اخبار السودان

كيف انتهت رحلة طالب ثانوي إلى السجن (5) سنوات؟

لم يكن طالب الشهادة السودانية، عمر أحمد عبد الهادي، ليقع في مصيدة الاعتقال لولاء طموحاته في الترقي التعليمي، والتي دفعته لخوض مغامرة السفر وحيداً من منزل عائلته في مدينة الخوي بغرب كردفان إلى الولاية الشمالية بغرض الجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية، لتحقيق حلمه الذي طال انتظاره بسبب الحرب.

وفي نهاية شهر سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم في السودان، أنها اعتمدت يوم 28 ديسمبر المقبل موعداً لبدء امتحانات الشهادة الثانوية لدفعة 2023 المؤجلة، كما ستُعْقَد امتحانات الثانوية لدفعة 2024 بعد ثلاثة أشهر من آخر جلسة لامتحانات الدفعة المؤجلة، في عدد من الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.

توجه عمر في رحلة البحث عن العلم تحت ظرف مضطرب، متسلحا بعزيمة وحقيبة لم تشهد أسوار المدرسة لما يقارب العامين بسبب توقف الدراسة في منطقته جراء أعمال القتال، لكن جلاداً اعترض طريقه، ووضع أحلامه خلف القضبان، عندما قضت محكمة بسجنه خمس سنوات بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.

مستنفرو الجيش انزلوا ابني في منطقة القولد، واتهموه بالعمل مع  الدعم السريع، واقتادوه إلى المحكمة التي حكمت عليه بالسجن لمدة خمس سنوات

والد الطالب

“كل الجرم الذي ارتكبه ابني أنه تمرد على واقعه ومنطقته التي يغيب فيها التعليم، وسعى للحاق بامتحانات الشهادة الثانوية التي تقام لأول مرة منذ اندلاع الحرب في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، في مغامرة لإنقاذ مستقبله الذي بات على حافة الضياع” يقول والده أحمد عبد الهادي لـ(عاين).

ويتابع: إن “مستنفري الجيش انزلوا ابني في منطقة القولد بالولاية الشمالية، واتهموه بالعمل مع قوات الدعم السريع، ومارسوا عليه ضغوط كبيرة، ومن ثم اقتادوه إلى المحكمة، والتي حكمت عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، نتيجة افتراءات غير حقيقية، فابني طالباً نابغ ومتميز، وليس له علاقة بأي تنظيمات عسكرية”.

صورة من شهادة قبول الطالب للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية بالولاية الشمالية

وشدد عبد الهادي، على أن ابنه عمر من الطلاب المتفوقين، وحصل على المركز الأول بين زملائه في امتحانات شهادة الأساس، ووُزِّع لدراسة المرحلة الثانوية في مدرسة محمد عبيد آل مكتوم النموذجية في مدينة لقاوة بولاية غرب كردفان في العام 2018م بناء على تميزه، ووصل إلى الصف الثالث ثانوي المساق العلمي تخصص أحياء، لكن الحرب عطلت عقد الامتحانات في موعدها.

ابني مظلوم

وأشار أحمد عبد الهادي إلى إنه وبعد أن سمع الإعلان الوزاري، سجل ابنه للجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية في الولاية الشمالية عبر أحد أقاربه مقيماً هناك، وقد وافقت إدارة الامتحانات، وأرسلت له الاستمارة ورقم الجلوس، وعلى هذا الأساس توجه عمر إلى دنقلا وهو ملئ بالحماس لخوض التجربة العلمية.

وأضاف: “المحكمة في القولد حكمت بالسجن على ابني، رغم تقديم مستند رسمي من إدارة التعليم الثانوي في الولاية الشمالية، يثبت أنه مسجل ضمن الطلاب الوافدين إلى الولاية من مدرسة دنقلا الثانوية، وسوف نستأنف الحكم وتفنيد ما استند إليه، فابني مظلوم”.

وأدانت محكمة القولد في قرارها الذي اطلعت عليه (عاين) عمر أحمد عبد الهادي بمخالفة المواد 25 و26 و50 و51 (أ)، و160 من القانون الجنائي السوداني، والتي تتعلق في مجملها بالتحريض والتعاون في ارتكاب الجرائم، وتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة والإساءة واشانة السمعة، حيث اتهمته بالإساءة إلى القوات المسلحة والتعاون مع قوات الدعم السريع.

محكمة القولد لم تستند في حكمها على أدلة منطقية وحقيقية تثبت التهم المنسوبة إلى الطالب عمر

قانوني

وقال مصدر قانوني على اطلاع بالقضية لـ(عاين): إن “محكمة القولد لم تستند في حكمها على أدلة منطقية وحقيقية تثبت التهم المنسوبة إلى الطالب عمر، بينما أسست على افتراضات ولقطات شاشة الهاتف المحمول “اسكرين شوت” لعمليات تواصل عبر تطبيق فيس بوك، وهي لا تمثل بينة كافية، وإن صحت فهي عادية للغاية، ولا تعدو عن كونها ونسة اجتماعية”.

صورة من حكم المحكمة

وشدد: أن “الحكم مزاجي، وليس له سند قانوني، ولن يصمد أمام الاستئناف، لأن تهم مثل تقويض النظام الدستوري والحرب ضد الدولة والتحريض بحاجة إلى دليل مادي قوي لإثباتها، فهي ليست عادية؛ لأن عقوبتها تصل إلى الإعدام”.

ويعزز ما تعرض له عمر، مخاوف آلاف الطلاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع بإقليمي كردفان ودارفور من السفر بغرض الجلوس لامتحان الشهادة الثانوية التي تقرر عقدها في مناطق سيطرة الجيش في شرق وشمال السودان، فإلى جانب المخاطر الأمنية، فهي مكلفة مالياً، ولا يستطيع أولياء الأمور المتأثرين بالحرب الوفاء بهذه الالتزامات.

غضب واسع

وتكثر مثل هذه المحاكمات في مناطق سيطرة الجيش، بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وغالبية الذين يُحَاكَمُون خلال الفترة السابقة ينحدرون من غرب السودان.

وأثارت محاكمة الطالب عمر أحمد عبد الهادي موجة غضب بين الكيانات الاجتماعية والأهلية في السودان، وسط دعوات واسعة لإطلاق سراحه فوراً دون شروط، والسماح له باللحاق بزملائه والجلوس لامتحان الشهادة الثانوية.

وقالت لجنة المعلمين السودانيين في بيان، “ندين هذه الانتهاكات الفظيعة، ونطالب بضرورة إطلاق سراح الطالب عمر، ونؤكد أن هذه الجرائم أصبحت بدرجة لا تجدي معها الإدانات، وعلى القوى الحية التفكير بصورة جادة في طريقة تحمي الوطن والمواطن، الذي أصبح بلا قيمة عند هؤلاء، وكأننا نعيش في غابة”.

وشدد البيان على أن “توقف الطالب والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات حدث بحجة التعاون مع قوات الدعم السريع، في الوقت الذي يتم فيه الإطراء والاحتفال بقائد الدعم السريع الذي أذاق أهل الجزيرة الأمرين، في سقطة أخلاقية وضحت السبب الحقيقي للحرب، وهو النزاع حول السلطة ونهب الموارد، ولو على جماجم الشعب السوداني”.

وأضاف: “أن ما يقوم به الذين يدعمون تأييد الجيش، كذبا ونفاقا في الولايات التي تقع تحت سيطرته، أفعالا ترقى لأن تصنف جرائم ضد الإنسانية، وتعضيد لفرضية اختطاف قرار القوات المسلحة والسعي عبرها لتصفية الحسابات هذه الأفعال لن تقود الا الى تمزيق الوطن”.

شبكة عاين

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *