“لا أريد لابني أن يموت”: لماذا أعاد الأردن 17 طفلاً فلسطينياً لقطاع غزة؟

تعيش نهاية في قلق دائم على حياة طفلها بعد أن أعيد من الأردن إلى قطاع غزة، بعد شهرين تقريباً من سفره ليتلقى العلاج.
سافر محمد في الرابع من مارس/آذار الماضي مع 28 طفلاً آخرين، ضمن مبادرة ملكية أردنية لعلاج 2000 من أطفال غزة، أُعلن عنها خلال الهدنة التي بدأت منتصف يناير/كانون الثاني واستمرت نحو شهرين، قبل أن يُستأنف القتال.
وفي مساء 12 مايو/أيار الجاري، أُبلغت نهاية وأهالي 16 طفلاً آخرين بأنهم سيُعادون جميعاً إلى قطاع غزة. وفي اليوم التالي، تم إجلاء مجموعة جديدة مكونة من أربعة أطفال مرضى من غزة إلى الأردن.
تعترف العائلات بأنها تلقت رعاية جيدة خلال فترة وجودهم في الأردن، إلا أنها تقول إن إعادة أطفالهم إلى غزة تمّت على غير رغبتهم، وإن أطفالهم لم يستكملوا علاجهم، وهو ما تنفيه السلطات الأردنية مؤكدة أن الأطفال تلقوا الرعاية الطبية اللازمة واستكملوا علاجهم.
“لا أريد لابني أن يموت”
بصوت يخنقه البكاء تقول الأم إن طفلها محمد، المصاب بالربو وحساسية شديدة تجاه الطعام والروائح، لم يُكمل علاجه ولا يزال بحاجة إلى متابعة مستمرة. وتضيف أنهم خرجوا من مستشفى عمّان على أساس نقلهم إلى مكان سكني، لكنهم صُدموا بقرار إرجاعهم إلى غزة وسط الحرب، مما يعرّض حياة طفلها إلى خطر كبير من جديد.
تخطى الأكثر قراءة وواصل القراءة
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة نهاية
“تركت أولادي وزوجي هنا، عاشوا الويل. كنت في الأردن وقلبي وعقلي معهم هنا. تحمّلنا كل ذلك حتى يتم علاج طفلي، فكيف يعيدوننا قبل أن يستكمل علاجه؟ وإلى ماذا نعود؟ إلى الجحيم والجوع والحاجة؟”، تتساءل الأم.
تتحدث نهاية بينما تطغى أصوات المسيّرات الإسرائيلية على صوتها، وابنها يزحف نحو موقد مشتعل تستخدمه العائلة للطهي داخل الخيمة.
“لا أريد لابني أن يبقى هنا، أنا وصلت لمرحلة في علاج ابني كنت راضية عنها، عودتنا هنا ستعيده لنقطة الصفر، لا أريد لابني أن يموت”، تنفجر نهاية في البكاء وهي تتحدث.
“نيفين لن تنجو في خيمة”
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
في إحدى خيام مخيم الشاطئ شمالي قطاع غزة، يحاول والدا الطفلة نيفين أبو دقة، البالغة من العمر سبعة أشهر، تهدئتها.
وُلدت نيفين خلال فترة الحرب وتُعاني من ثقب في القلب. خضعت لعملية جراحية ناجحة أثناء إقامتها في الأردن، غير أن والدتها، إيناس أبو دقة، تقول إن حالة نيفين الصحية “لم تتحسن بعد، وما زالت بحاجة إلى العلاج، ولن تتمكن من البقاء على قيد الحياة في ظل العيش داخل خيمة”.
تقول إيناس لبي بي سي: “وزن الطفلة لا يزداد؛ عمرها 7 أشهر، ووزنها لم يصل بعد إلى 4 كيلوغرامات. أيّ عارض صحي تتعرض له يؤدي إلى اختناقها وتغيّر لونها إلى الأزرق. حالتها خطيرة وقد تُهدد حياتها”.
لا تتوقف الطفلة الصغيرة عن البكاء، بينما تتساءل والدتها بقلق: “غادرنا خلال الهدنة، فكيف نعود الآن في ظل الحرب؟”.
بجوارها، يحكي والد الطفلة، هيثم أبو دقة، كيف عانى ليحصل على فرصة لعلاج ابنته بالخارج: “توجهت إلى كل المختصين، وإلى وزارة الصحة، تعبت بما فيه الكفاية، واصلت السعي، حتى ظهر اسمها للعلاج في مستشفى الأردن التخصصي”.
ويضيف الأب: “كان الأطباء يهتمون بها كثيراً، لكن ابنتي لم تُكمل علاجها. فوجئتُ بقرار إعادتها من دون أي إنذار مسبق. كيف تعود إلى مكان يفتقر تماماً إلى الرعاية الصحية، والحليب، وأبسط مقومات الحياة؟”.
أثار قرار إعادة الأطفال إلى قطاع غزة في ظل الحرب الكثير من التساؤلات، خاصة في ضوء تأكيد مسؤول في وزارة الصحة بالقطاع، تحدّث إلى بي بي سي بشرط عدم الكشف عن هويته، بأن الأطفال ما زالوا بحاجة إلى العلاج والرعاية المستمرة، محذراً من أن إعادتهم في هذه الظروف تشكل خطراً كبيراً على حياتهم.
“تثبيت للفلسطينيين على أرضهم”
صدر الصورة، وزارة الدفاع الأردنية
في الجانب الآخر، نفت الحكومة الأردنية في رد على أسئلة لبي بي سي “الادعاءات بطرد المرضى” مؤكدة أن قرار إعادة الأطفال اتُخذ بعد استكمال علاجهم في المستشفيات الأردنية. واعتبرت أن هذا القرار ينسجم مع موقف المملكة الداعم لبقاء الفلسطينيين على أرضهم ورفضها المشاركة بأي شكل في تهجيرهم.
وقالت الخارجية الأردنية في ردها على بي بي سي إن “هؤلاء المرضى أُبلغوا منذ البداية عند مجيئهم إلى الأردن بأن فترة وجودهم مرهونة باستكمال العلاج، وأنهم سيعودون فور انتهاء علاجهم”.
وقالت إن الأردن لن يتمكن من استقبال دفعة جديدة من المرضى دون إعادة الدفعة الأولى لـ”أسباب سياسية ولوجستية”، مشيرة إلى أن المملكة استقبلت دفعة جديدة من المرضى “بعد يوم واحد من عودة المصابين والمرضى الذين تلقوا العلاج”.
وأكدت الخارجية الأردنية في ردّها: “المرضى أُخذوا وأُعيدوا بنفس الظروف، فلم يؤتَ بهم في وقت رخاء وأعيدوا وقت حرب. نحن تبرعنا بعلاج مجموعة من الأطفال ورحبنا باستقبال عدد من ذويهم المرافقين لهم، وقد تمّت معالجة هؤلاء الأطفال من الدفعة الأولى بينما بقي آخرون من ذات الدفعة لعدم انتهاء علاجهم”.
“عُدنا صِفرَ اليدين”
صدر الصورة، وزارة الدفاع الأردنية
في رحلة عودتهم، اشتكى أهالي الأطفال العائدين من الأردن من سوء معاملة الجانب الإسرائيلي، مشيرين إلى مصادرة جميع متعلقاتهم، بما في ذلك الأموال، والأدوية، وحليب الأطفال، والملابس.
تقول نهاية: “كنّا وحدنا من دون أي تنسيق عندما وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم، حيث تم تسليمنا للجيش الإسرائيلي، الذي بدأ بسبّنا وشتمنا وتهديدنا بالضرب”.
وتضيف “أخذوا كل شيء كان معنا، أموالنا وهواتفنا ولم يتركوا معنا أي شيء. تركنا كل متعلقاتنا في الحافلة التي عادت إلى الأردن”.
نقلت إيناس أبو دقة الشكوى نفسها، موضحة أن الجنود صادروا حتى الأدوية التي كانت بحوزتها، وقالت: “أخذوا حتى حليب الطفلة. لم أتمكن من إطعامها أثناء الطريق، والآن لا أستطيع شراء الحليب لها”.
لكن الجيش الإسرائيلي قال في رد لبي بي سي إنه “أثناء التفتيش الأمني للعائدين، عثر مع بعضهم على مبالغ نقدية غير مُصرّح عنها تتجاوز الحدود المسموحة، ومن ثم حُجزت الأموال المشتبه ‘باستخدامها في أعمال إرهابية’ داخل قطاع غزة لحين اكتمال التحقيق بشأنها”.
لم يردّ الجيش الإسرائيلي على استفسار بي بي سي بشأن مصادرة الهواتف والأغراض الشخصية، بما في ذلك حليب الأطفال، أو حول مزاعم سوء المعاملة.
أدت الحرب المستمرة في غزة منذ أكثر من عام ونصف العام إلى تدهور حاد للمنظومة الصحية حيث توقفت العديد من مستشفيات القطاع عن تقديم خدماتها نتيجة القتال. بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع من نقص حاد في الغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية، مما جعل السفر للعلاج بالخارج حلماً للآلاف من المرضى في القطاع.
ويُعتقد أن هذه هي المرة الأولى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي يُعاد فيها هؤلاء المرضى الذين تمكنوا من السفر للعلاج.
المصدر: صحيفة الراكوبة