«كرتي» لِما لا يَدعُ المَقاديرَ تجري في أعِنّتها؟
الجميل الفاضل
أتصور أن قَدَّرا كبيرا في هذه البلاد، لا محالة واقع علي تنظيم ما يُعرف بالحركة الإسلامية، قَدَّرٌ ربما بات هو اليوم قاب قوسين أو أدني، أقرب للنفاذ.
بل هو قَدَّرٌ بدا وكأنه قد أنَشبَ بالفعل أظفارهُ وأنيابهُ في فريستهِ تلك، التي تبدو الي الآن حتي، وهي تحت براثن هذا القَدَّر القوية، تبدو مختالة، مزهوة، فخورة.
لا تري يد القُدرةِ وراء صنائع ذلك القَدَّر، الذي أعمي بصرها بشعاع شمس نفاذه الساطعة، وكذا أصم آذانها بوقر يحول بينها وسماع تحذيرات كل صائحة، قبل أن يَسلِبها لُبها، توطئة لوضعها تحت طائلة القانون الذي يحكم دوائر النفاذ، التي من شأنها أن تَستدرجَ من تشاء، من حيث لا يَعلم، الي حيث الأقدَّارُ به تشاء.
لترمي هكذا كل مَقدُورٍ الي أحضان قَدَّرهِ الذي ينتظره في عينِ مكانهِ، وذاتِ زمانهِ، “تسليما وتسلما” كما يُفهم من هذا القول لرب العزة:
“إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم”.
ولكي يقضي اللهُ أمرا كان مفعولا بالحتمِ والضرورةِ، فإنه سبحانه وتعالي يَعرضُ نموذجا من نوعٍ آخر، نموذج يبدو محفزا لمثل هذه المواجهة المُرتقبة، نموذج يقول:
“وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُور”.
فالأقَدَّارُ بطبيعة حالها لا تصنعها الصُدف، إذ هي في الحقيقة أصدق تُرجمان لأقضية مكتوبة وموقوتة، أقضية تظلُ عالقة بلوح الأزل لا تتقدم أجلها الموقوت، ولا تتأخر عن ميقاتها المضروب.
لا يحول بينها والتنزُّل الي حيِّز الفعل، وعلي أرض الواقع، سوي حجاب واحد، دقيق وسميك، هو “حجاب الوقت”، إذ لكل أجل في النهاية كتاب.
أنظر كيف قال تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.
كل مُخْتَالٍ فَخُورٍ، مِثل”علي كرتي” نفسه زعيم هذه الحركة نفسها، الذي كَذَّبَ بآيات هذا النَزعِ الرباني لمُلك حركته، مُستخفا بالنزع أو التغيير، بل ومُسفها للثورة الشعبية التي حدث علي يديها هذا التغيير في ابريل (٢٠١٩)، فضلا عن انه لم يَدعْ الي اليوم مثل تلك المقادير الكبيرة تجري في أعنتها كما يجب، فاستدرجه النَازعُ فيما أظن، من حيثُ لا يَدري ولا يَعلم، الي شِراكٍ أوهَمْته بأن البرتكولات السرية لمؤتمر العيلفون، وسَرابَ غُرفهِ السِتْ الغَارِقةُ الي اللحظة، في إبتداعِ حِيَّلٍ تَعجيزيةٍ عَقيمة تكفي لإستعادة عرشٍ مَنزوعٍ وفق مشيئةٍ إلهية نافذة.. هيهات أن تُقَاومْ، أو بتوهمه علي الأقل قدرة لا يمتلكها، تمنعُ المُؤتي أن يُؤتي ذات المُلكِ المَنزوعَِ، ربما لذات من أراكهم الله الي “كرتي” وجماعته، في أعينهم قليلا، ليقضي مالك الملك في النهاية أمرا كان مفعولا، ثم إليه تُرجعُ الأمُورْ بالطبع، أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا.
هو باطن يبدو أنه سيَرفعُ السِتار عن نبوءة شهيرة قديمة، أطلقها الاستاذ “محمود محمد طه” في سبعينات القرن الماضي، يقول الفصل الاخير منها:
“وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها الي ليل، وسوف تنتهي فيما بينهم، وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا”.
فإن شبح فصل “السوفات” الثلاث، الذي أطل برأسه علي الناس، من نافذة ربما تفتح علي الجحيم، نافذة ظاهرها مزلاجان باديان، هما والي حين إشعار آخر، “الجيش والدعم السريع”.
المصدر: صحيفة التغيير