اخبار السودان

كيف يهدد قرار ترامب حياة آلاف الفتيات والنساء في العالم؟

كيف يهدد قرار ترامب حياة آلاف الفتيات والنساء في العالم؟

صدر الصورة، Getty Images

كتبت ديستيني لوبيز، رئيسة منظمة غوتماكر الأمريكية المعنية بالصحة الإنجابية، على موقع المنظمة الالكتروني: “أصدر الرئيس ترامب للتو تعليماته بتطبيق سياسة مكسيكو سيتي، وستدفع الفتيات والنساء في العالم ثمن ذلك غالياً”.

فماهي هذه السياسة التي تحذر منها منظمة صحية دولية؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه الفتيات والنساء في العالم، بسبب تعليمات الرئيس ترامب؟

لقد وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مباشرة بعد تنصيبه على عشرات الأوامر التنفيذية، من بينها الأمر المتعلق “بسياسة مكسيكو سيتي”. وهي سياسة تطبق، منذ إقرارها، على جميع المنظمات والهيئات الصحية، التي تتلقى مساعدات أمريكية في العالم.

ومنذ إطلاقها عام 1985، على يد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، تباين تعامل الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون بين تطبيق هذه السياسة أو تجميدها. فقد ألغاها الديمقراطي بيل كلينتون في عام 1993، وأعاد العمل بها الجمهوري جورج بوش الابن في 2001.

كما ألغاها الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في عام 2009، وأعاد العمل بها الجمهوري، دونالد ترامب، في فترته الرئاسية الأولى في 2017. ثم جمدها الديمقراطي، جو بايدن، في عام 2021، ليوجه ترامب بالعمل بها من جديد، في فترته الرئاسية الثانية، في 2025.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

قصص مقترحة

قصص مقترحة نهاية

وأصبحت سياسة مكسيكو سيتي ورقة سياسية، في يد المرشحين للرئاسة الأمريكية؛ يرفعها الجمهوريون لكسب الأصوات في الولايات المحافظة، وبين الجماعات المتدينة. أما الديمقراطيون فيحتجون بها لحشد تأييد التيارات اللبيرالية، وأنصار حقوق الإنسان.

ويتذرع الجمهوريون في تطبيق هذه السياسة، باعتراضهم على إنفاق أموال الأمريكيين “لتمويل الإجهاض في الخارج”. لكن المعارضين لها يحذرون من تبعاتها الخطيرة على صحة الفتيات والنساء، لا في الولايات المتحدة وحسب، بل في كثير من دول العالم أيضاً.

وتقول لوبيز، في تحذيرها من مخاطر سياسة مكسيكو سيتي، التي وجه ترامب بإعادة العمل بها: “إن هدفها الوحيد هو تصدير الأيديولوجية الأمريكية المناوئة للإجهاض، إلى بقية دول العالم”، مضيفة أن هذه السياسة “تسبب أضراراً كبيرة للصحة الإنجابية”.

بموجبها، تمنع الولايات المتحدة المنظمات التي تتلقى مساعدات مالية أمريكية، من إجراء عمليات الإجهاض، ومن تقديم الاستشارات أو المعلومات التي تمكّن من إجراء عمليات الإجهاض أو تروج له. هذا بغض النظر عن مصدر الأموال، التي تنفقها هذه المنظمات في تمويل نشاطاتها.

بمعنى آخر، لابد للمصحة التي تتلقى مساعدات مالية أمريكية، مهما كانت قليلة، أن تمتنع عن ممارسة أي نشاط يتعلق بالإجهاض، حتى لو كان النشاط بتمويل غير أمريكي، وإلا فإنها ستحرم من أي معونة صحية تقدمها لها الولايات المتحدة.

مسيرة لمناهضي الإجهاض في واشنطن في 2022

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، مسيرة لمناهضي الإجهاض في واشنطن في 2022

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

وكلما عملت الإدارة الأمريكية بهذا الإجراء في العيادات والمستشفيات المعنية بالصحة الإنجابية، فإن هذا يعني إغلاق أبوابها في الكثير من دول العالم بسبب انعدام التمويل، وتوقف الخدمات الصحية الإنجابية تماماً في الكثير المناطق النائية والمعزولة.

وتذكر منظمة غوتماكر، على لسان رئيستها، أن عواقب هذه السياسة الوخيمة على صحة الإنجاب في العالم، ظهرت في فترة ترامب الرئاسية الأولى. فقد أدى قرار 2017 إلى تعطيل التقدم في برامج نشر وسائل منع الحمل العصرية، في دول مثل أثيوبيا وأوغندا.

وتقول الفديرالية الدولية للتخطيط العائلي إنها اضطرت، خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى، إلى الاستغناء عن 100 مليون دولار من المساعدات الأمريكية، في سبيل استمرار نشاطها المتعلق بالصحة الإنجابية، في العديد من مناطق العالم.

