في أول زيارة رسمية خارجية لرئيس إقليم صوماليلاند عبدالرحمن محمد عبدالله، توجه إلى العاصمة الكينية نيروبي، حيث التقى خلالها الرئيس الكيني ويليام روتو في إطار مساعي حكومته إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع الحضور الدبلوماسي في المنطقة، على رغم عدم حصولها على اعتراف رسمي كدولة مستقلة على الساحة الدولية.

خلال زيارته التي استغرقت يومين، أشرف عبدالله على افتتاح مقر البعثة الدبلوماسية للإقليم في كينيا، لتصبح ثاني بعثة لصوماليلاند بعد الممثلية التي افتتحت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وخلال حفل الافتتاح أعرب عن تقديره للحكومة الكينية وللعلاقات المتنامية بين الجانبين، مشيراً إلى التوصل إلى تفاهمات جيدة في شأن عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، كذلك عبر عن تطلعه إلى شراكة أقوى وأكثر فاعلية مع كينيا في مختلف المجالات.

وأكد أن خطوة افتتاح مكتب تمثيلي لحكومته في كينيا تعد إحدى أهم الخطوات نحو تحقيق هدف الاعتراف الدولي بالإقليم، مشيراً إلى أن الزيارة شهدت أيضاً لقاءات مع عدد من المسؤولين وممثلي منظمات دولية تتخذ من نيروبي مقراً لها. وأوضح أن حكومته تتحرك بصورة مدروسة نحو تحقيق حلم ظل مؤجلاً أكثر من ثلاثة عقود ونيف من الزمن.

يأتي ذلك بعد أشهر من تصريح وزير الدفاع البريطاني الأسبق غافين ويليامسون أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم الاعتراف باستقلال صوماليلاند، الذي أعلن انفصاله عن الصومال منذ 1991.

وقال غافين في وقت سابق في حديث إلى صحيفة “اندبندنت” البريطانية، إنه أجرى محادثات مع فريق ترمب حول الاعتراف الرسمي بصوماليلاند، معرباً عن قناعته بأن الإدارة الأميركية ستتولى هذا الملف في ظل التوترات الأمنية والسياسية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر.

والوزير السابق والعضو الحالي في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين من مؤيدي الاعتراف باستقلال صوماليلاند، الذي يتمتع بموقع إستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي.

وكان النائب الأميركي سكوت بيري، تقدم بمشروع قانون جديد إلى الكونغرس الأميركي، يدعو إلى الاعتراف بإقليم صوماليلاند كدولة مستقلة.

وتضمن مشروع القانون الذي يحمل رقم 10402 تبريرات عدة للاعتراف بصوماليلاند من بينها استقرار الإقليم على مدى ثلاثة عقود من الزمان، والتزامه الديمقراطية كأداة للحكم، فضلاً عن أهميته الإستراتيجية بالنسبة إلى المصالح الأميركية في المنطقة التي تعد إحدى الممرات المائية للملاحة الدولية.

لكن يظل السؤال المطروح بقوة، هل بدأ قطار استقلال صوماليلاند من المحطة الكينية للوصول إلى واشنطن ونيويورك حيث مقر منظمة الأمم المتحدة؟ وما موقف دول الجوار والدول الإقليمية التي تدخلت لمصلحة الموقف الصومالي الداعي إلى احترام سيادته ووحدة أراضيه؟

اكتمال الظروف الدولية

الناشط السياسي من صوماليلاند عبدالقادر يبال، رأى أن الظروف الموضوعية اكتملت لتحريك ملف الاعتراف باستقلال صوماليلاند، بخاصة في ظل التحالفات الإقليمية والدولية في منطقتي القرن الأفريقي والبحر الأحمر، إذ قدمت هرجيسا نفسها كجهة مستقلة فعلياً، كذلك أعربت عن استعدادها للإسهام في الجهود الدولية القاضية بحفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة أمنياً وسياسياً.

وأوضح يبال أن المجتمع الدولي الذي امتنع لأكثر من ثلاثة عقود مضت عن الاعتراف بواقع استقلال الإقليم، الذي انفصل عن مقديشو منذ 34 عاماً، أضحى الآن أكثر قناعة بضرورة الاعتراف لأهداف تتعلق بالظروف الإقليمية والدولية الراهنة، بخاصة في ظل التوترات المتنامية التي تهدد الملاحة الدولية في مداخل باب المندب، كذلك فإن النموذج الديمقراطي الذي تبنته هرجيسا منذ انفصالها، والذي أدى إلى التبادل السلمي للسلطة عزز من إمكان الحصول على الاعتراف الدولي، خصوصاً في ظل الإدارة الأميركية الحالية بقيادة ترمب.

وذكر أن المصالح الأميركية المتعلقة بمحاصرة المد الصيني في القارة السمراء، تعد سبباً إضافياً مهماً، بخاصة أن هرجيسا تعترف باستقلال تايوان وتقيم معها علاقات دبلوماسية وتجارية متقدمة، ومن ثم فإن واشنطن تبدو أكثر استعداداً وقرباً للإقليم أكثر من الرؤية الصومالية.

وأوضح أن ثمة عراقيل عدة تواجه الاعتراف تتعلق بمواقف بعض الدول الإقليمية كمصر وتركيا اللتين ترتبطان باتفاقات مع مقديشو، قياساً بمصالحهما الأمنية والتجارية، إلا أن ذلك في رأيه لن يقف حاجزاً في حال تبنت كل من واشنطن ولندن قراراً دولياً للاعتراف باستقلال صوماليلاند.

ونوه يبال بأن الملفين السياسي والقانوني أُعدا بصورة جيدة من قبل حكومة هرجيسا، بخاصة أن صوماليلاند لم يكن جزءاً من السيادة الصومالية قبل عام 1960، إذ ظلت تحت الاحتلال البريطاني فيما كان الصومال تحت الإدارة الكولونيالية الإيطالية، مشيراً إلى أن مبدأ تصفية الاستعمار الذي تبنته كل من منظمة الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) يتطابق مع مطالب حكومة صوماليلاند وفقاً للحدود الاستعمارية البريطانية الإيطالية.

وأشار إلى أن الخطوة الكينية بتنظيم زيارة دولة للرئيس عبدالرحمن محمد عبدالله، والموافقة على افتتاح مكتب تمثيل دبلوماسي لصوماليلاند في نيروبي، تمثل إشارة واضحة للتفاهمات الدولية، بخاصة في ظل العلاقات التاريخية المميزة بين نيروبي وواشنطن. وقال إن توتر العلاقات الإثيوبية الجيبوتية أخيراً يمثل عاملاً آخر، بخاصة أن أديس أبابا تعتمد على ميناء جيبوتي في كل التبادلات التجارية مع العالم الخارجي، مما يطرح ضرورة إيجاد منفذ بحري لإثيوبيا الحليف الأبرز للولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما توفره مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة هرجيسا السابقة وحكومة آبي أحمد في بداية عام 2024، ومن ثم فإن كل الظروف الموضوعية متوفرة ومواتية لتحقيق الاعتراف الدولي بصورة متدرجة بسيادة واستقلال صوماليلاند.

حملات العلاقات العامة

من جهته، قال المحلل السياسي الصومالي إسماعيل هبري، إن زيارة رئيس صوماليلاند إلى نيروبي، واستقباله من الرئيس الكيني، فضلاً عن افتتاح مقر للبعثة الدبلوماسية الممثلة لحكومة الإقليم، يمثلان خرقاً للمعاهدات الدبلوماسية الموقعة بين نيروبي ومقديشو.

ورجح هبري أن نيروبي لا تتحرك بمفردها في هذا الاتجاه، بل يأتي هذا السلوك كجس نبض للمحيطين الإقليمي والدولي في شأن الاعتراف باستقلال الإقليم الصومالي، مشيراً إلى الخطة الأميركية التي تدُوولت حول تهجير الفلسطينيين إلى صوماليلاند مقابل الاعتراف باستقلاله عن الصومال، وهو ما يتعارض مع المواقف الدولية بما فيها موقف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إضافة إلى مواقف دول الإقليم وعلى رأسها كل من مصر وتركيا.

ورأى هبري أن حكومة مقديشو تسعى إلى إبطال أية محاولة لاستقلال الإقليم الشمالي، وتسعى إلى إطلاق منتدى المشاورات الوطنية لقادة المجتمع السياسي والمدني، المقرر افتتاحه في مقديشو في الـ15 من يونيو (حزيران) الجاري، الذي من شأنه إعادة اللحمة بين أبناء الأقاليم الصومالية في إطار تشاوري يهدف إلى تحقيق الوحدة الوطنية.

وأكد أن السلوك الدبلوماسي الصومالي المتأني وغير المتعجل أثمر كثيراً خلال الفترة الماضية، من بينها إحباط مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا خلال يناير (كانون الثاني) 2024، موضحاً أن إدارة حسن شيخ محمود تتبع سياسة دبلوماسية ناعمة وتنأى بنفسها عن الحملات الإعلامية.

ولفت إلى أنها لم تعلق على زيارة عبدالرحمن محمد عبدالله إلى نيروبي، على رغم عدم قبولها بالتوجه الكيني المدعوم أميركياً، ويبرر ذلك بالقول إن مقديشو تمثل دولة ذات سيادة معترف بها دولياً وإقليمياً، ومن ثم فهي تحبذ التعامل عبر القنوات الدبلوماسية، وأن تكون جزءاً من حملات العلاقات العامة التي تنشط فيها بعض الدول المجاورة.

اعتراف الصومال شرط أساس

يعود المحلل السياسي إسماعيل هبري للإشارة إلى أن الخريطة الصومالية المعتمدة في الأمم المتحدة لن تتغير لمجرد فتح مكاتب تمثيل دبلوماسي لحكومة هرجيسا في نيروبي أو أديس أبابا، كذلك لا يمكن قانونياً الاعتراف باستقلال الإقليم في الأمم المتحدة إلا عبر موافقة صومالية مكتوبة، ومن ثم فإن صدور اعترافات من دول عدة لن يغير من واقع أن صوماليلاند ستبقى ضمن الحدود السيادية الصومالية.

ولفت الانتباه إلى نماذج عدة من بينها تايوان التي لا تتمتع بالسيادة أو العضوية في الأمم المتحدة على رغم اعتراف عدد من الدول بها كدولة مستقلة، وكذلك الصحراء الغربية التي تعد جزءاً من المغرب على رغم تمتع الإقليم بعضوية في الاتحاد الأفريقي في بعض الأوقات.

وذكر هبري أن موافقة واعتراف الصومال شرط أساس لحصول إقليم صوماليلاند على الاستقلال الناجز، كما هو الأمر بالنسبة إلى حالتي إريتريا وجنوب السودان.

وختم حديثه بالإشارة إلى أنه أمام هرجيسا فرصة تاريخية للإسهام في منتدى المشاورات الوطنية في الصومال وطرح كل القضايا العالقة، لتجاوز حال العزلة الدولية، والإسهام في إعادة نهضة الصومال كدولة قوية تتمدد على منطقة مهمة في الإستراتيجيات الدولية والإقليمية والإقلاع عن أحلام الاستقلال غير الناجز.

اندبندنت عربية

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.