اخبار السودان

كلمة التغيير: هذه الحرب هي الانقلاب الاسلاموي الثالث على الثورة

 

كلمة التغيير: هذه الحرب هي الانقلاب الاسلاموي الثالث على الثورة

في صباح هذا اليوم السبت الخامس عشر من أبريل 2023 اندلعت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي في تطور نوعي خطير ينذر بتدمير الدولة السودانية وتمزيقها ويضع المدنيين الأبرياء في مرمى النيران وويلات الحرب اللعينة، من هم أطراف هذه الحرب؟ وما هي أهدافهم ولماذا وصلت الأمور الى هذا المنعطف؟ وما العمل الان؟

أطراف الحرب:

الطرف الرئيس هو فصيل انقلابي من الإسلامويين تحالف مع البرهان وشكل له حاضنة سياسية بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الذي أعاد العناصر الاسلاموية الى مفاصل الدولة وأعاد تمكينهم اقتصاديا، ظل هذا الفصيل رأس الرمح في معارضة اي عملية سياسية لاستعادة المسار الانتقالي الديمقراطي، وكثف ضغوطه على البرهان داخل القوات المسلحة من أجل الاطاحة بالاتفاق الاطاري بذريعة قضية دمج الدعم السريع في الجيش، ليس في إطار مشروع وطني للتحول الديمقراطي وكجزء من عملية شاملة للاصلاح الامني والعسكري تقود الى تكوين جيش قومي ومهني موحد وهو هدف كل قوى التحول الديمقراطي وإنما في إطار تمهيد الطريق لانقلاب الاسلامويين، إذ تقف مليشيا الدعم السريع كمعضلة عملية امام ذلك، وبالفعل نجح هذا الفصيل الانقلابي في إشعال الحرب بين الجيش والطرف الرئيس الاخر في هذه الحرب وهو الدعم السريع.

فالحرب هي حرب فصيل اسلاموي انقلابي يرغب في العودة الى السلطة ضد الدعم السريع ليس بسبب انه مليشيا! فالنظام الاسلاموي هو من صنع المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع في اطار دولته الموازية، وكان النظام يسجن كل من ينتقد قوات الدعم السريع، بل بسبب ان التكتيكات السياسية للدعم السريع جعلته يتخذ موقفا داعما للعملية السياسية وبسبب ان الدعم السريع ينظر الى الانقلاب الاسلاموي كمهدد وجودي له، وبسبب اختلاف الارتباطات الاقليمية لكل من الطرفين: الفصيل الاسلاموي وحليفه البرهان من جهة والدعم السريع من جهة اخرى، أي ان الحرب هي معركة تكسير عظام تهدد امن واستقرار السودانيين وتضعهم في عين عاصفة مدمرة في صراع سلطة عاري وغير اخلاقي وغير مسؤول بين مغامرين اسلامويين فاسدين لفظهم الشعب السوداني في ثورة شعبية وبين مليشيا يتحمل الاسلامويون المسؤولية الكاملة عن إنشائها، وقد تطورت هذه المليشيا وأصبحت لها طموحاتها وأطماعها الخاصة في حيازة السلطة السياسية.

وهنا يجب عدم الانسياق للسرديات الدعائية المضللة في توصيف ما يجري كمعركة وطنية يخوضها الجيش الوطني ضد مليشيا تمردت عليه وعلى الشعب السوداني ان يقف خلف جيشه! الامر ليس بهذا التبسيط المخل، القضية المركزية للشعب السوداني الآن هي وقف هذه الحرب اللعينة وحماية ارواحه وممتلكاته منها، ثم الشروع في استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي وفق معادلة عقلانية وواقعية تعالج واقع تعدد الجيوش والمليشيات برؤية وطنية وديمقراطية متوافق عليها وعلى اسس دستورية وقانونية وفنية مدروسة، وبهذا فقط يستطيع السودانيون تأمين مخرج آمن للوطن من حقل الألغام الذي وضعه فيه النظام البائد، وهذا المخرج إذا أردناه سلميا فإنه يتطلب الصبر على التدرج المعقول في انجاز الاهداف المعقدة كالإصلاح الامني والعسكري ودمج وتسريح المليشيات.

