تاج السر عثمان

تاج السر عثمان
١
أشرنا سابقا إلى أنه لا يمكن عزل حرب السودان عن الحروب والمخاطر التي تهدد السلام والأمن في العالم مثل الحرب الروسية الاوكرانية، والحرب في غزة التي يتم فيها حصار وتجويع سكانها أمام العالم ، والحرب الإيرانية الإسرائيلية القابلة للتجدد. الخ. فهي حروب من أجل نهب الموارد، باستخدام الابادة الجماعية والتهجير القسري كما في حرب غزة والسودان، ولاشك أن هذه الحروب لا يمكن عزلها عن أزمة الرأسمالية، فهي امتداد للحروب السابقة مثل الحرب الفيتنامية. الخ. إضافة للتناقض بين الدول الرأسمالية، وصراع الولايات المتحدة والغرب مع دول “بريكس”.
هذا فضلا عن فشل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في هزيمة روسيا رغم الدعم الكبير بالمال والسلاح، وهو ما حاول الرئيس ترامب تلافي الاعتراف بالهزيمة في قمة ألاسكا مع بوتن ضد روسيا، وبحث ما يقدمه لأوكرانيا لإنقاذها من الانهيار العسكري والاقتصادي.
مع استمرار الصراع بين المعسكرين الغربي و”بريكس” الذي يتصاعد، كما يتضح من الأحداث في الشرق الأوسط والقوقاز وتايوان وفنزويلا.والصراع مع الصين وإيران.واستمرار الضغوط على الأنظمة السنية الموالية للغرب (مثل السعودية والإمارات ومصر) لقبول الهيمنة الإسرائيلية والانضمام إلى التحالف الأمريكيالاسرائيلي في المنطقة.
الهدف النهائي هو منع ظهور أي قوة إقليمية تهدد هيمنة اسرائيل والغرب على المنطقة و يمكن أن تدعم تكتلات منافسة مثل “بريكس”، مما يضمن بقاء المنطقة تحت السيطرة الغربية،كما في مشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف لتقسيم وتمزيق وحدة بلدان المنطقة.
كما يتزايد الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الرأسمالية، وتعرض مكاسب الطبقة العاملة وحقوق وحريات الإنسان لهجمة شرسة، مع تقويض التجربة الاشتراكية ودولة الرفاه وتقييد الحريات بما فيه حرية التعبير والاحتجاج حتى في الغرب نفسه.
٢
كما أوضحنا سابقا، لايمكن تناول الحرب اللعينة الجارية في السودان بمعزل عن تفاقم الصراع بين المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب على الموارد في السودان، وصراع المحاور الذي يتمثل في : أمريكا وحلفائها ، روسيا، الصين، والإمارات، مصر وتركيا وإيران التي بدأت تسليح الجيش، الخ على سبيل المثال حصلت حكومة بورتسودان على صفقة تسليح ب ( ١،٥) مليار دولار من باكستان، اضافة لدخول دول الجوار التي تنهب ايضا موارد السودان مثل: تشاد التي تتهمها حكومة البرهان بمساندة الدعم السريع مع الإمارات، واريتريا التي تساند بعض الحشود المسلحة في الشرق (للمزيد من التفاصيل:راجع مجلة أثر، الخميس ١١ أغسطس ٢٠٢٤) ، كما تأثرت دولة جنوب السودان بالحرب التي يعتمد اقتصادها على ٩٠ ٪ من تصدير النفط، فقد عطلت الحرب تصديره عبر السودان، وأدى صعوبة تدفق النفط إلى تدهور اقتصاد الجنوب وتدهور العملة الخ، كما تأثرت مصر بالحرب مما أدي لتوقف صناعاتها التي تعتمد على المواد الخام من السودان وخسرت المليارات من الدولارات. الخ.
٣
جاءت الحرب في ظروف اشتد فيها الصراع الدولي علي الموارد، والأزمة العامة للرأسمالية التي تفاقمت بعد فشل الاصلاحات لمواجهة أزمة الرأسمالية في العام 2008 /2009م، التي لم تكن جذرية، و بعد الحرب الروسية الاوكرانية التي أدت لزعزعة النظام المالي والراسمالي العالمي، وحرب غزة التي تستهدف إبادة وتشريد الشعب الفلسطيني، ونهب موارد المنطقة وتفكيكها لدويلات لا حول لها ولاقوة على اساس عرقي وديني ، وتزايد قوة الصين اقتصاديا، حيث ارتفعت مساهمتها في الاقتصاد العالمي بنسبة 12% ، بينما انخفضت مساهمة أمريكا في الاقتصاد العالمي بنسبة 20%، اضافة الي أن تعليق روسيا المعاملات التجارية بالدولار سيؤدي الي استكمال حلقة تفكيك هيمنة الدولار.كما تتفاقم الأزمات مثل: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والمديونية العامة، و الاستقطاب الطبقي، وشدة استغلال العاملين وتشريدهم ، وارتفاع الأسعار والتضخم، والانفاق العسكري علي حساب خدمات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي،وتفاقم الصراع بين اقطاب الرأسمالية” اليابان، الاتحاد الاوربي، الولايات المتحدة ، وصراعها مع الدول الرأسمالية أو الرأسمالية الدولية الصاعدة مثل : ” الصين، روسيا، الهند ، جنوب افريقيا ، البرازيل،.الخ”، واحتدام حدة الصراع على الموارد في البلدان النامية ومنها السودان. إضافة لإجراءات ترامب الأخيرة فرض الرسوم الجمركية التي كان من المتوقع أن يتجاوز الاجمالي لها 1.4 تريليون دولار بحلول أبريل 2025. في حربه التجارية مع الصين، ورفع التعريفات الجمركية الأساسية على البلاد إلى 54% فعليًا بعد 9 أبريل ٢٠٢٥.
٤
هذا اضافة لنهوض الحركة المطلبية والجماهيرية ضد البطالة، وضد العنصرية، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني من اسرائيل المدعومة ماليا وعسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية، وتنامي الأحزاب الثورية بمختلف منطلقاتها المطالبة بالضمان الاجتماعي والعدالة والدفاع عن البيئة ووقف سباق التسلح والحرب ، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وضد الاحتباس الحراري الذي يهدد كوكبنا، ودعم التعليم ، الصحة، الدواء، وضد الخصخصة وتشريد العاملين ، والإضرابات الواسعة لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن تنامي دور الأحزاب الاشتراكية الشيوعية، وتنامي أحزاب اليسار كما في الانتخابات الفرنسية الأخيرة.كما يتفاقم الصراع الأيديولوجي لتغبيش وعي الكادحين ،وضد نهب ثروات الشعوب الزراعية والمعدنية والحيوانية مقابل فتات وقروض لا تسمن ولا تغني من جوع، وتدمر تلك البلدان انتاجها، وتجعلها تابعة متجهة للخارج ولاهته وراء البنك والصندوق الدوليين ومؤسسات التمويل الرأسمالية الأخري لاغرافها في المزيد من الديون َما يجعلها خاضعة وتابعة ، وطلبا للمعونات بدلا من من التوجه للداخل لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي.
لاشك أن التراكم النضالي للعاملين في مراكز الرأسمالية وبلدان التحرر الوطني أو البلدان النامية ، سوف يفضي الي ثورات أعمق من النهوض الجماهيري الواسع كما حدث في الربيع العربي وثورة ديسمبر في السودان التي مازالت جذوتها متقدة رغم محاولة طرفي الحرب اللعينة لتصفيتها، وثورات أمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة مثل: احتلوا”وول ستريت” وضد العنصرية بعد اغتيال المواطن الزنجي فلويد، وثورات وبورما و موجة الاضرابات الواسعة للطبقة العاملة في جميع البلدان الرأسمالية وغيرها، وحركات الشباب والنساء والطلاب والمزارعين المطالبة بتحسين اوضاعها ، والنهوض الجماهيري لوقف حصار غزة وإبادة وتهجير الشعب الفلسطيني. الخ، وهذا التراكم سوف يحدث اختراقا في أضعف حلقات الرأسمالية، ويقود لعودة الاشتراكية بعنفوان أقوى من الماضي بعد الاستفادة من دروس التجربة السابقة.
٥
بالتالي، فان حرب السودان هي حلقة في سلسلة حروب المنطقة والعالم التي تهدد الأمن والسلام في العالم و بهدف نهب الموارد الثروات في ظل اشتداد وتفاقم حدة الصراع بين أقطاب الرأسمالية في العالم. مما يتطلب أوسع نهوض جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية ودعم الدولة للوقود والتعليم والصحة والدواء وخدمات المياه والكهرباء، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعدم الإفلات، وعدم إعادة التسوية بالشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى بشكل اوسع ، ومواصلة التضامن مع كل شعوب العالم من أجل السلام ووقف الحرب والسيادة الوطنية.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.