اخبار السودان

كيف استفاد الإنسان من الحناء عبر الزمن؟

كيف استفاد الإنسان من الحناء عبر الزمن؟

صدر الصورة، Shaimaa AlGhazawi

التعليق على الصورة، شيماء تتوسط طلبة مهتمين برسم الحناء
  • Author, منار حافظ
  • Role, بي بي سي عربي

تجوبان الأزقة في سوق خان الخليلي في القاهرة، أصابعهن مطلية بلون الحناء التي يستخدمنها في الرسم على أيدي النساء، اللواتي يحاولن استقطابهن في الأرجاء، عبر عرض رسوم جذّابة.

مريم بكر من السودان سيدة أربعينية تعمل مع زميلتها السودانية أيضاً في رسم الحناء، لاكتساب لقمة العيش.

تقول مريم لبي بي سي إنها بدأت العمل في رسم الحناء مذ كانت في السودان منذ ما لا يقل عن 15 عاماً، وانتقلت مهنتها معها حيث انتقلت إلى مصر قبل 3 سنوات.

وتضيف “جئت إلى هنا لأن لدي ابنة في السنة الجامعية الثانية في كلية الطب تدرس في مصر، وأنا أساعدها عبر العمل في رسم الحناء، أرسم للنساء في الشوارع، وتطلبني بعض النساء لأرسم لهن في بيوتهن”.

أما زميلتها حرم، فقد كانت تعمل سابقاً في مجال تعليم اللغة العربية في السودان، وامتهنت التعليم في مصر أيضاً لمدة عامين، لكنها تركت التعليم وتوجهت لرسم الحناء لأن مدخولها أفضل، رغم أنه مدخول غير ثابت لكنه قد يصل إلى 7 آلاف جنيه مصري شهرياً (نحو 137 دولاراً)، بينما لم تكن تجني نصف هذا المبلغ في مهنة التعليم.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

قصص مقترحة

قصص مقترحة نهاية

تُصنع عجينة الحناء، عبر سحق أوراق وسيقان وأزهار النبات إلى مسحوق ناعم، ثم يُخلط بالماء. يحتوي نبات الحناء على صبغة بلون النحاس يتركز في الأوراق والسيقان. يضيف لها البعض عصير الليمون أو الشاي أو غيرها من الزيوت التي تعزز اللون، أو تطيل عمر الصبغة.

ولا يقتصر دور الحناء على صبغ الشعر والأظافر كما هو معمول به في ثقافات مختلفة، إذ تتميز أزهار نبات الحناء برائحة قوية طيبة، مما جعلها تستخدم في صناعة العطور، وزراعتها كنبات زينة.

ولنبات الحناء أنواع مختلفة من أبرزها كما يذكر بحث علمي حمل اسم الحناء عبر القرون نشر عام 2014، شجرة الحناء أو شجرة البرباريس المصرية أو شجرة المينيونت، وينتج عنها درجات الصبغة الحمراء. وحناء سينا ايطاليكا التي لا لون لها. و (النيلي الحقيقي/النيلي) نوعان مختلفان من الحناء ينتج عنهما درجات اللون البني والأسود.

مريم بكر ترتدي حجاباً يميل إلى اللون الأزرق وبشرتها سمراء، وتحمل في يديها دفتر صور لرسومات مختلفة بالحناء تزين أيدي نساء، وتقف في سوق خان الخليلي في القاهرة الذي يعج بالمارة

التعليق على الصورة، مريم بكر تعمل في مجال رسم الحناء منذ ما لا يقل عن 15 عاماً

تنوع استخدامات الحناء “رمز البهجة”

أهمل YouTube مشاركة

تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات

نهاية YouTube مشاركة

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

استخدم نبات الحناء في دول مختلفة من العالم منذ آلاف السنين، في مجالي الطب والفن، وبرز الاهتمام بها إلى يومنا هذا في المناسبات الاجتماعية في عدة ثقافات كرمز للبهجة، ونوع من أنواع الزينة الشبيهة بالوشوم لكنها مؤقتة، وفي صبغ الشعر كذلك.

يقول بحث نشر على الموقع الإلكتروني لمتحف التاريخ الطبيعي في المملكة المتحدة (Natural History Museum) إن هناك أدلة تشير إلى استخدام نبات الحناء خلال العصر البابلي تقريباً في الأعوام (1894539) قبل الميلاد.

ويعود تاريخ أقدم استخدامات الحناء إلى مصر القديمة بحسب ما جاء في البحث، “إذ استخدمت عجينة الحناء لصبغ المومياوات وأغطيتها، حيث كان المصريون يعتقدون حينها بأن الحناء تحافظ على روحانية الأشخاص، وتجعل الجلد أقوى”.

وفي سجلات الطب الخاصة بمصر القديمة، استخدمت الحناء لعلاج أمراض جلدية.

ويشرح الدكتور طلال أبو رجيع، أستاذ كيمياء العقاقير والطب البديل في الجامعة الأردنية، لـ بي بي سي إن قدماء المصريين استخدموا مسحوق الحناء في تحنيط جثث الموتى لمنع تعفنها، باعتبارها مقاومة للفطريات والجراثيم.

ويلفت إلى أن استخدام الحناء تجاوز صبغ الشعر والتزيين، إلى علاج بعض الأمراض، وبخاصة الأمراض الجلدية.

وعن استخدامات الحناء الطبية، يشرح أبو رجيع: “تُستخدم الحناء في تطهير الجروح وتعقيمها، مما يساعد على تسريع عملية الشفاء وتقليل خطر الالتهابات. وكذلك في معالجة الأمراض الجلدية، إذ أنها فعّالة في علاج حالات مثل الدمامل، وحب الشباب، والأكزيما، والأمراض الفطرية. وطريقة العلاج عبر وضع عجينة الحناء على الجلد”.

كما “أظهرت الدراسات أن الحناء تمتلك خصائص مضادة للفيروسات، مما يجعلها مفيدة في علاج الثؤلول والعدوى الفيروسية مثل الهربس”، يضيف أبو رجيع.

ويقول إن الحناء مفيدة أيضاً في علاج الحروق، إذ يفيد استخدام مسحوقها في تخفيف الألم وفقدان السوائل الناتجة عن الحرق. ومفيدة في تخفيف آلام الرأس والصداع عند تطبيق عصيرها أو عجينتها على الجبهة. لتقوية الشعر ومنع تقصفه، ومعالجة قشرة الرأس والتهاب فروة الرأس.

ويرجح بحث متحف التاريخ الطبيعي في المملكة المتحدة أن من يعملون في الرعي هم أول من اكتشف نبات الحناء نظراً للون الأحمر الذي يصبغه على فم الماشية التي تأكل منه.

وينقل أيضاً عن شاهينا غضنفر رئيسة أبحاث العلوم في الحدائق الملكية النباتية كيوالمملكة المتحدة، قولها إن الحناء تستخدم في البلدان الحارة لتبريد وترطيب الجلد الجاف، إذ يستخدم معجون الحناء على باطن القدمين، أو الشعر. كما يستخدم لتبريد الحروق وعلاج الصداع في بعض الثقافات.

واستخدمت الحناء كذلك في فترة حكم الإمبراطورية المغولية للهند في الأعوام 15261857. وفي كلتا الثقافتين استخدمت الحناء لرسم أنماط مختلفة على أجساد النساء والرجال في حفلات الزفاف والمهرجانات والمناسبات الخاصة.

لكن يُعتقد أن أصل الحناء يعود إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم انتشر في جميع أنحاء آسيا منذ آلاف السنين. وحالياً أصبحت الحناء تُزرع في جميع أنحاء العالم، من أمريكا الجنوبية إلى اليابان. ويمكن العثور عليها تنمو في البرية في باكستان والهند.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافةيونسكو، الحناء على قائمة التراث الثقافي غير المادي، لكل من الإمارات والسعودية وقطر وعُمان والبحرين والكويت والأردن والأراضي الفلسطينية وتونس والجزائر والسودان ومصر والعراق والمغرب وموريتانيا واليمن.