اما الانفجار الذي حدث صباح اليوم ثم الإكثار من الحديث حول ان الدعم السريع مليشيا متمردة ويجب حلها فورا وبالقوة، دليل على الاستخفاف بأمن الوطن والمواطن، وهو حديث فاقد للاتساق والامانة لو قرأناه مع التاريخ القريب جدا لتعامل البرهان مع هذه المليشيا التي كان يقول انها جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة وخرجت من رحمها! وهي ذات المليشيا التي لم يقل شيئا عن ضرورة دمجها عندما تحالف معها في الانقلاب الاول على الثورة بعد مجزرة فض اعتصام القيادة العامة! وعندما نفذ انقلابه في 25 اكتوبر لم يتخذ قرارا بدمجها في ستة أشهر وهو قائد الجيش وقد كان الحاكم المطلق للسودان!! ولكن بمجرد ان لاحت في الأفق عملية سياسية بموجبها يجب ان يخرج العسكر من السلطة تذكر البرهان ان الدعم السريع مليشيا يجب دمجها!!

الدعم السريع مليشيا، والقيادة فيها على أساس أسري عشائري، ولها مصالح اقتصادية ضخمة بحكم سيطرتها بالقوة على ثروات قومية على رأسها الذهب، واي مشروع للتحول الديمقراطي في السودان من شروطه توفيق اوضاع هذه المليشيا بعملية دمج وتسريح في إطار تحقيق الجيش القومي المهني الواحد، ولكن مثل هذا الهدف الوطني الكبير لا يمكن ان يحققه جنرالات كيزان صغار في إطار انقلاب عسكري هدفه هزيمة فكرة الاصلاح الامني والعسكري واستئصالها تماما ، والإبقاء على الجيش الذي خربه النظام الاسلاموي ونسف قوميته وحوله الى جيش حزبي يعلي اجندة الحزب على الاجندة الوطنية على حاله دون اي اصلاحات، بل تحويله مجددا الى سلم لصعود الاسلامويين الى السلطة انقلابيا ولغرض الانقلاب تتم المعركة مع الدعم السريع! ثم تتم دعوة الشعب السوداني ليجعل من هذه المعركة البائسة معركته الوطنية الاولى!

مثل هذه المعركة غير مؤهلة لاكتساب اي مشروعية وطنية او استقطاب دعم شعبي لاحد طرفيها، ولا سيما الطرف الانقلابي الاسلاموي، لانها مجرد صراع عاري هدفه الاستيلاء على السلطة!

معركة الشعب السوداني الوطنية الكبرى في هذه اللحظات هي وقف الحرب واستعادة السلام الذي انتزع منه صباح اليوم، وفي حال توقفت هذه الحرب اللعينة، وخرج السودان من النفق المظلم الذي هو فيه الآن، يجب ان تكون اولوية القوى الحية في الشعب السوداني بناء جبهة مدنية للسلام والديمقراطية والتنمية والعدالة تستفيد من كل أخطاء وعثرات الماضي، جبهة مدنية تفرض نفسها كقوة شعبية رادعة للاستبداد والفساد.

نتيجة هذه الحرب أيا كان الطرف المنتصر فيها، هي على احسن الفروض تدشين استبداد جديد! وفي حال تطاولها ربما مزقت وحدة الدولة السودانية.

لقد ظلت “التغيير” تحذر عبر افتتاحياتها ومقالاتها طيلة الفترة الانتقالية، من ان خيار الانقلاب العسكري في السودان لن يقود الا الى الحرب الأهلية نظرا لاستحالة نجاح انقلاب عسكري في ظل وجود قوتين عسكريتين متوازيين، وأن المخرج السلمي الآمن يقتضي اتفاق جميع الفرقاء على حتمية التحول الديمقراطي، وان يدرك الاسلامويون ان لا حل امامهم بعد الثورة سوى القطيعة مع مشروعهم الاستبدادي الشمولي وتوفيق اوضاعهم مع التحول الديمقراطي المصحوب بالعدالة الانتقالية والاصلاح الأمني والعسكري وتفكيك التمكين.

والآن وقد اندلعت الحرب، وتمر بلادنا بأحلك لحظات تاريخها ، تؤكد “التغيير” دعمها للسلام وحقوق الانسان للشعب السوداني ، كما تؤكد استقلالها عن الطرفين المتقاتلين، وحرصها على التعاون بين المواطنين لحفظ امنهم لاقصى ما يمكن ومحاصرة اي خطاب كراهية بين المواطنين، في هذا المنعطف التاريخي بلادنا في حاجة لحشد إرادتنا الوطنية للسلام والحرية وهو خيار يجب ان يدعمها فيه كل احرار العالم.

نسأل الله ان يحفظ السودان والسودانيين.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *