
عصام عباس
استمعتُ اليوم إلى قاضية المحكمة الجنائية الدولية وهي تسرد بثقة وهدوء، الأفعال التي قادت المحكمة إلى اليقين بأنّ علي كوشيب قد ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ولستُ هنا بصدد الحديث عن الاحترافية القضائية، بل الوقوف أمام هول الأفعال التي كُشفت أمام أعين العالم.
لقد أثبتت المحكمة بما لا يدع مجالًا للشك أنّ علي كوشيب لم يكن جانيًا منفردًا، بل جزءًا من منظومة كاملة من القتلة، تضمّ حكومة السودان آنذاك، تمثلها مليشيا الجنجويد التي تطورت لاحقا لتصبح قوات الدعم السريع وتشرعن رسميا بقانون اجازه برلمان الاسلاميين باغلبية ساحقة وأصبح كبير الجمجويد احد اكثر المقربين في سيئ السمعة عمرالبشير.
تخيلوا مشهد القرى الهادئة وهي تُحاصر بقوات مدجّجة بالسلاح، تعلو ظهور اللاندكروزر والخيول والجمال، ثم تُحرق عن بكرة أبيها. يُقتل كل رجل بالغ أو فتى يافع أو شيخٍ كهل، وتُغتصَب النساء أمام أعين آبائهن وأبنائهن وإخوتهن في مشهدٍ بالغ البشاعة، هدفه الإذلال والإهانة قبل أن يُصفَّوا جميعًا لاحقًا.
ورغم أنّ المحكمة ركّزت على أحداث وقعت في مناطق متفرقة من محلية وادي صالح خلال عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٤، فإنّ ما وثّقته ليس إلا عينةً صغيرة تعكس ما جرى في عشرات القرى غير العربية التي عانت المأساة نفسها. تلك الجرائم لم تكن افعال وقتية بل امتدّت كسياسة ممنهجة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى سقوط نظام الإنقاذ في ٢٠١٩.
إنّ علي كوشيب لم يكن سوى أداة. الفعل كان فعل حكومة إسلاموية متطرّفة سمحت بهذه الوحشية، باركتها، ودعمتها، بل أشرف عليها وزراء أمثال أحمد هارون.
ما شهدناه اليوم ليس محاكمة رجل واحد، بل محاكمة للتاريخ الدموي لنظام الإنقاذ الإرهابي المتطرف، ورسالة إلى العالم بأنّ الجرائم نفسها تتكرّر اليوم في السودان بأدواتٍ وأسماءٍ جديدة، لكن بوحشيةٍ أشد واتساعٍ أكبر.
إنها دوامة الدم السوداني التي لم تتوقف بعد.
المصدر: صحيفة التغيير