وفي حفلات الزفاف والمناسبات، تظهر رسوم الحناء السوداء أو الحمراء على أيدي النساء والرجال في تلك الدول، والبعض يستخدمها في دهن كامل اليد باللون الأحمر أو أطراف الأصابع.

أربعة أذرع لفتيات مرسوم عليها أشكال مختلفة باستخدام الحناء

صدر الصورة، Shaimaa AlGhazawi

التعليق على الصورة، اختارت شيماء الغزاوي الرسم بالحناء كهواية ومهنة جانبية إضافة لعملها في مجال الهندسة

فن يجمع الشعوب

شيماء الغزاوي أثناء نقشها للحناء على يد فتاة خلال فعالية في المملكة المتحدة، ترتدي شيماء الحجاب ولباساً فلكلورياً وعلى يدها نقش حناء بلون أسود

صدر الصورة، Shaimaa AlGhazawi

التعليق على الصورة، شيماء الغزاوي أثناء نقشها للحناء على يد فتاة خلال فعالية في المملكة المتحدة

بفرح تروي شيماء الغزاوي ابنة الثلاثين عاماً تجربتها مع رسم الحناء من الأردن إلى المملكة المتحدة.

وإلى جانب تخصصها في مجال هندسة تخطيط وتصميم المدن، بدأت شيماء هوايتها التي تناقلتها من موروث العائلة عن أمها وجدتها، أثناء دراستها الجامعية. ورغم أن البداية كانت عملاً تطوعياً، إلا أن هدف شيماء كان أن توفر لها دخلاً يساعدها في مصاريفها أثناء الدراسة.

شيماء مرتدية ثوباً فلكلورياً بلون أبيض وأزرق، ترسم الحناء لعروس ترتدي ثوباً فلكلورياً بلون أبيض وأحمر، في حفل يسبق حفل الزفاف

صدر الصورة، Shaimaa AlGhazawi

التعليق على الصورة، شيماء ترسم الحناء لعروس في حفل يسبق حفل الزفاف

“أنا أحب الفن، وفي عامي الدراسي الثاني في المرحلة الجامعية، بدأت باستخدام موهبتي في رسم الحناء لأوفر دخلاً، لكن تعلقي بالحنة ليس لأني أحب الفن إنما لأنها موجودة في حياتي منذ صغري، إذ كانت جدتي ووالدتي تحضران لنا الحنة في الأعياد والأعراس”.

لم يقتصر عمل شيماء الذي طورته عبر التعلم الذاتي، على الحفلات أو الطلبات الخاصة، إنما أيضاً شاركت في معارض الجاليات، والمعارض الثقافية.

أحبت النساء عمل شيماء في رسم الحناء، إلا أن نقلة نوعية شهدها إقبالهن عليها بعد مشاركتها في حفل الحناء الملكي، للأميرة رجوة زوجة ولي العهد الأردني الحسين بن عبدالله الثاني في صيف 2023، كما تروي.

تكمل شيماء دراستها الجامعية في المملكة المتحدة، لكن شغفها برسم الحناء لم يفارقها، إذ استفادت نساء من ثقافات مختلفة من عملها في رسم الحناء. نساء من شرق آسيا وأوروبا ومغتربين عرب جربوا حناء شيماء، بعضهن للمناسبات، وأخريات من باب التجربة، وبعضهن فضلن الحنة المؤقتة على رسم الوشم الدائم.

“أشعر أن فن رسم الحناء يشبك الشعوب والثقافات، حتى مع الذين لم تكن الحناء جزءاً من ثقافتهم، يحبونها وتبهرهم”، تقول شيماء.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *