعندما لم يستطع مقابلته. قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبد الناصر. وقد ذكر سهل حمزة في إحدى الأحاديث الصحفية أنه فكر في الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم غيره بالمهمة ، وإذا امتثل فهو «عار له ولبلده».
(6)1 الكلام عن حرب اليمن وتدخل مصر فيها يطول وقد كتبت فيه كتب … وكان سببا رئيسيا فى نكبة 1967م التى حلت بالجيش المصرى .
2 تمتلك مصر ثلاثة جيوش فى ذلك الوقت عددها نحو 210 الف … كان عدد الجيش المصرى فى اليمن نحو 70 الف .
3 كتب المؤرخ المصري حسنين هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن. وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن. وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكييف مع ظروف المعارك. بعد ثلاثة عقود من الحرب ، أكد الإسرائيليون كلام هيكل.
4 كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبّب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب. فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية. وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة. ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ سنة 1961م ، فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي في اليمن ولكن كل ما أرسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني. (كيف تطلب من دول فى حكم العدو مساعدة مثل هذه!!!) .
وكان نقص الخرائط الكافية وعدم معرفة المصريين بأرض المعركة يؤدي إلى استمرار بقاء القوات المصرية في مستنقع اليمن. وكان من بين القواد الذين أُرسلوا لتنفيذ «العملية 9000» وهو الاسم الذي أطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي. وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي يمكن أن يكون له معرفة باليمن.
ولم يعاني السعوديون والملكيون من هذه المشكلة بسبب الارتباط والتزاوج بين القبائل السعودية واليمنية على جانبي الحدود. وبالإضافة إلى ذلك فقد أرسلت السعودية آلاف العمال اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية لمساعدة الإمام بدر. وكانت الزيادة في أعداد القوات المصرية نتيجة مباشرة للتصعيد السعودي البريطاني ولم يكن نتيجة الواقع على أرض المعركة أو حاجات عسكرية صرفة. وقد أرسل العراق أيضاً العديد من البعثيين اليمنيين على متن الطائرات لزعزعة استقرار نظام الضباط الأحرار اليمني الموالي للمصريين.
5 أرسل السفير أحمد أبو زيد الذي كان سفير مصر إلى المملكة اليمنية من سنة 1957م إلى سنة 1961م العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو أنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية. فقد حذر السفير المسؤولين في مصر بمن فيهم المشير عبد الحكيم عامر أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أو الانتماء للوطن. وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح. وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة.
لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة المصريون أن تمركز قوات مصرية في اليمن على أبواب المملكة العربية السعودية سينظر إليه على أنه مسألة حياة أو موت لعائلة آل سعود ، وكذلك فأنه سيعتبر زيادة التهديد على القوات البريطانية الموجودة في محمية عدن. ولم تُأخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن. وكان هناك بعد آخر خفي في هذا الصراع ألا وهو رغبة السعودية في أن تصبح القوة المؤثرة في شبه الجزيرة العربية. وقد شكلت القوات المصرية تهديداً لهذا النفوذ التقليدي التي كانت تمارسه السعودية على اليمن وعلى دول الخليج الأخرى.
6بحلول عام 1965م ، كان الدين الخارجي المصري قد بلغ 400 مليون جنيه مصري. وقد قام عبد الناصر بتلخيص الوضع الاقتصادي في الخطبة التي ألقاها بمناسبة عيد النصر في بورسعيد بتاريخ 21 ديسمبر من نفس العام. فصارح الشعب بأنه يحتاج إلى 3 مليارات جنيه مصري للصرف على الخطة الخمسية الجديدة 1965م 1970م وبأنه قام برفع أسعار بعض السلع مثل السيارات ، الثلاجات ، التليفزيونات ، وأجهزة تكييف الهواء وبعض الكماليات الأخرى. وزادت أسعار بعض الأدوية التكميلية مثل الفيتامينات بنسبة 10%. وقال أن رفع الأسعار يوفر 100 مليون جنيه سنوياً. كما اتخذ إجراءات لرفع معدل الإدخار تدريجياً من 15% عام 1965م إلى 25% بحلول عام 1970م. وقد حدث الكثير من التذمر والاعتراض في صفوف الشعب المصري من هذه الزيادات في الأسعار ، ولامَ البعض السياسة الخارجية المصرية ومساندتها لحركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا وكانت الحرب في اليمن لها النصيب الأكبر من هذه الاعتراضات لأنها كانت لا تزال تجري على الأرض. واستغلت الصحافة الغربية الوضع الاقتصادي للهجوم على عبد الناصر. ولكن المدافعون عن سياسة رفع الأسعار نفوا أن تكون السياسة الخارجية أو التدخل في اليمن له تأثير على الوضع الاقتصادي الداخلي وقد كتب محمد حسنين هيكل عام 1965م تعليقًا على خطاب الرئيس أن حرب اليمن لم تكلف مصر 200 مليون جنيه. ولكن الوضع الاقتصادي كان قد وصل لمرحلة سيئة فعلاً بعد حرب سنة 1967م . فقد تضاعف الإنفاق العسكري ، وتم وقف العديد من المشاريع الصناعية الكبرى ، ورفعت أسعار الكثير من السلع خصوصًا السلع التكميلية والسجائر وتذاكر دور المسرح والسينما. كما خسرت مصر الكثير جراء قرار إغلاق قناة السويس، بالإضافة إلى آبار النفط في سيناء.
7 يقال انه من اقنع الرئيس ناصر بالتدخل فى اليمن كل من المشير عامر والرئيس السادات .
الرئيس ناصر … الكثير من الروايات التي تحدثت عن تسميم الرئيس جمال عبدالناصر ، إلا أن أكثر ما أثار الجدل هو تصريح القيادي الفلسطيني عاطف أبو بكر المنشق عن تنظيم فتح المجلس الثوري جماعة صبري البنا ، عندما صرح لقناة العربية ببرنامج الذاكرة السياسية مع الصحفي طاهر بركة أن الرئيس عبدالناصر تعرض للتسميم خلال زيارته الخرطوم يوم 2 يناير 1970م لافتتاح معرض الثورة الفلسطينية وأن صبري البنا مع جعفر النميري كانا وراء تسميم الرئيس جمال عبد الناصر. وقد عُرض في البرنامج صورة لمجموعة من ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري متنكرين بوصفهما صحافيين ، في مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة الذي عُقد في الخرطوم عام 1967م.
المشير عامر … مات في 13 سبتمبر 1967م مسموما أثناء وضعه تحت الإقامة الجبرية وحجزه في استراحة تابعة للمخابرات المصرية في المريوطية بالجيزة. وقيل حينها إنه انتحر بسبب تأثره بهزيمة حرب 1967م بينما تقول عائلته وآخرون إنّ السم قد دُسّ له من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة. ودفن في قريته أسطال … وعامر كان له صلة قوية بالسودان وقد درس ابنه بطب الخرطوم وكان يعمل فى خدمته الخاصة سودانيون وقد حكى المرحوم الواء عباس كنه وغيره عن ذلك الكثير .. وفى مرة زاره سيداحمد الحاردلو فى بيته فتنباء له بمستقبل جيد.
الرئيس السادات … قتل فى 6 اكتوبر وسط عرض عسكرى يوم نصره .
من الجانب الاخر :
المللك سعود … خلع فى نوفمبر 1964م ومات فبراير 1969م
الملك فيصل … قتله ابن اخيه في صباح يوم الثلاثاء 25 مارس 1975م.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة