كردفان بين نزوح جماعي وإغلاق أبواب النجاة.. انتهاكات وبؤس أوضاع

منتدى الإعلام السوداني

الأبيض، 24 نوفمبر 2025، (جبراكة نيوز)   ” الكثيرون من أهل منطقتنا منعتهم قوات الدعم السريع من مغادرة قراهم إلى مدينة الأبيض بعد أن تفاقمت أوضاعهم الإنسانية، هذه القوات تمنع معظم السكان عن الخروج بحجة أنهم سينتمون إلى الجيش بعد نزوحهم إلى المناطق التي يسيطر عليها.. ” ، هكذا تروي إحدى الناجيات من قرى ولاية شمال كردفان وتقيم حاليًا في مدينة كوستي.

احتجاز المواطنين داخل قراهم، ومنعهم من الخروج والتحرك إلى مناطق أكثر أمنًا، مما فاقم من الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهونها، مثل أحد صور المعاناة والانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع على السكان في المنطقة. في ظل تصاعد العمليات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولايات كردفان، تتفاقم معاناة المدنيين بشكل مقلق، وتزايد أعداد القتلى خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى النزوح القسري.

الموت يهدد من يحاولون الفرار

وتروي الناجية في حديثها ل(جبراكة نيوز) ،  أن 5 مدنيين من أفراد عائلتها الممتدة قتلوا ظلمًا على يد عناصر من الدعم السريع، أثناء نزوحهم من منطقة “أبو زبد” بولاية غرب كردفان إلى الأبيض، في حادثة تعكس حجم التهديد والمعاناة التي تواجه المدنيين الفارين من تداعيات الحرب في شمال كردفان.

وأكدت أن الكثير من المناطق تتعرض إلى حصار محكم يمنع المدنيين التواصل مع ذويهم في الخارج، ما دفع بعضهم إلى اللجوء سرًا لاستخدام الشبكات المتاحة للتواصل مع أسرهم في ظروف خطيرة قد تعرض حياتهم للخطر.

ومع تصاعد الصراع، يتأثر المقيمون في مناطق النزاع في كردفان، بوصفهم أكثر الفئات المتأثرة من الأوضاع الميدانية، إذ يعيشون يوميًا تحت خوف وقلق ونقص في الغذاء والدواء، في ظل انعدام تام للخدمات الأساسية.

انتظار على أمل الهدنة

وينتظر بعضهم بحسب ما قالوا لـ”جبراكة نيوز”، أي فرصة لهدنة قادمة على أمل أن تساعد في تخفيف معاناتهم، وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية أو إعادة الحياة إلى مناطقهم، ومع ذلك يبدون تخوفهم من تجدد القتال بشكل أوسع، مما يجعلهم في النهاية ضحايا دائمين للحرب، مؤكدين أنهم أبعد ما يكون عن أحد أطرافها.

عمار اسم مستعار من السكان والعاملين في المجال الإنساني في ولاية شمال كردفان، يقول إن المواطنين يعانون من انتهاكات مروعة، تتم بحقهم في صمت عن العالم، وفق تعبيره. مبيناً في إفادة لـ”جبراكة نيوز”، أن الفترة الحالية تزامنت مع موسم الحصاد في المشاريع الواقعة في الريف الغربي لمدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، مؤكدًا أن الأغلبيه تركوا زراعتهم ومحاصيلهم مكرهين بسبب انتقال الحرب وتداعياتها إلى مناطقهم وأراضيهم الزراعية.

موضحًا أن مساحات شاسعة ممتدة من مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، وحتى مدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، تعرض سكانها ومزارعيها للانتهاكات ما دفعهم للنزوح من قراهم نحو الأبيض، فيما اختار بعضهم السكن في الأراضي الزراعية.

عمليات مستمرة للقتل والنهب المسلح

لفت عمار إلى تعرضهم المستمر إلى عمليات النهب المسلح، من قبل العصابات، وهي فئات مكونة من لصوص وبعض عناصر قوات الدعم السريع، مؤكدًا أنهم يمثلون خطرًا على سكان المنطقة أكثر من الأطراف المتحاربة الرئيسية، في إشارة إلى قوات الدعم السريع والجيش وحلفائه.

موضحًا أن قطاع الطرق الذين يجوبون هذه القرى عبر الدراجات النارية “المواتر”، لأغراض النهب، قد يقتلون الأهالي لأسباب بسيطة تتعلق بمقاومتهم لعمليات السلب، في أبسط الممتلكات قيمة.

منوهًا بأنه بعد طرد قوات الدعم السريع من مدينة بارا، بدأت ظاهرة النهب تختفي تدريجيًا من معظم ولاية شمال كردفان، خاصة في القرى الشرقية، إلا أنه مع عودة هذه القوات للسيطرة على المدينة، عادت الظاهرة إلى الواجهة بشكل أعنف.

وأكد أن من أبرز أسباب نزوح غالبية المدنيين من قرى الولاية، الهجمات المتكررة على الأسواق، وأوضح أن السكان باتوا يتجنبون الشوارع المعروفة والمختصرة، متخذين طرقًا طويلة للوصول إلى مدينة الأبيض رغم تكلفتها العالية إلا أنها تمثل طرقًا آمنة نسبيًا لاتمام معاملاتهم التجارية.

نزوح أفرغ المدن من ساكنيها

وقالت مصادر محلية لـ”جبراكة نيوز”، إن غالبية سكان مناطق شمال وغرب كردفان بعد احتدام الاشتباكات وتصاعد حدة الانتهاكات التي تعرضو لها، نزحوا إلى مدن مثل الأبيض والرهد وأم روابة، فيما اختار بعضهم الفرار شرقًا نحو مدن ولاية النيل الأبيض بما في ذلك كوستي وربك والدويم.

وكانت غرفة طوارئ دار حمر التي توثق وتكشف الانتهاكات عن أوضاع المواطنين في ولاية غرب كردفان رصدت عشرات الانتهاكات التي وصفتها بـ”المروعة” ارتكبتها قوات الدعم السريع في قرى ومدن الولاية خلال الأسابيع الأخيرة.

وأكد أحد أعيان الإدارات الأهلية من منطقة شرق مدينة بارا نزوح نحو 98% من السكان نحو مدن وقرى في ولاية النيل الأبيض، بالإضافة إلى مئات الأسر فرت نحو مدينة أم درمان. وقال أن حركة النزوح والفرار بدأت قبل أشهر بعد تصاعد عمليات النهب والقتل العشوائي الذي مارسته قوات الدعم السريع بحق المدنيين، إلى أن أصبحت هذه القرى فارغة تمامًا من أهلها.

وأضاف في حديثه لـ”جبراكة نيوز”، إن الأوضاع الإنسانية متفاقمة بشكل حاد بين من فروا من قراهم في شمال كردفان لا سيما الذين استقروا في القرى الواقعة غربي ولاية النيل الأبيض، حيث يقيم بعضهم في مبانٍ تقليدية مشيدة من القش، بينما يكتفي آخرين بالإقامة في العراء تحت ظلال الأشجار.

وضع إنساني بائس وقلق دولي

أشار الزعيم الأهلي إلى أن من نزحوا من قرى ومدن كردفان بينهم أطفال ونساء وكبار سن ويواجهون انعدامًا تامًا لمقومات الحياة من علاج وغذاء ومياة صالحة للشرب، وسط تصاعد الأزمات الإنسانية، لا سيما مع دخول فصل الشتاء.

وأكد أن هذه المجموعات لم تجد أي دعم من الجهات الإغاثية المختصة، ودعا في حديثه المنظمات الإنسانية إلى الوصول السريع لهذه المجموعات قبل أن تتفاقم أوضاعهم أكثر.

وفي إحاطة صحفية من عاصمة السودان الخرطوم للصحفيين، الأربعاء 12 نوفمبر 2025، كشفت المديرة العامة لمنظمة الهجرة الدولية عن أرقام كبيرة للنزوح في كردفان، مؤكدة أن حوالي 50,000 شخص نزحوا إثر الأحداث التي وقعت في ولايات كردفان مؤخرًا.

ومن جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الخميس 13 نوفمبر 2025، في تغريدة على حسابه في موقع “إكس” إنه يشعر بقلقٍ بالغ إزاء التقارير الأخيرة التي تتحدث عن تصاعد العنف في إقليم كردفان في السودان، مشددًا على ضرورة وقف تدفق الأسلحة والمقاتلين من الأطراف الخارجية.

وحث غوتيرش الأطراف المتحاربة إلى تمكين تدفق المساعدات الإنسانية بسرعة، للوصول إلى المدنيين المحتاجين، داعيًا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو تسوية تفاوضية للنزاع.

يذكر أن الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع اندلعت منذ 15 أبريل 2023، وأسفرت منذ ذلك الحين عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، وتسببت في نزوح نحو 14 مليون شخص من منازلهم سواء خارج أو داخل البلاد، ووفق الوكالات الأممية أدى الصراع الجاري إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز) للكشف عن الأوضاع والانتهاكات الواسعة التي تمارسها قوات الدعم السريع بحق المدنيين في ولايات شمال وغرب كردفان، ما أدى إلى نزوح شبه كامل للسكان. وتسلّط الضوء على أوضاع إنسانية متدهورة ونقص شديد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية. كما يعرض شهادات من ناجين وعاملين في المجال الإنساني عن حصار وقمع ممنهج طال المدن والقرى والأسواق .

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.