كرونولوجي الطريق إلى الحرب..في توصيف «حرب رمضان/ أبريل الحالية»
بسم الله الرحمن الرحيم
كرونولوجي الطريق إلى الحرب
« الجزء الثاني من مقال: في توصيف حرب رمضان/ أبريل الحالية»
د. عبدالرحمن الغالي
1) في 1989 وقع انقلاب الجبهة الاسلامية القومية لقطع الطريق على خطوات السلام بين الحكومة الديمقراطية والحركة الشعبية (حركة قرنق) بحجة أنه استسلام وتخلي عن الشريعة الاسلامية.
2) في 1991 أعلنت حكومة الانقاذ الحرب ضد الحركة الشعبية حرباً جهادية مقدسة.
3) في 1999 وقع انقسام في جسم نظام الانقاذ حيث انقسم المؤتمر الوطني إلى جناحين: المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي ويدعمه في الغالب أبناء دارفور في الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني الذي تدعمه المجموعة الأمنية والعسكرية المتحكمة في الانقاذ.
4) وفي فبراير 2001 تم الاتفاق بين المؤتمر الشعبي ( حزب د. الترابي) والحركة الشعبية (حركة قرنق) في سويسرا. واتهمت الحكومة الطرفين بناء على تصريح من الترابي أن بالاتفاق بنوداً لم يكشف عنها بنية التنسيق العسكري.
5) وفي يوليو 2002 استجابت حكومة الانقاذ للضغوط الدولية ووقعت اتفاقاً مع الحركة الشعبية ( حركة قرنق).
6) وفي 2003 تم تكوين حركات مسلحة في دارفور: حركة تحرير دارفور التي تحولت لحركة تحرير السودان مقتديةً بنموذج وأفكار ورعاية الحركة الشعبية (حركة قرنق )، وحركة العدل والمساواة التي ينتمي قائدها الدكتور خليل وكثير من قياداتها للجبهة الاسلامية ونظام الانقاذ قبل المفاصلة.
7) وبعد هجوم عنيف على مطار الفاشر في أبريل 2003 شنت حكومة الانقاذ حملة عسكرية عنيفة على الحركات المسلحة واشتعلت الحرب في دارفور.
8) وفي 2005 وقعت الحكومة على اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان انبت على وضع دستوري تكون فيه الدولة بنظامين وجيشين وهو المقترح الذي قدمه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في 2001. تضمّن الاتفاق قيام انتخابات عامة في السودان يتم بعدها إجراء استفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان.
9) ولإنجاح ذلك الاتفاق قبلت أمريكا والدول الغربية نتائج الانتخابات (2010) رغم التزوير كمكافأة لحكومة الانقاذ والمؤتمر الوطني في مقابل السماح للاستفتاء وفصل الجنوب.
10) ومن ضمن الحوافز أرسلت أمريكا إشارات ذكرها قادة الانقاذ أن قضية دارفور شأن داخلي فأطلقت الحكومة يدها في التعامل الوحشي وتبنّت سياسة الأرض المحروقة مع ما ظنته حواضن اجتماعية للحركات المسلحة مما أدى لتهم الابادة الجماعية وجرائم الحرب.
11) استخدمت الحكومة سياسة خلق مليشيات قبلية من مجموعات عربية في مواجهة الحركات التي تمثل القبائل الافريقية، فتم تكوين مليشيات الجنجويد التي تم تقنينها وتسميتها بحرس الحدود ثم لاحقاً تم توسيعها وتسميتها بقوات الدعم السريع في محاولة للخروج من الادانات الدولية وكاستجابة لمطلب حل مليشيات الجنجويد.
12) بعد انفصال الجنوب (2011) وذهاب عائدات النفط تدهور الوضع الاقتصادي وزاد الاحتقان السياسي وقمع النظام بعنف انتفاضة سبتمبر 2013، وصار واضحاً اتجاه البلاد لمواجهات دموية في ظل تعدد الجيوش وتعدد أدوات القمع ومخاطر الانزلاق للفوضى والحرب الأهلية فبرزت تباينات وسط القوى المدنية حول أفضل السبل في مواجهة النظام.
