لم يدرِ بخلد كباشي إدريس كافي أن يوم مقتله آتٍ قريبًا، عندما أرسل أموالًا إلى زوجته لتأتي مع أطفاله من السودان للعيش معه في مخيم كرياندنقو الواقع في مدينة بيالي شمالي أوغندا، حيث بدأ يرتب المنزل المبني من مشمعٍ سميك لا يقي من البرد أو الحر، لكنه يُعدّ منزلًا.

سجلت “دارفور24” زيارة إلى منزل القتيل في المخيم الذي يمتد على مدّ البصر بمنازله المتداخلة مع بعضها البعض دون حواجز تُذكر، حيث قابلت أفرادًا من أسرته وضحايا آخرين للهجوم الذي شُنّ على منازل السودانيين.

وهاجم لاجئون من جنوب السودان في 10 يوليو الجاري منازل السودانيين في مخيم كرياندنقو، ما أسفر عن عدد من الإصابات، قبل أن يتكرر الهجوم مرة أخرى بعد يومين، راح ضحيته القتيل كباشي وجرحى آخرون.

القدر يعمي البصر

قال جيران القتيل إنهم أخبروه بالهجوم ليجتمع معهم، لكنه تجاهل دعوتهم بذريعة أنه لن يحدث له مكروه، حيث رفض جميع الضغوط التي مُورست عليه لمغادرة منزله المحاط بزراعة الذرة الشامية “العشريف”.

وأشاروا إلى أن القتيل تعرض لضرب في مؤخرة رأسه بآلة صلبة، بعد أن حاصره المهاجمون بأعداد كبيرة، مما أدى إلى مقتله على الفور.

يجهل معظم السودانيين في مخيم كرياندنقو أسباب الهجوم عليهم، حيث اعتبره البعض بدوافع اقتصادية تتعلق بمنح السلطات مساحات لسكن السودانيين كانت تُستغل من قِبل لاجئين من جنوب السودان في الزراعة، فيما يرى البعض الآخر أنه بسبب توقف المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من مفوضية شؤون اللاجئين.

ورجح شاهد عيان أن يكون سبب الهجوم رغبة المهاجمين في إبعاد السودانيين من المخيم، حيث لديهم سابقة في ذلك عندما طردوا لاجئين من عرقية الدينكا عبر العنف، مما يتيح لهم استخدام الأراضي في الزراعة والاستئثار بالمساعدات.

وقال أحد سكان المخيم إنّه لا يوجد مبرر إطلاقًا يدفع آخرين لمهاجمة جيرانهم، حيث تتداخل منازل السودانيين مع الجنوب سودانيين في كلسترات المخيم دون إمكانية التفريق بينها.

كباشي إدريس كافي

وأفاد أحد أفراد أسرة القتيل، وهو عمار عبد الله، لـ”دارفور24″ أن كباشي كان يتعامل مع الآخرين بصورة طيبة للغاية ولم تكن لديهم أي عداوة أو مشاكل مع أحد، يحبه الكبار والصغار.

وأوضح أن أسرة كباشي تحركت من ولاية النيل الأبيض إلى جنوب السودان في طريقها إلى المخيم، قبيل مقتله بأيام، لكنها سرعان ما عادت، حيث توجد مساعٍ من الأسرة لجلب زوجته إلى أوغندا لمتابعة الإجراءات القانونية.

وأعلن عبد الله تمسك الأسرة بالمسار القانوني تجاه الجناة.

 

تفاصيل أخرى

وقال شاهد العيان وجار القتيل يحيى صالح إنّ حوالي 35 شخصًا هاجموا المنازل في التاسعة والنصف مساءً، بما في ذلك منزل كباشي الذي تحيط به مزرعة ذرة شامية.

يحيى صالح

وأشار إلى أن بعض المهاجمين يقطنون في منزل مجاور لا تبعد المسافة أكثر من 10 أمتار، حيث تجمع معهم آخرون وهاجموا منزلي حاملين عصيًا وحرابًا وسكاكين وحجارة وزجاجًا.

وأوضح صالح، في حديثه لـ”دارفور24″، أنّ الهجوم شُنّ على منزله أولًا، حيث مزقوا الخيمة قبل التوجه إلى منزل القتيل، الذي ضُرب على مؤخرة الرأس بآلة حادة تزن قرابة ٢٠ كيلوجرامًا، تسبب ذلك في فتح الجمجمة حتى تدفق المخ، وتم إجلاؤه إلى المستشفى بعد عدة ساعات من ضربه.

وكشف عن مداهمة قوات الشرطة منزل المهاجمين لتعتقل منهم 10 أفراد، فيما هرب البقية داخل مزارع الذرة.

وتابع: “واجهنا صعوبات كبيرة في تشريح الجثمان، الأطباء اليوغنديون لم يتعاملوا مع الجثمان بصورة لائقة، حيث وضعوه في معمل به أدوية، ووُضع على الأرض حتى جفّ النزيف، ثم أتى الأطباء السودانيون ونظفوا الجثمان”.

