عبد القادر محمد أحمد / المحامي

لقد بذل الكتّاب السودانيون المعارضون للحكومة وللحرب الجارية مجهوداتٍ مقدَّرة في فضح جرائم الحرب وانتهاكاتها، غير أنهم أحجموا عن تناول موضوع اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية في بعض المناطق السكنية، رغم أنّه كان متداولًا خارجيًا. وأرى أن هذا الإحجام كان نتيجة وعيٍ بخطورة الملف وحساسيته، وما يحمله من أبعاد قانونية وإنسانية وأخلاقية في جريمة بالغة الخطورة. ولهذا كان الحرص على إبقائه بعيدًا عن شبهة استغلاله في الصراع السياسي.

لكن بدأ الخوف والقلق يدبّان في النفوس، في ظل الحديث عن تقارير دولية من جهات غير رسمية تشير إلى استخدام الجيش تلك الأسلحة، ومقالات وتسجيلات محلية تتناول ذات الموضوع، ثم جاء مقال منسوب للكاتبة المصرية أماني الطويل ورد فيه:
(الجيش السوداني يعاني من تركة ثقيلة من التأثيرات السلبية لجماعة الإخوان المسلمين… لقد بات واضحًا للجميع أن استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دون علم إدارة الجيش..).

في تقديري المتواضع، إن ما يُثار حول استخدام الأسلحة الكيميائية حتى الآن لا يبلغ مرحلة أن يكون اتهامًا يصلح محلًّا للتداول، وذلك للأسباب الآتية:
▪ هذه الاتهامات في البداية صدرت من أمريكا وتبعتها عقوبات، وفي حيثياتها قالت إنها تملك تقريرًا موثقًا يثبت الادعاءات، لكنها لم تكشف عنه حتى للجهة المعنية.
▪ المقال المنسوب لأماني الطويل رغم انه لا يشكل دليلا، تأكد أنه لا يخصها.
▪ الوقائع الأخرى التي تُثار لا تخرج عن كونها تأويلات واستنتاجات ظنية.

لذلك في ظني، هذه الاتهامات تأتي في إطار حملة لدفع الحكومة للقبول بلجنة تفتيش دولية تدخل بنتائجها المعدّة سلفًا لإثبات استخدام الأسلحة الكيميائية. ومن المعلوم أن الصراع بين الدول الكبرى يرتبط بمصالحها البعيدة عن مصالح شعوب الدول المستهدفة. وملف الأسلحة الكيميائية من الأدوات التي تُستخدم في مثل هذا الصراع، وهذا ما حدث في العراق وليبيا وما يحدث الآن في سوريا.

في تقديري، الجرائم التي ارتكبها الإسلاميون طوال فترة حكمهم الممتدة حتى الآن، من قمعٍ ممنهج، وانتهاكات واسعة، ومجزرة ميدان الاعتصام، ثم إشعال الحرب الحالية والإصرار عليها رغم كلفتها الإنسانية الفادحة، كل هذه الجرائم في بُعدها الأخلاقي والإنساني لا تقل خطورة عن جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية.

ومع ذلك، فإن ما أُثير حتى الآن بخصوص الاتهامات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية لا يرتقي إلى مستوى أن يكون محل تداول جاد، بل يظل في إطار الشكوك والظنون والريب التي تُوظَّف سياسيًا ضد مصالح الشعوب.

أقول ذلك وفي ذهني الآثارَ الوخيمة التي يمكن أن تترتب على ترديد هذه الاتهامات، وأُجملها في الآتي:

أولًا: يثير هذا الاتهام مخاوف وصدمات نفسية جسيمة لدى السكان المقيمين في المناطق المعنية، الذين لم ينزحوا من ديارهم أصلًا، وبالتالي سيعيشون في حالة قلق وشكوك حول سلامة بيئتهم وحياتهم اليومية.

ثانيًا: يشكّل هذا الاتهام حيرة وضغطًا نفسيًا واجتماعيًا قاسيًا على المواطنين الذين لا يملكون خيارًا سوى العودة إلى مساكنهم، فيجدون أنفسهم عالقين بين الحاجة إلى الاستقرار والخوف من عدوٍّ فتاك غير مرئي.

ثالثًا: هذا الاتهام مُضرّ ومُشين لسمعة الدولة في المحافل الدولية، إذ يُضعف صورتها المستقبلية ويشوّه مكانتها في مختلف مجالات التعامل الخارجي، خاصة في الجانب التجاري، حيث يمنح المنافسين مادة دعائية في التنافس الاقتصادي.

رابعًا: إذا صحّ ظني بأن هذه الترتيبات هي مقدمة لفتح الباب أمام تدخلٍ دولي، فإنه بهذا المسار لن يكون لصالح الشعب، ويكفي الأمثلة التي ذكرتها.

بالتأكيد، لا أريد أن أفرض وصاية أو حجرًا على أحد فيما يكتب، ولا ينبغي لي، لكني أورد وجهة نظري، وملخصها: كل شيء وارد، لكن الأفضل أن نتريث.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.