يقع السودان في شمال شرقي أفريقيا، وهو غارق في حرب أهلية منذ عام 2023، وبحسب منظمات حقوقية، قُتل أكثر من 150 ألف شخص ونُزح 12 مليون آخرين في نزاع نادراً ما يتصدر الأخبار العالمية.

التغيير _ وكالات

وتقول منظمات دولية ومدافعون عن حقوق الإنسان إن “إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ” تحدث في السودان.

ومع ذلك، تتواصل المواجهة بين رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.
وفي حين حاولت تركيا في الأيام الأولى للحرب الأهلية الحفاظ على مسافة واحدة من الطرفين، فقد زادت مؤخراً دعمها للبرهان.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مؤتمر صحفي في جنوب أفريقيا في 23 نوفمبر  إن أنقرة “تسعى إلى الحضور من أجل السلام” في السودان.

وفي خطاب في 31 أكتوبر، شدد أردوغان على أن تركيا “تدين بأشد العبارات” الهجمات في الفاشر، مؤكداً استعداد أنقرة للتحرك لتقديم المساعدات الإنسانية.
أطيح بالرئيس عمر البشير، الذي حكم السودان لعقود، في انقلاب عام 2019 عقب احتجاجات شعبية واسعة.
وأُسقطت الحكومة الانتقالية، التي تشكلت بعد سقوط البشير من شراكة بين المدنيين والعسكريين، بانقلاب آخر في أكتوبر 2021.

ويعدّ عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، اللذان يقفان خلف هذا الانقلاب، أبرز أطراف الحرب الأهلية الحالية.

ويُعترف بالبرهان وحكومته من قبل الجهات الدولية بوصفهما السلطة الشرعية في البلاد. أما قوات الدعم السريع، المؤلفة من ميليشيا دقلو، فلا تحظى باعتراف رسمي.

وحققت القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان سيطرة جزئية في المناطق الوسطى والشرقية.

وتسيطر قوات الدعم السريع الموالية لدقلو على جنوب غربي السودان.

ونشرت قوات الدعم السريع على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد للمجازر التي ارتكبتها عند سيطرتها على الفاشر في أكتوبر ، بعد حصار دام 18 شهراً، وكانت عاصمة الولاية تحت سيطرة الجيش السوداني.

ورصدت الأقمار الصناعية جثث المدنيين الذين أُعدموا، فيما فتحَت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في هذه المجازر. ويُتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب.

فكيف تنظر تركيا إلى الأزمة؟

يوجز السفير المتقاعد حسن سرفَت أوقتم، الذي شغل منصب المدير العام لإدارة الشرق الأقصى وأفريقيا في وزارة الخارجية التركية بين عامي 2009 و2012، المقاربة الأولى لأنقرة على النحو التالي:

“ليس لنا هناك مصلحة وجودية. لا منطق في دعم أي طرف؛ كان موقفنا هو: فلْيُحقق الطرفان السلام”.

وتشير الدكتورة حورية يلدريم جنار من جامعة (فان يوزنجو يل)، إلى أن دور تركيا كـ”وسيط محايد” كان مطروحاً أيضاً خلال تلك الفترة.

وتقول جنار، وهي أيضاً مديرة مشاركة لمعهد أفريقيا في المركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية (تاسام)، إن تلك المساعي لم تُثمر نتيجة الخلافات بين الأطراف.

كما تعلق بأن الدعم الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع دفع تركيا، مع مرور الوقت، إلى أن تتخذ موضعاً أقرب إلى القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان: “تحوّل الدعم العلني من تركيا للقوات المسلحة السودانية، التي ترى أنها ‘الحكومة الشرعية’، تدريجياً من الصياغة الدبلوماسية إلى سياسات عملية، مما جعل أنقرة تقف إلى جانب السلطة الشرعية أكثر من دور الوساطة”.

ما موقع المنافسة بين تركيا والإمارات؟

يقول حسن سرفَت أوقتم إن هناك روابط اقتصادية وعسكرية بين قوات الدعم السريع والإمارات.

ويذكر أن قوات الدعم السريع تسيطر على بعض مناجم الذهب في السودان.

ويشير أيضاً إلى أن قوات دقلو تقاتل الحوثيين في اليمن ضمن التحالف المدعوم من الإمارات والسعودية.

ويرى السفير المتقاعد أن أياً من دول الخليج لا ترغب في تنامي النفوذ التركي في السودان:

“لا تريد الإمارات ولا السعودية أن تكون تركيا قوية أكثر من اللازم في السودان. لا تريدان لها أن تبرز هناك”.

وفي تقرير نشره موقع “بوليتيكو” في 17 نوفمبر، قال مسؤول إماراتي ـ لم يُعلن اسمه ـ إن أبوظبي لم تقدم أي دعم لأي طرف منذ اندلاع الحرب.

وأضاف المسؤول: “لا يوجد أي دليل مُثبت على أن الإمارات قدمت دعماً لقوات الدعم السريع أو أن لها أي دور في النزاع”.

ويقول الدكتور فولكان إيبَك، الأستاذ المساعد في جامعة (يديتيبه) في إسطنبول، إنه يوجد تضارب مصالح بين تركيا والإمارات في السودان وفي مناطق أخرى.

ويرى إيبَك أن هذا أحد أسباب دعم أنقرة للحكومة السودانية.

ويقول إيبك مقيّماً دور أنقرة المتنامي في السودان إن “الاستثمارات التركية في السودان مهددة بشدة بسبب الحرب. تدعم تركيا القوات المسلحة السودانية، ضد قوات الدعم السريع التي بدأت الحرب، لتُرفع التهديدات عن استثماراتها في أسرع وقت ممكن”.

العلاقات التركية السودانية

تتمتع تركيا والسودان بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة. ويعود الوجود العثماني في المنطقة إلى القرن السادس عشر.

وكانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالسودان بعد إعلانه استقلاله عن مصر عام 1956.

وأُقيمت علاقات وثيقة مع حكومة عمر البشير خلال العقد الأول من الألفية تماشياً مع “المبادرة الأفريقية” التي انتهجتها أنقرة. ويقول إيبَك إن السودان هو الشريك الأول لتركيا في أفريقيا جنوب الصحراء.

ويشير الأكاديمي، المتخصص في سياسات الدول الأفريقية المعاصرة، إلى أن عدد الاتفاقيات الموقعة بين تركيا والسودان من 1998 إلى 2026 يزيد بأربعة أضعاف عن المتوسط مع الدول الأخرى.
قدمت تركيا مساعدات إنسانية للسودان خلال أزمة دارفور التي اندلعت عام 2003.

وفي عام 2006، زار رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان الخرطوم، وكانت أول زيارة لرئيس وزراء تركي إلى السودان. وفي عام 2017، منح السودان جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا لمدة 99 عاماً.

ووقعت أنقرة اتفاقيات بقيمة 650 مليون دولار مع الخرطوم تشمل مشاريع ترميم المدينة العثمانية التاريخية في الجزيرة.

وفي عام 2018، أنشأت هيئة الأبحاث والتنقيب المعدني التركية شركة “إم تي إيه كومباني ليمتد” لتنفيذ أعمال التنقيب والبحث في السودان، الذي يتمتع بموارد غنية تحت الأرض.

وفتح بنك “زراعة”، المملوك للدولة التركية، أول فرع دولي له في السودان عام 2020. أما الفرع الآخر فيقع في العاصمة الصومالية مقديشو.

حرب تتجاوز الحدود

رغم أن الحرب في السودان تبدو، على الورق، نزاعاً بين قياديين عسكريين، فإن لها بُعداً دولياً.

وبحسب الخبراء، فإن أحد أبرز أسباب استمرار الحرب لفترة طويلة هو الدعم الخارجي للطرفين.

وتقول منظمة العفو الدولية إن أسلحة منشؤها صربيا والصين وتركيا والإمارات تُستخدم في الحرب الأهلية.

وبحسب تقرير أعدته الأمم المتحدة وسُرّب إلى الصحافة البريطانية في أبريل 2025، فإن طائرات شحن تحمل أسلحة مهرّبة تسافر بانتظام إلى تشاد عبر الإمارات. وتنفي الدول المذكورة هذه الاتهامات.
وفي تصريح للصحافة في 12 نوفمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن قوات الدعم السريع ليست لديها القدرة على تصنيع السلاح، مضيفاً: “هناك من يزودهم بالمال، وهناك من يزودهم بالسلاح، وهذه الأسلحة تمر عبر دول معينة. نحن نعرف هذه الدول. سنتحدث إليها ونجعلها تدرك أنه إذا لم نوقف هذا، فلن تكون العواقب جيدة لها ولا للعالم”.

وكثّفت آلية رباعية، تضم السعودية ومصر والإمارات وتقودها الولايات المتحدة، جهودها الدبلوماسية خلال الأشهر الأخيرة لوقف إراقة الدماء.

وتهدف هذه المبادرة أولاً إلى إرساء هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار.

وأعلنت قوات الدعم السريع في 6 نوفمبر التزامها بعرض الهدنة.

غير أن القوات المسلحة السودانية، التي تطالب بإشراك تركيا وقطر في المفاوضات، رفضت المشاركة فيها.

وتشير وتيرة التصعيد الميداني واستمرار الدعم الدولي للأطراف المتحاربة، إلى أن نهاية الحرب الأهلية في السودان لا تزال بعيدة.

هيلكن دواغاتش بوران
Role,بي بي سي تركي

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.