ضحايا بلا عدالة

وتعرض 24 لاجئًا سودانيًا على الأقل لإصابات جراء الهجوم الذي شُنّ على الكلسترات، منهم حمد محمد أحمد الذي أُصيب في ظهره ويده ورأسه.

وقال أحمد لـ”دارفور24″، إنهم في كلستر B تهيّأوا لصدّ الهجوم بعد سماع أصوات الاستغاثة الآتية من كلستر C بعد الاعتداء عليهم، وعندما لم يحدث شيء، ذهب كل السودانيين المتجمعين إلى منازلهم.

وأضاف: “عند دخولنا المنازل جاءتنا أصوات من الاتجاه الغربي للتجمع، إلى الغرب من منزل جارنا محمد، فتحركنا لنعرف ماذا هناك، وأثناء ذهابنا هاجمنا مجموعة بأعداد كبيرة، حاولنا صدهم، لكنهم كانوا أكثر عددًا”.

حمد محمد أحمد

وأوضح أنّه تعرض للضرب “بعصا في رأسي فسقطت، وبعدها انهالوا عليّ ضربًا بالسواطير على رأسي وكل جسمي حتى فقدت قدرتي على الحركة، وبعدها بساعات تم إسعافي إلى مستشفى بندولي، وكانت مكتظة بالمرضى والجرحى، وتم تحويلي مباشرة إلى مستشفى كرياندنقو، واستقبلتنا لجنة طبية من السودانيين، وتم إسعافنا وترحيلنا إلى العنبر”.

وعاب المصاب حمد محمد أحمد على المستشفى والمنظمات عدم الاهتمام بالجرحى، فيما تبرع السودانيون والسفارة السودانية في كمبالا بالأدوية.

وذكر أن السودانيين قيدوا دعاوى جنائية في مركز الشرطة أثناء إسعاف المصابين، لكن “لم يتم التحقيق معنا عن الأحداث حتى الآن”.

معاناة إضافية

لا يزال الخوف يهيمن على العديد من اللاجئين السودانيين في مخيم كرياندنقو، حيث فضّل البعض مغادرته إلى مدينة بيالي أو كمبالا، بينما تمسك آخرون بالبقاء، ومن بينهم يحيى أحمد أبكر يوسف، وهو أحد المصابين أيضًا.

وقال يحيى لـ”دارفور24″ إن أول شيء خطر في باله مع صديقه حمد فور علمهم بالهجوم على كلستر C، حماية جارهم محمد شرف الدين وبناته من الخطر.

وأضاف: “فجأة ظهر الشباب المهاجمون من جميع الاتجاهات بأعداد تُقدّر بـ ١٠٠ شخص، ولم تكن لدينا أي خيارات غير المقاومة والدفاع، وكانوا مسلحين بعصي وحراب وسواطير، ونحن بلا أي وسيلة دفاع”.

وأشار إلى أنهم اضطروا إلى استخدام القنا، وهي عصي رفيعة، في الدفاع مع التراجع من أمامهم بغرض إبعادهم عن المنازل لمنع تضرر النساء والأطفال.

وأوضح أن هذا التكنيك نجح في تفريق المعتدين، حيث تفرقوا إلى مجموعتين، إحداهما ذهبت في اتجاه منزل القتيل كباشي، والأخرى واصلت الاعتداء علينا، حيث أُصبت.

وتابع: “عند وصول الشرطة كانت هناك مجموعات لا تزال بالقرب منا، إلا أن الشرطة لم تتعامل معهم. وبعدها وصل الإسعاف وذهبنا إلى مستشفى بندولي، وعندما دخلنا وجدنا المستشفى مليئًا بالمرضى والمصابين، وكان به فقط طبيب واحد وممرضان”.

وأشار يحيى إلى أن مستشفى بندولي رفض استقبالهم، مما اضطرهم إلى الذهاب إلى مستشفى كرياندنقو، حيث انتظروا قرابة نصف ساعة دون أن يتلقوا العلاج، لكن سرعان ما شكّل الأطباء السودانيون لجنة طبية.

وأوضح أن اللجنة الطبية ضغطت على الأطباء في المستشفى لعلاجهم وإيقاف النزيف، كما واصل الأطباء الأوغنديون إهمال علاجهم في اليوم التالي بذريعة عدم توفر الأدوية، فيما واصلت الممرضات السودانيات مدواتهم.

منزل في مخيم كرياندنقو تعرض للهجوم

 

تدابير.. ولكن

وأفاد يحيى بأن مندوبو السفارة السودانية الذين تفقدوهم في المستشفى أحضروا معهم الأدوية والمعدات، كما أصر هؤلاء المندوبون على إخراجهم من المستشفى بموجب تقارير طبية بعد رفض الأطباء استخراجها.

ولجأ 86,547 سودانيًا إلى أوغندا، يعيش معظمهم في مخيم كرياندنقو، الذي يُتوقع أن يشهد توترات أخرى، رغم التدابير التي فرضتها الحكومة المحلية ومفوضية شؤون اللاجئين.

وتتمثل هذه التدابير في فرض حظر تجوال ليلي، والقبض على بعض الجناة، والضغط على قادة مجتمع النوير للإرشاد عن بقية المهاجمين.

دارفور 24

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.