13) رأى أصحاب الهبوط الناعم أن النظام قد فقد كل مقومات بقائه وأن الأزمات تحاصره وأنه بدأ يتصدع من الداخل بانشقاقات عديد من التيارات الاسلامية داخله وأنه سيكون شرساً في معركة بقائه الأخيرة وأنه مستعد لحرق البلاد بمقولة عليّ وعلى أعدائي ولذلك فمن الأفضل ترتيب أولويات التغيير بصورة تضمن سلامة البلد وأولها استبعاد التغيير المسلح لذلك تم الاتفاق مع حركات الكفاح المسلح وتكوين تحالف (نداء السودان) الذي تبنى الخيارات السلمية في التغيير واستبعد الوسائل العسكرية .
14) رأى أصحاب الهبوط الناعم أن هناك عقبات تعترض الانتفاضة والثورة على نمط ثورتي أكتوبر 1964 ومارس/ أبريل 1985 وخلاصة هذا الرأي أن الانتفاضة لها ثلاث مراحل (أو متطلبات) وهي التعبئة الشعبية الواسعة والخروج في تظاهرات تؤكد رفض كتلة كبيرة من المواطنين للنظام القائم وهذا الهدف سهل التحقيق، ثم المرحلة التالية وهي العصيان المدني الذي يشل الحياة في البلاد مما يجبر القوات المسلحة للانحياز للمطالب الشعبية وتغيير النظام. هدف العصيان المدني يمكن تحقيقه ولكن بصعوبة تكمن في أن الانقاذ قد خصصت كل المرافق الخدمية من تعليم وصحة واتصالات الخ فليس من السهل فرض العصيان على تلك الشركات التي لا تغامر بالدخول في مواجهات سياسية تفقدها أعمالها ولا يغامر الموظفون بفقدان وظائفهم هذا فضلاً عن أن النظام تحسب لهذا السيناريو بتكوين كتائب استراتيجية توفر الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه كما يسيطر كلياً على نظام الاتصالات. ولكن على كل حال فالعصيان المدني مع كل تلك المحاذير ليس مستحيلاً. المرحلة الثالثة لنجاح الانتفاضة أو الثورة هي انحياز القوات المسلحة للثورة وعزل النظام وتسليم السلطة للشعب عبر انتخابات تُجرى بعد فترة انتقالية.
15) انحياز القوات المسلحة يحتاج شرطين حتى يتحقق: الأول أن تكون القوات المسلحة قومية القيادة فتستجيب لتطلعات الشعب والثورة والثاني أن تكون محتكرة للسلاح فلا تحدث مواجهات بينها وبين قوات مسلحة أخرى إذا انحازت للشعب. وكلا الشرطين لم يكن متحققاً فقيادات الجيش العليا والأجهزة الأمنية كانت ذات ولاء سياسي لنظام الانقاذ وحزب المؤتمر الوطني، وكذلك لم يكن الجيش محتكراً للسلاح فهناك قوات الدعم السريع وقوات الدفاع الشعبي والقوات الخاصة وكتائب التنظيم (كتائب الظل) وقوات جهاز الأمن وهيئة العمليات والأمن الشعبي وقوات الاحتياطي المركزي. لذلك رأى أصحاب الهبوط الناعم أن يتم الانتقال بصورة سلمية متفاوض عليها على غرار تجربة جنوب افريقيا حيث يعقد مؤتمر جامع يتفق على كل قضايا الانتقال ويحقق العدالة الانتقالية ويكون المؤتمر مراقباً أو عبر تسهيلات الآلية الافريقية المكونة أصلاً لحل مشكلة السودان، وإعطاء هذا السيناريو الأولوية لقلة كلفته ومخاطره على استقرار البلاد وإذا تعذر هذا السيناريو يتم التحول لسيناريو الانتفاضة والثورة مع تحمّل تبعاته ومخاطره الجسيمة.
16) وقد تعذر سيناريو الانتقال المتوافق عليه عبر المؤتمر الجامع بتعنت صقور النظام وفشل الآلية الافريقية العليا (برئاسة أمبيكي) بعد أن تنصل أمبيكي من دعوة قوى نداء السودان ورفض مشاركتها في المفاوضات مع حكومة الانقاذ، في ديسمبر 2018 فلم يبق إلا طريق الانتفاضة.
17) ونتيجة للانقسام داخل جسم الانقاذ وتيقُّن البعض من فشل مشروعهم وضرورة تدارك الأمر قبل فقدان كل شيء وتصريح كثير من القيادات النافذة بضرورة إزاحة البشير عبر عدم ترشيحه لانتخابات 2020، ونتيجة لانصياع الانقاذ للنفوذ الخليجي بقطع العلاقات مع إيران في محاولة لتدارك الأزمة الاقتصادية الناجمة عن ضياع عائدات النفط بانفصال الجنوب تزايد النفوذ الخليجي وعقد صفقات مع مجموعات نافذة داخل النظام بل وتم اختراق النظام في دوائر البشير المقربة.
18) وعندما اندلعت حرب اليمن في 2015 دخل السودان فيما سمي بتحالف دعم الشرعية وشارك بالجنود في تلك الحرب، لا سيما من جنود قوات الدعم السريع ومن هذا المدخل نشأت علاقات خاصة ومباشرة لدول الخليج بالدعم السريع لا سيما الامارات.
19) تزامن الضغط الشعبي الثائر الواسع ضد النظام البائد المكروه مع الانقسام في أوساط النظام مع النفوذ الخليجي مع خطأ البشيرعند اندلاع الثورة بتكوين اللجنة الأمنية لأول مرة حيث كان البشير يتعامل في السابق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية مباشرة مما يصعب اجتماعهم واتفاقهم على ازاحته. كل تلك العوامل أدت لنجاح ثورة ديسمبر الشعبية حيث شاركت فيها كل ولايات السودان بأعداد ضخمة وبصورة جسدت كراهية الشعب السوداني لنظام الانقاذ، بل وشارك في الثورة بعض الجماعات الاسلامية التي كانت تدعم في السابق الانقاذ لا سيما الشباب منهم.
20) وفي ظل هذه التعقيدات نجحت الثورة الشعبية جزئياً بتغيير رأس النظام وبقيت اللجنة الأمنية مترددة في المضي لآخر الشوط يشدها للتردد عاملان: الأول خوفها من المحاسبة جراء الجرائم التي تم ارتكابها في عهد البشير ( ثم لاحقاً في فض الاعتصام في 3 يونيو 2019) والعامل الثاني ضغوط دول المنطقة العربية التي لا ترغب في قيام نظام ديمقراطي حقيقي.
21) كان من مقترحات أصحاب الهبوط الناعم لتجاوز تلك المخاطر أن يتم تطمين المكون العسكري وذلك باطلاق عملية عدالة انتقالية أو ترميمية على غرار لجنة الحقيقة والمصالحة وعبر اشراك المكون العسكري في الفترة الانتقالية لقطع الطريق على ارتمائه في أحضان الثورة المضادة أو القوى الإقليمية لا سيما وأن المكون العسكري بيده السلاح وهو متورط في جرائم فلا يعقل مطالبته بتسليم السلطة للمدنيين لتتم محاسبته، خاصة في ظل توازن القوى المعروف حيث يملك المكون المدني سلاحين: الأول الموقف الوطني والاخلاقي الصحيح والثاني تأييد الشارع الواسع بينما يملك المكون العسكري سلاحين: السلاح المادي العنيف والتأييد والغطاء الاقليمي الواضح والمباشر والغطاء الدولي الذي تتوزع مصالحه بين مكافحة الهجرة لدى الأوربيين ومكافحة الإرهاب لدى الأمريكان والطمع في المواقع والموارد الاقتصادية لدى الصين وروسيا وهكذا. ومن المعلوم أن المجتمع الغربي وهو أكثر هؤلاء حديثاً عن مساندة الحكم المدني كان يغلب حتى في فترة الانقاذ الاستقرار على الديمقراطية ،دعك من مصالحه المباشرة.
22) في 6 أبريل 2019 نجح الثوار في الوصول للقيادة العامة للجيش والاعتصام أمامها، وفي 11 أبريل أعلن وزير الدفاع عوض ابن عوف الاطاحة بحكم البشير وتكوين مجلس عسكري. وتحت ضغط الشارع ورفضه أعلن ابن عوف استقالته في 12 أبريل وتم تعيين الفريق عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري. والمعروف عن ابن عوف تأييده القوي للمشاركة في حرب اليمن وعلاقته القوية بتسليح الجنجويد وكان ضمن الواقعين تحت العقوبات الامريكية بسبب دوره في انتهاكات دارفور.
23) وفي ابريل 2019 تم توقيع اعلان أبوظبي للجبهة الثورية والذي نص على ألا تشارك الجبهة الثورية في الستة أشهر الأولى من الحكومة الانتقالية ( مرحلة ما قبل الانتقال) التي تتولاها قوى الحرية والتغيير لتصل خلال 6 أشهر لاتفاق سلام مع الجبهة الثورية ثم تشارك الجبهة الثورية في الحكومة الانتقالية بعد توقيع اتفاقية السلام التي نص إعلان أبو ظبي على أن تكون بوساطة دولة الإمارات العربية و حلفائها من العرب و الأفارقة و الشركاء من المجتمعين الإقليمي و الدولي (انظر نص اعلان أبو ظبي)
24) بدأ الحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير وقطع شوطاً طويلاً وقبل الجلسة النهائية للمفاوضات أعلن البرهان في 16 مايو 2019 وقف الحوار بحجة عدم الالتزام بوقف التصعيد.
25) وفي 19 مايو 2019 تم استئناف المفوضات بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري.
26) وفي 3 يونيو 2019 تم فض الاعتصام بوحشية من قبل المجلس العسكري بالتزامن في عدة مدن سودانية. وأعلن البرهان تعليق المفاوضات وإلغاء ما تم الاتفاق عليه والعزم على تشكيل حكومة تكنوقراط مما يؤكد أن فض الاعتصام كان انقلاباً كاملاً وسياسة معتمدة من المجلس العسكري مجتمعاً وليس خطأ محدوداً. شاركت في فض الاعتصام كل التشكيلات العسكرية رغم أن تجمع المهنيين قد حمل المسؤولية لقوات الدعم السريع.
27) وفي 30 يونيو خرجت المليونية التي أكدت تصميم الشعب السوداني وأجبرت المجلس العسكري على مراجعة موقفه فسعى للعودة للحوار الذي انتهى بتوقيع مشروع الإعلان الدستوري في 4 أغسطس و الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس بين أحمد ربيع ممثلاً لقوى الحرية والتغيير وحميدتي ممثلاً للمجلس العسكري بوساطة مشتركة أفريقية اثيوبية.
28) الحلقة القادمة نواصل الرصد للفترة الانتقالية والعيوب والأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة التي تسببت في تعثرها ثم نتحدث عن انقلاب 25 أكتوبر وصولاً للحرب الحالية التي ربما يحتاج تحليل أسبابها والجهات التي أشعلتها لا سيما بعد اتضاح مساراتها الداخلية والخارجية واستهداف البنية التحتية والبنية المؤسسية وذواكر الأمة من سجلات ورقية والكترونية ومكتبات الخ، والتخلي عن محاولة كسب السند الشعبي السوداني، يحتاج ذلك التحليل لمجهود أكبر مما هو متداول الآن من تبسيط مخل. وإلى الحلقة الثالثة إن شاء الله
في توصيف حرب رمضان/ أبريل الحالية)
عبد الرحمن الغالي
المصدر: صحيفة التغيير