وتشير الفديرالية، التي مقرها الرئيسي في بريطانيا، إلى أن هذه المساعدات المالية، لو صُرفت لها، لساعدت في إنقاذ 20 ألف امرأة من الموت أثناء الوضع، وفي منع حدوث 4.8 مليون حمل غير مرغوب فيه، وكذا في تجنب إجراء 1.7 عملية إجهاض في ظروف خطيرة.

وتذكر الهيئة الدولية أن أكثر مناطق العالم تضررًا من تدهور الصحة الإنجابية، وأشدها اجتياجاً إلى هذه المساعدات لتنفيذ مشاريع التوعية ورعاية الفتيات والنساء وعلاجهن، هي أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

“الترويج للإجهاض”

ويزعم أنصار سياسة مكسيكو سيتي في الحزب الجمهوري وفي التيارات اليمينية والدينية الأمريكية، أنها تهدف إلى منع استعمال أموال الأمريكيين في إجراء عمليات الإجهاض والترويج له في العالم. وهو مخالف لعقيدتهم، وقناعاتهم الأيديولويجة.

ومع ذلك، فإن اتهام المنظمات والهيئات الصحية الدولية بالترويج للإجهاض لا دليل عليه، بل هو مناقض للحقيقة. فهناك فارق بين الجماعات والتيارات الأيديولوجية المطالبة بحق النساء المطلق في الإجهاض، وبين الهيئات والمنظمات التي تعمل على توفير الحماية الصحية للحوامل.

وبرامج الصحة الإنجابية، التي تشرف عليها منظمات مثل غوتماكر أو الفديرالية الدولية للتخطيط العائلي، ليست مهمتها الأساسية إجراء عمليات الإجهاض ولا الترويج لها، بل إنقاذ الفتيات والنساء الحوامل من مخاطر عمليات الإجهاض، دون إشراف طبي أو رعاية صحية.

وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” في إعلان مبادئها، في هذا الشأن، إنها “لا تشجع على الإجهاض بتاتاً”، وإن الإجهاض “ليس هدفاً من أهداف المنظمة”. فهي تسعى، كغيرها من المنظمات الصحية، إلى التقليل من ضحايا الإجهاض في الأقبية السرية، وفي قبضة المحتالين والمجرمين.

وتبين دراسة، نشرتها منظمة غوتماكر، أن منع الإجهاض بالإجراءات القانونية لا يقلل، في الواقع، من عمليات الإجهاض، بل يدفع بالنساء والفتيات الحوامل، حملاً غير مرغوب فيه، إلى العيادات السرية، في غياب الإشراف الطبي والرعاية الصحية.

فعمليات الإجهاض غير الآمنة في الدول التي تمنع الإجهاض منعاً صارماً، أكبر بنسبة 45 في المئة عن الدول التي لا تمنعه قوانينها.

وتشير الدراسة أيضاً إلى أن الفتيات والنساء في الشرائح الفقيرة من المجتمع، وفي المناطق الريفية، هن الأكثر عرضة لعمليات الإجهاض غير الآمنة.

متظاهرة من أجل الحق في الإجهاض

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، متظاهرة من أجل الحق في الإجهاض

وتذكر منظمة الصحة العالمية أن عمليات الإجهاض غير الآمن تتسبب في مضاعفات خطيرة، من بينها النزيف الحاد والتعفن، وتضرر الأعضاء الداخلية، أو الإجهاض غير المكتمل. وقد تؤدي إلى الوفاة أحياناً. وهي مسؤولة عن 75 في المئة من وفيات الأمومة في العالم.

وتشير إحصائيات المنظمة إلى حدوث 22 مليون عملية إجهاض غير آمن في العالم سنوياً. وهي عمليات إما يجريها أفراد لا يملكون المؤهلات والخبرة العلمية المطلوبة، أو تتم في أماكن لا تتوافر فيها الشروط الصحية والمعدات الطبية الضرورية.

وتؤدي هذه العمليات الخطيرة إلى وفاة 74 ألف امرأة في العالم، وتتسبب في إعاقة دائمة لأكثر من 5 ملايين أخريات سنوياً. وتلجأ الفتيات والنساء في بعض المناطق الفقيرة والنائية، حول العالم، إلى إجهاض أنفسهن، بأساليب بدائية، قاتلة أحياناً.

أما في الدول المتطورة والغنية مثل الولايات المتحدة، فتلجأ الفتيات والنساء، الباحثات عن الإجهاض، إلى الانترنت للحصول على أقراص لإسقاط الجنين، ترسل إليهن عبر البريد من الخارج. ويحذر خبراء الصحة من مخاطر استعمال هذه الحبوب دون إشراف طبي.

“أنصار الحياة ودعاة حرية الاختيار”

الموقف من الإجهاض في كل المجتمعات، مسألة معقدة تختلط فيها القيم الأخلاقية والدينية بالمعايير القانونية والسياسية.

ومع ذلك، فإن السياسة غالباً، هي التي تصنف الناس، وتحرك الشارع، وتدفع بالحكومات إلى الميل في قراراتها إلى رأي دون غيره.

وينقسم الناس في الولايات المتحدة سياسياً، بشأن قضية الإجهاض التي كانت موضوعاً محورياً في الانتخابات الرئاسية.

فالجمهوريون وأنصار ترامب عموماً هم من يسمون أنفسهم “أنصار الحياة”، أما الديمقراطيون عموماً فيصطفون مع “أنصار حرية الاختيار”.

ويُفهم من ظاهر التسميتين أن “أنصار الحياة” هم من يعارضون الإجهاض تماماً؛ لأنهم يعدون إسقاط الجنين عمداً جريمة قتل، بينما يرى “أنصار حرية الاختيار” أن المرأة لها حرية التصرف في جسدها، وهي التي تقرر بإرادتها الاحتفاظ بالجنين أوإجهاض نفسها.

والواقع أن التسمية في الحالتين سياسية، لا تعكس حقيقة كل تيار وقناعاته وأفعاله. فتسمية معارضي الإجهاض “بأنصار الحياة” توحي بأن من يخالفهم من “دعاة حرية الاختيار”، هم “أنصار القتل”. وهذا كلام غير سليم، ولا يستند إلى أي دليل.

ويجد “دعاة حرية الاختيار” أيضاً أنفسهم أمام إشكاليات صعبة، لا يمكنهم حلها، لتسويغ قناعاتهم والدفاع عنها، ثم إقناع الناس بها. فالحرية مفهوم واسع، لا يتفق عليه جميع الناس، في مختلف المجتمعات والثقافات. ولا يتفقون أيضاً على مفهوم الحياة والموت.

ويستند “أنصار الحياة” في الولايات المتحدة إلى موقف بعض الكنائس، التي تحرّم الإجهاض مطلقا، في جميع الظروف. فالجنين عند أتباعها إنسان حي، إسقاطه هو إنهاء لحياته. ولا يحق للمرأة الحامل بالتالي أن تقرر إجهاض نفسها، وإذا فعلت ذلك، فإنها ومن ساعدها “مجرمون قتلة”.

هذا ليس رأي جميع الكنائس في الولايات المتحدة، كما أنه ليس رأي الإجماع في المدارس الفقهية اليهودية والإسلامية أيضاً. فهناك توافق واسع على حالات يُباح فيها الإجهاض دينياً، كالاغتصاب، والتشوه الخلقي الشديد. بل إن الإجهاض يصبح واجباً إذا كان في الحمل خطر على حياة الحامل.

فمعارضو الإجهاض مطلقاً يعدون المرأة مجرد وعاء للجنين، لا يحق لها، بأي حال من الأحوال، أن تتصرف فيه.

وعلى عكس ذلك، يرى دعاة الإجهاض مطلقاً أن الجنين جزء من جسد الحامل، لها كامل الحرية، دون سواها، في الاحتفاظ به أو إسقاطه، متى شاءت.

ومع ذلك، فإن دعاة الإجهاض مطلقاً، وهم يدافعون عن حرية الحامل، يصطدمون بمن يذكّرهم بأن الجنين له حرية الاختيار أيضاً. وهناك جدل كبير بشأن ما إذا كان الجنين جزءاً من جسد الحامل أم لا، وهل يحق للإنسان أن يبتر عضواً من جسده، دون مسوغ طبي.

الغريب في الأمر أن “أنصار الحياة” بعقيدتهم الدينية يلتقون مع “دعاة حرية الاختيار” بقناعاتم الأيديولجية في غاية واحدة، وهي التقليل، إلى أكبر قدر ممكن، من عمليات الإجهاض. ولا يختلفان، في الواقع، إلا في السياسية وأسلوب الوصول إلى تلك الغاية نفسها.

وهذا ما تسعى إليه وتعمل من أجله المنظمات، التي تُعنى بالصحة الإنجابية في العالم. فهي توفر الرعاية الصحية وأسباب الوقاية للفتيات والنساء، وتنقذ آلاف الحوامل من الموت، ولا تشجع الإجهاض ولا تروج له، كما يدعي أنصار سياسة مكسيكو، في الولايات المتحدة.

والثابت وفق الدراسات الميدانية، أن حرمانها من الموارد المالية التي كانت تستعين بها في مشاريعها، لا يقلل من عمليات الإجهاض، بل يزيد من رواج الإجهاض غير الآمن، ويرفع بالتالي من عدد الضحايا بين الفتيات والنساء، ولا ينتصر للحياة، بأي حال من الأحوال.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *