كيف نواجه مشكلة تعدد مصادر التعليم العام؟
كيف نواجه مشكلة تعدد مصادر التعليم العام؟
تاج السر عثمان بابو
أشرنا في دراسة سابقة عن التعليم إلى مشكلة تعدد مصادر التعليم في السودان التي ترجع جذورها إلى فترة الحكم التركي التي شهدت غرس بذور التعليم التبشيري كما في مدارس الأب كمبوني التي قامت في الخرطوم والأبيض، وجنوب السودان، إلخ، وشمل التعليم التبشيري تعليم البنات والتدريب المهني، اضافة للتعليم في الخلاوى.
توقف التعليم التبشيري في فترة المهدية، وتمت إعادته في فترة الاستعمار البريطاني التي اتسعت فيها ظاهرة تعدد مصادر التعليم في السودان ، فقد كان هناك تعليم الخلاوى، المعاهد الدينية الإسلامية، التعليم المسيحي التبشيري، التعليم المصري وفق المنهج المصري، والتعليم في المدارس التي شيدتها الحكومة أو أفراد من القطاع الخاص.
كان لكل من تلك المدارس والنظم أغراضها وأهدافها الخاصة، ولم يكن لخريجي تلك النظم المختلفة أساس مشترك في التعليم، ومن ثم كان لكل نوع ميول وقدرات مختلفة عن الآخرين.
أدي ذلك الى خلق ازدواجية في التعليم العام، مكا يتطلب وحدة وشمولية التعليم العام، وبهذه المناسبة نعيد نشر هذه الورقة عن وحدة وشمولية التعليم العام التي ركزت على موضوعين هما: ازدواجية التعليم العام، والمدرسة الشاملة، مع اضافة بعض المستجدات.
1
ازدواجية التعليم العام
ورثنا نظما متباينة للتعليم العام نتيجة لظروف تاريخية معينة أشرنا لها سابقا، ونتيجة لضعف وشح التعليم العام الحكومي، فهناك:
التعليم الفني والمهني، مراكز الشباب الحرفية.
التعليم الديني الذي يشمل الخلاوي والمعاهد الدينية.
التعليم الأحنبي ويشمل: المدارس المصرية، والمدارس التبشيرية (الكمبوني، الانجيلية، القبطية.. الخ)، والمدارس الامريكية.
المدارس الاهلية والتي لعبت دورا هاما في ظروف النضال ضد الاستعمار ومساهمتها في توسيع قاعدة التعليم العام.
بعد قيام انقلاب الانقاذ في 30 يونيو 1989م الذي سار في الخصخصة والتحرير الاقتصادي التي قضت على ديمقراطية ومجانية التعليم، تم التوسع في المدارس الخاصة والنموذجية اضافة الي المدارس الاجنبية الجديدة (انجليزية، كندية،.الخ)، بعد أن اصبح فيها التعليم سلعة ومصدرا من مصادر التراكم الرأسمالي..
موضوعيا، لابد أن نقوّم ايجابيا الدور الذي لعبته هذه المدارس بمستوياتها المختلفة، كل بطريقتها في نشر التعليم العام وتوسيع دائرة المعارف بالنسبة لأبناء الشعب السوداني، وان نشيد به، ونحن نناقش ازدواحية التعليم العام. ولكن من الجانب الآخر تخلق هذه الازدواجية اشكالات لاحصر لها في مستقبل التلاميذ التعليمي، هذا اضافة للمشاكل الجانبية في التمويل والاشراف الفني والإدارة.
في اعتقادي طالما ان السودان دولة واحدة، يجب أن يكون هناك نظام تعليمي واحد، يراعي ظروف البلاد المتعددة القوميات واللغات والاديان والتقاليد والثقافات، وان تعبر المناهج عن هذا الطابع القومي المتعدد والمتنوع، بما في ذلك التدريس بلغات القوميات المحلية، كما يجب ان يراعي احتياجات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يكون مرتبطا بالبيئة المحلية. .
في اطار النظام التعليمي الواحد يدرس النشء التربية الدينية بتنوعها في البلاد (إسلامية، مسيحية، كريم المعتقدات)، وباعتبار ان جوهر التربية الدينية تهدف الي اصلاح المجتمع وشحذ قدراته الأخلاقية من اجل التقدم والتغيير الاجتماعي والاقتصادي والعمل والأمانة وحب الاوطان والمساواة بين الناس غض النظر عن ادياناهم أولغاتهم أوثقافاتهم أواعراقهم في دولة المواطنة التي تسع الجميع..
بطبيعة الحال، لا يمكن تفجير الثورة الاجتماعية والاقتصادية بدون بناء ثقافي اخلاقي يخدم التغيير الاجتماعي الاقتصادي، ومن هذا الاتجاه، يتم استلهام القيم الاخلاقية في المجتمع وبمنهج نقدي يستوعب كل ماهو ايجابي، ويتجاوز كل ما هو سلبي ويدعو للسلبية والتواكل والخرافة والدجل.
اذن يمكن القول، ان نظام التعليم الواحد، يهدف الي الغاء الازدواجية في التعليم العام.
2
المدرسة الشاملة
رغم تجربة نظام الانقاذ المشوهة حول التعليم الشامل والتي حصرته في الحشو الاكاديمي والنظري بعيدا عن الجانب العملي، الا ان هناك ضرورة للمدرسة الشاملة، التي تراعي ظروف وتنوع السودان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ويتهيأ لي ان سنوات التعليم الابتدائي يجب ان تكون طويلة ومتصلة “9 سنوات مثلا”، حيث يكتسب فيها التلاميذ المعارف الأولية التي يجب ان ترتبط بالمهارات اليدوية الضرورية والمرتبطة بالبيئة المعينة، حيث يتعلم التلميذ مهارات معينة مثل: الزراعة، تربية الحيوانات والدواجن، اصلاح الأعطال الخفيفة في العربات والكهرباء، تربية خلية النحل.. الخ. وبذلك يتم الدمج بين التعليم الأكاديمي والفني. والمدرسة الشاملة تؤهل التلميذ للخروج الي الحياة العامة بمعارف ومهارات ضرورية تجعله عضوا عاملا نشيطا في المجتمع.
اما التعليم الثانوي فيجب ان يكون واحدا وشاملا”3 سنوات” وذا طبيعة أرقي وأعلي من التعليم الابتدائي الشامل، ويتم فيه الدمج فيه بين التعليم الفني والأكاديمي، ويلغي فيه التقسيم إلى مسار علمي وأدبي، وبحيث يكون هدفه النهائي تاهيل الطالب للتعليم العالي وتسليحه بمهارات ومعرفة ضرورية للعمل في حالة عدم مواصلته للتعليم العالي.
والهدف الذي يجب ان نسعي اليه هو ان يكون التعليم الزاميا حتي المرحلة الثانوية “9 سنوات + 3 سنوات = 12 سنة”.
اذا وضعنا هذه الاستراتيجية امامنا، يمكن أن نواكب الثورة العلمية التقنية والمعاوف التي تحدث من حولنا، ولأن العالم اصبح قرية صغيرة، وحدثت تطورات هائلة في مضمار التكنولوجية، والهدف هو تمليك التلميذ المنهج الذي يجعله يواصل تعليمه باستمرار، او يطلب العلم من المهد الي اللحد. ولذلك، لابد من تاهيل التلاميذ الزاميا حتي سن المرحلة الثانوية، ليواكبوا هذه التطورات في ميادينها المختلفة، ولأنه لايمكن انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية وإنجاز المجتمع الصناعي الزراعي المتقدم بدون مستوي معقول من التعليم العام لتدريب فنيين وعمال مهرة ومتخصصين يقودون هذه النهضة. وهذا ضروري، لأنه لابد من خلق مجتمع منتج ومستوعب للعلم والتكنولوجيا، ومواكب للثورة العلمية والتكنولوجية، وحتي نتخلص من نزعة المجتمع الاستهلاكي، الذي يستهلك التكنولوجيا ولا يخلقها او ينتجها، أوحتي نتخلص من مشكلة قطف ثمار التكنولوجيا بدلا من بذل الجهد والعرق من اجل زرع شجرتها. وبذلك وحده ندخل مرحلة المجتمع الصناعي الزراعي المتطور.
المصدر: صحيفة التغيير