الصادق بابكر الأمين
“الجنيه ليس ورقة… إنه أنينُ جائع، وخوفُ أم، وتأجيلُ دواء.”في الأسواق السودانية، لا تتغير الأسعار فقط، بل تتغير الوجوه.في كل صباح، تستيقظ أمهاتٌ مرهقات على معادلات مستحيلة:هل نشتري الخبز أم نوفّر للغاز؟هل ندفع للإيجار أم نؤجل ونشتري الحليب؟أما الآباء، فيقف بعضهم أمام “السريحة” لا ليشتروا، بل ليسألوا فقط… كم صار سعر السكر اليوم؟ وكم ارتفع الدولار هذه المرة؟ الجنيه… حين يتحوّل من عملة إلى كابوسكان الجنيه يومًا ما رمز السيادة والكرامة،واليوم أصبح رقمًا يتضاءل أمام الدولار، ويتضخم في فاتورة البقالة.من كان راتبه 500 ألف، أصبح يعادل أقل من 150 ريال سعودي.الدولار تجاوز 3,300 جنيه، والخبز صار بـ300 جنيه، والحال في نزيف مستمر.حتى المغترب الذي يُرسل المال لأسرته، صار يشعر أن جهده يتبخر في لحظة تحويل. كيف يفكر المواطن الآن؟1. بخوفٍ دائم:كل شيء أصبح “يخوّف”… الدولار، السوق، الكهرباء، المرض.2. بحنين إلى الماضي:المواطن يقارن اليوم بكل الأمس، ويجد أن الأمل كان أكبر من الواقع الحالي.3. بتكيّف اضطراري:لم يعد المواطن يسأل: “ما الذي أحتاجه؟”بل يسأل: “ما الذي يمكنني تحمّله؟”4. باقتصاد نفسي جديد:كثير من الناس تركوا شراء اللحوم والخضار يوميًا.أصبح هناك “أيام خالية” من الطعام الكامل في بعض البيوتازدادت الديون بين الناس، وقلّ الحياء من طلب السلف، لأن “كلنا في الهم سواء”. هل نلوم المواطن؟ أم نعتذر له؟في الحقيقة، ليس المواطن هو من خان الاقتصاد،بل الاقتصاد هو من خان المواطن.الحروب أكلت الميزانية.النخب هرّبت الثروات.الدولة غابت عن السوق، وتركت المواطن وحده في المعركة. بريق خافت من الأمل…لكن، ورغم كل هذا الانهيار، ما زال الشعب حيًّا.ما زالت “ناس الحي” تساعد بعضهم.ما زال البسطاء يبتكرون حلولًا: من التوفير الجماعي، إلى الشراء بالأقساط، إلى الصبر.ما زال هنالك أطفال يذهبون إلى المدرسة رغم جوع الصباح، وأمهات يطهون الأمل من لا شيء. خلاصة:إن المواطن السوداني تحت ضغط الجنيه لا يفكر فقط بعقله، بل بمعدته، وبأولاده، وبتاريخه كله.إنه ليس مجرد مستهلك، بل هو الاقتصاد الحقيقي.وإن كانت الجيوش تقاتل بالسلاح… فإن الشعوب تقاتل بالصبر.فيا من تمسكون بزمام القرار،لا تنظروا إلى المؤشرات فقط،بل انظروا إلى أعين الناس في الطوابير،إلى دعوات الأمهات،إلى القهر الذي يسكن موائد العشاء الخالية.
المصدر: صحيفة الراكوبة