كيف يمكن لوالدين جدد أن يربيا أطفالهما بأسلوب مغاير لما نشآ عليه؟
صدر الصورة، Getty Images
أًصبحت أمّاً لأول مرة في عمر الرابعة والعشرين، ومنذ ذلك الحين، أي منذ ثلاث سنوات مضت، أقبع في دوامة الحنان والحزم، المرونة والانضباط، الصبر والضجر في تربية طفلي. أنا مثال للكثير من الأمهات اللاتي يصارعن من أجل تربية أطفالهن في زمن مغاير لما نشأن عليه.
تُربكنا مصطلحات كـ”التربية الحديثة” التي لم يعرفها آباؤنا، ولم نجد من يطلعنا على أسرارها سوى بعض المقاطع المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي هي بالأساس توسّع الفجوة لدينا بين المثالية والواقع.
وفي زمن كثرت فيه النصائح وإصدار الأحكام على الوالدين، يغفل محيطنا عن دعم جهد الأبوين، حتى وإن جاء الدعم على هيئة ثناء، فهو بالحقيقة يعني الشيء الكثير لنا.
الأمم المتحدة وخصوصاً في اليوم العالمي للوالدين الذي يصادف الأول من يونيو/ حزيران، أطلقت شعار “تزويد الوالدين” لاحتفال هذا العام، للتركيز على حقيقة جوهرية مفادها أن “التربية مهارة مكتسبة”.
وتقول عبر موقعها الإلكتروني، إن “الآباء ومقدمي الرعاية في حاجة إلى الوقت والموارد والدعم المناسب لتربية أطفالهم في بيئة داعمة وإيجابية”.
تخطى الأكثر قراءة وواصل القراءة
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة نهاية
ويتّفق خبراء تحدّثوا لبي بي سي، على أن مهارة التربية يجب تنميتها كأي مهارة أخرى نخضع لتدريبات من أجلها، لتأدية دور الأمومة والأبوة بأحسن حال.
وهُنا يُخبرنا وليد والد الطفلة رفيف، في حديثه لبي بي سي أنه “على قناعة تامّة بأن التربية تحتاج مهارة فائقة ووعياً وصبراً وتعلّماً مستمراً، خصوصاً عندما تدرك أنك تساهم بشكل كبير في صقل شخصية طفلك”.
ويرى أن دور الأب في التربية لا يقتصر على تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة، بل أيضاً على الحضور والمشاركة والمتابعة والاحتواء.
ويمزج وليد بين الأساليب التي نشأ عليها وتلك المستجدة التي قد تكون برأيه، أكثر جدوى في التربية، خصوصاً أن هذا الجيل يُعاصر التطور التكنولوجي وثورة الذكاء الاصطناعي.
“أوجد الأسلوب المناسب لك”
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
قناة “مجلة +”
يمكنك مطالعة مجموعة متنوعة من المقالات الشيقة والملهمة والتقارير المفيدة.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
وتعتقد نور والدة الطفلة قمر، أن أساليب التربية التي يتبعها الآباء تختلف تبعاً لعدد الأبناء. وترىوهي أم لطفلة واحدة أنها تعتمد أسلوباً مغايراً لذلك الذي نشأت عليه في طفولتها، إذ تربّت ضمن أسرة تضم إخوة وأخوات، ما فرض نمطاً تربوياً مختلفاً.
وتقول في حديثها لبي بي سي، إن كل عائلة تعتمد أسلوباً خاصاً بها، دون تقمص أساليب عائلة أخرى، مظهرة إدراكها لكون التربية مهارة تتطور مع مرور الوقت.
منى عوض الموجهة التربوية، تقول خلال حوارها مع بي بي سي إن “هناك أسلوبين متنافرين للتربية التي يلجأ إليهما الآباء الجدد، أحدهما يعتمد على ما تربوا عليه، والآخر يعتمد على استخدام أساليب جديدة أكثر إيجابية”.
وترفض عوض مصطلح “التربية الحديثة” بقولها: “لا يوجد تربية حديثه، بل هناك أساليب مناسبة للمرحلة العمرية للطفل تساعد الأهل على تمكينه”.
وتؤكد عوض ضرورة بحث كل عائلة عن الأساليب التي تناسبها والتي ستعكس هويتها التربوية، مبينةً أنه على الوالدين إدراك أهمية حصولهما على تدريبات تربوية.
وتضيف: “أوجدوا الأسلوب المناسب لكم. لا يوجد أسلوب واحد مناسب للجميع، بل هناك ما يناسب والدين معينين وطفلهما وذلك من خلال المزج ما بين ما يناسب احتياجات الطفل وما يناسب رؤية الأهل لطفلهم وأهدافهم ومعتقداتهم وثقافتهم”.
وتلخص عوض احتياجات الأطفال للتربية السوية بـ :
- علاقة قوية مع الأهل من خلال قضاء الوقت معاً.
- المحبة الظاهرة من خلال تخصيص وقت للطفل.
- معرفة اهتمامات الطفل في كل مراحله العمرية.
- مساهمة الطفل بإبدء رأيه وقيامه بمهام معينة.
- تشجيع الخيال والأفكار لدى الأطفال.
“كاسرو حلقة الممارسات التربوية السلبية”
وتشير سيرسا قورشة أخصائية الطفولة والإرشاد الوالدي، إلى بروز جيل جديد من الأهالي يسعى لكسر حلقة الممارسات التربوية السلبية، رافضاً تكرار الأساليب التقليدية.
وتوضح في حديثها لبي بي سي، أن الأهل اليوم أصبحوا أكثر وعياً بتصرفاتهم تجاه أبنائهم، ويعيدون النظر في أساليبهم التربوية التلقائية، خاصة تلك التي تُعد تكراراً للممارسات التي تعرضوا لها في طفولتهم.
وتؤكد على أهمية توعية الأهل بالخصائص النمائية لأطفالهم في مختلف المراحل العمرية، مشيرة إلى أن عدم توافق توقعات الأهل مع قدرات الطفل يشكل ظلماً بحقه.
وتوجه الأبوين إلى أخذ المعلومات من المصادر الموثوقة في الإنترنت، أو من الكتب العملة، أو حتى من خلال التوجه إلى مرشد تربوي.
وتقول إن إصدار الأحكام بات شائعاً بسبب الصورة المثالية التي تروج لها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي نادراً ما تعكس الواقع الفعلي لصعوبات التربية.
وفي هذا السياق تقول منى عوض إن “ثقة الأهل تبدأ تزداد عندما يدركون الأساليب والأدوات التي يجب استعمالها مع كل مرحلة عمرية لطفلهم”، موضحة “إن كانت لديك ثقة بالأساليب التربوية لن تتأثر بالانتقادات”.
ويضيف والد رفيف: “ربما أدركتُ أخيراً أنني لست أبنائي، ولا يصح أن أسقط عليهم كل ما أحب أو أكره. فهم كيان مستقل، ومن حقهم أن تُمنح لهم المساحة الكافية لاكتشاف اهتماماتهم وتحديد مساراتهم الخاصة”.
ويبيّن أنه اطلع على العديد من المراجع لتطوير مهاراته التربوية، وأنه تابع عدة حلقات مصوّرة حول أساليب التربية والخصائص العمرية للطفل.
ويتعامل، وفق قوله، بمرونة مع اختلاف الآراء التربوية ويتبنى منها ما يناسب قيمه، معرباً عن قناعته بأنه لا يوجد نمط تربوي واحد صحيح.
التحديات التربوية
وترى نور أن أكبر تحدٍ يواجهها في التربية، هو دخول ابنتها في نوبات غضب، بينما يجسّد وليد التحدي الأكبر لديه بكيفية التوفيق بين العمل والعائلة.
وترى قورشة أن التحديات التربوية التي يواجهها الأهل اليوم متعددة، وتتأثر بعدة عوامل معاصرة.
وتوضح أن من أبرز هذه التحديات “رغبة الأهل في إيجاد حلول سريعة للمشكلات السلوكية، نتيجة لتأثرهم بعصر السرعة والتكنولوجيا، مما يؤدي إلى تجاهل أهمية الصبر والاستمرارية في التربية”.
كما تشير إلى أن الضغط الناتج عن وتيرة الحياة الحديثة قلّل من تقدير الأهل لأهمية الوقت والجهد المطلوبين في تربية الأطفال، خاصة فيما يتعلق بضبط انفعال الأطفال، وهو ما يتطلب تكراراً وتعليماً مستمراً، وفق قورشة.
وتحذر كذلك من الآثار السلبية المتراكمة لاستخدام الأطفال المفرط للتكنولوجيا والوقت الذي يقضونه أمام الشاشات، مؤكدة أن ذلك ينعكس سلباً على سلوكهم وتطورهم النفسي والاجتماعي.
أمّا الآن، وبعد كل ما مررتُ به من تساؤلات وتجارب وتحديات في مشواري كأم، أدرك أن طلب الدعم ليس ضعفاً، بل هو شجاعة ومسؤولية. لذا، أتطلّع بشغف إلى جلستي التدريبية المقبلة مع الأخصائية التربوية، آملةً أن تمنحني فهماً أعمق لخصائص المراحل العمرية المختلفة، بما يساعدني على اختيار الأساليب التربوية الأنسب لطفلي.
المصدر: صحيفة الراكوبة