اخبار السودان

“كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر”: غناها في بورتوريكو ووصل صداها إلى غزة

“كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر”: غناها في بورتوريكو ووصل صداها إلى غزة

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, ماريجوزيه القزي
  • Role, بي بي سي عربي بيروت

“كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر عندما كنت لا تزالين معي، كان يجب أن أقبلك وأعانقك أكثر في كل مرة كانت تسمح لي الفرصة بذلك..”

انتشرت هذه السطور من أغنية باللغة الإسبانية أُطلقت حديثاً، على مقاطع فيديو تجمع صوراً من غزة قبل أن تدمّر بيوتها وأحياؤها في الحرب الأخيرة على القطاع.

استُخدم هذا المقطع من أغنية المغني البويرتوريكي “باد باني” (الأرنب المشاغب) أيضاً لمقاطع فيديو وصور من لبنان الذي نال نصيبه أيضاً من الدمار والألم خلال الحرب مع إسرائيل.

وللمفارقة، أنّ شعبي البلدين لا يتحدثان الإسبانية. وكذلك الحال بالنسبة لأشخاص في نيويورك وباريس ولندن وطوكيو، استخدموا الأغنية، وهم يسكنون هذه المدن الكبرى، إلا أنهم يفتقدون مناطقهم وعائلاتهم وحياتهم السابقة في بلدانهم الأصلية التي هاجروا منها بحثاً عن حياةٍ أفضل.

بكى “باد باني” في فيديو نشره بعدما شاهد آلاف الفيديوهات التي نُشرت على منصتي “تيك توك” و”إنستغرام” بعد وقت قصير من إطلاقه ألبومه الجديد الذي وصل في الأسبوع الثاني لإطلاقه إلى المرتبة الأولى عالمياً في لائحة “بيلبورد” لأفضل 200 ألبوم، ويتوقع كثيرون أن يحطم أرقاماً قياسية عالمية عديدة.

عند صدور الألبوم في وقت سابق من هذا الشهر، دخلت الأغاني الـ17 الموجودة فيه، على قائمة “بيلبورد” لأفضل 100 أغنية. وخلال الأسبوع الماضي، وصلت ثلاث أغنيات إلى المراتب الـ10 الأولى على القائمة، أفضلهم في المرتبة الثانية.

وسّع “باد باني” بذلك رصيده، وأصبح في جعبته 13 أغنية ضمن المراتب العشرة الأولى من القائمة، وهو رقم قياسي في عدد الأغاني غير الإنجليزية في تاريخ “بيلبورد”.

إلا أنّ السؤال الأبرز يبقى هنا، ما الذي يجمع بين بورتوريكو، غزة، وبيروت؟ وكيف استطاع مغنّ ناطق بالإسبانية أن يحتلّ العالم الرقمي بأغانيه؟

“الأرنب المشاغب” ناشطاً سياسياً

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه نهاية

“كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر” هو عنوان الألبوم. وهذا هو عنوان الأغنية التي انتشرت في العالم العربي أيضاً. وتكمل الأغنية بالتالي: “أتمنى ألا يغادر شعبي أبداً (البلاد). وإن أصبحت ثملاً الليلة أن يساعدوني”.

أهدى “باد باني” أو بينيتو أنطونيو مارتينيز أوكاسيو (30 عاماً)، هذا العمل لبلده بورتوريكو، الذي اضطر لمغادرته بعد شهرته وإمضائه الكثير من الوقت إمّا في بلدان يزورها لإقامة حفلات، أو في الولايات المتحدة، التي تعتبر أثقل مركز فني غنائي في العالم، لمتابعة أعماله.

وعلى الرغم من أن أغاني الألبوم شخصية جداً وتعبر عن مشاعر المغني نفسه وشعوره بالفقدان والاشتياق والألم، إلا أنها أيضاً سياسية جداً وتحمل مفاهيم أشمل.

وفي أكثر الأغاني صراحة على الصعيد السياسي، “ما حصل لهاواي”، التي يقول فيها “باد باني”: “يريدون أخذ النهر والشاطئ أيضاً، يريدون أخذ الحي الذي تربيت فيه، وأن تخرج منه جدتي”.

فبورتوريكو، هي جزيرة في البحر الكاريبي، تتمتع بالحكم الذاتي لكنها من أقاليم الكومنولث الأمريكي، أي لا تزال مرتبطة بالولايات المتحدة. ويتمتع البورتوريكيين بالجنسية الأمريكية، لكنهم يفتقدون الكثير من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الأمريكيون، ذلك لأن بورتوريكو ليست ولاية أمريكية.

بقيت بورتوريكو في النهاية، خارج اتحاد الولايات الأمريكية، ولم تحصل في الوقت نفسه على استقلال كامل، أي لم تصبح جمهورية مستقلة.

باد باني باستضافة جيمي فالون على شبكة أن بي سي الأمريكية

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، “باد باني” باستضافة جيمي فالون الذي يحمل غلاف ألبومه الجديد على شبكة “أن بي سي” الأمريكية

أما بالنسبة لجزيرة هاواي، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد ضمتها إلى أراضيها عام 1898، بحسب ما يؤكده أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، وذلك بعد هزيمة الولايات المتحدة لإسبانيا في الحرب الإسبانية الأمريكية. ثم جعلت منها الولاية الأمريكية الخمسين في 21 أغسطس/آب 1959.

يبدو “باد باني” هنا قلقاً على أن تلقى بورتوريكو المصير ذاته، بعد أن شاهد أراضي وبيوت الجزيرة تباع “للغرباء” من الولايات المتحدة، ويهاجر البورتوريكيون من الشباب إلى الخارج، بحثاً عن أعمال أفضل، بحسب المغني.

ويكمل في الأغنية قائلاً: “كلا، لا تتخلوا عن العلم ولا تنسوا الليلولاي (أغنية فولكلورية بورتوريكية)، لا أريد أن يفعلوا بكم، ما فعلوه بهاواي”.

ويطلب الأمر نفسه في الأغنية الختامية للألبوم “تغيير المسكن” والتي يقول فيها: ” لن يطردني أحد من هنا، لن أذهب إلى أي مكان. قل لهم إن هذا هو وطني، حيث ولد جدّي. أنا من بورتوريكو. قل لهم يا دييغو، قل لهم، أنا من بورتوريكو”.

تراسلني صديقتي من بيروت، بعد أن رأت غلاف الألبوم الذي يصوّر كرسيين أبيضين من البلاستيك وسط بستان للموز قائلةً: “لا أصدق كم يشبهوننا شعوب أمريكا اللاتينية! أحببت غلاف الألبوم كثيراً. هل كنتِ تعلمين أن هذه الكراسي اسمها كراسي المونوبلوك؟” مع وجوهٍ ضاحكة.

وتستخدم الكراسي البلاستيكية بكثرة في لبنان ودول عربية كثيرة أخرى، في البيوت والحدائق. وكان من الممكن أن يكون غلاف ألبوم “باد باني” قد صوّر في صيدا أو صور اللتان تشتهران في زراعة الموز في لبنان ولم نكن لنجد أي فارق.

وفي أوجه الشبه أيضاً بين بورتوريكو وبعض الدول العربية أيضاً، ومن بينها لبنان، انقطاع الكهرباء.

إذ تعاني بويرتوريكو بشكل متكرر من انقطاع تام للكهرباء وظلام حالك، بفعل البنى التحتية الهشة في هذا القطاع، وقد أشار “باد باني” إلى ذلك بأغاني عدة خلال مسيرته وفي هذا الألبوم أيضاً.

وقد تعطينا أغنية “توريستا” (سائح/ة) أيضاً، فكرة إضافية عن شعور المغني بالألم الذي يعاني منه شعبه. إذ يشكي فيها من أن السياح الذين يزورون بلاده، يرون فقط “الأفضل مني وليس أنني أعاني”. ويضيف: “ذهبتي من دون أن تعلمي سبب جروحي. ولم يكن من واجبك أن تشفيهم، أتيتِ فقط لقضاء وقت ممتع، وفعلنا ذلك سوياً”.

يشير المغني في ذلك إلى أن شعبه ورغم جروحه، يحب الاحتفال والفرح. ويبدو ممتناً لذلك أيضاً في أغنية أخرى، “الرقصة التي لا تُنسى”، حيث يقول للشابة التي يحبها، وهي هنا أيضاً بورتوريكو، “كلا، لا يمكنني أن أنساكِ، لا يمكنني أن أمحوكِ، فقد علّمتني كيف أحب، علّمتني كيف أرقص”.

الموسيقى كهوية ثقافية

شواطئ بويرتوريكو

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، شواطئ بويرتوريكو

استخدم “باد باني” في أغانيه، جميع أنواع الموسيقى المرتبطة ببورتوريكو، وأبرزها “البلينا” و”البومبا” و”السالسا” التي انطلقت من جرز الكاريبي وبينها بورتوريكو، و”الريغاتون”، الذي انطلق في أشكاله الأولى من بنما، إلا أنه كان لبورتوريكو الفضل في تحديثه بالشكل الذي نعرفه فيه اليوم وبتصديره إلى العالم.

وكانت الشرطة في بورتوريكو، تلاحق في تسعينيات القرن الماضي، من يسمع أو يذيع موسيقى الريغاتون، لأنها “غير لائقة أخلاقياً”، إذ كانت تحتوي على كلمات غير لائقة وعنيفة وتتحدث عن المخدرات.

وفي فبراير/شباط 1995، داهم مكتب “مكافحة المخدرات والرذيلة” التابع لقسم الشرطة في بورتوريكو، ستة متاجر تسجيلات في منطقة سان خوان، وصادر 400 شريط كاسيت وأقراص مضغوطة وقام بفرض رقابة كبيرة على موسيقى الريغايتون.

انضمت وزارة التعليم بالجزيرة بعد ذلك إلى الحملة، وحظرت الملابس الفضفاضة في المدارس، في محاولة للتضييق على ثقافة الهيب هوب والريغاتون.

وبقي هذا التضييق الفني على الريغاتون حتى العام 2003. وفي عام 2004، اجتاحت أغنية “غاسولينا” للمغني البورتوريكي “دادي يانكي” العالم. ولا تزال حتى يومنا هذا، أحد أكثر أغاني الريغاتون شهرة على الإطلاق.

وفي يوليو/تموز من عام 2019، تظاهر البورتوريكيون ضد الحاكم ريكاردو روسيلو لحوالي أسبوعين، احتجاجاً على فضيحة فساد محلية، واستطاعوا إجباره على الاستقالة. وكان ذلك كله على أنغام موسيقى الريغاتون أيضاً.

الاستعانة بمُحاضر في التاريخ

المغنيان

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، المغنيان “ريزيدينتيه” (على اليمين) و”باد باني” (على اليسار) ينضمان إلى آلاف المتظاهرين المحتجين ضد ريكاردو روسيلو، حاكم بورتوريكو في 17 يوليو/تموز 2019 أمام مبنى الكابيتول في سان خوان القديمة، في بورتوريكو

أعطى المغني بعداً سياسياً إضافياً لعمله الفني، حين استعان بمحاضر في التاريخ البورتوريكي في جامعة ويسكونسينماديسون الأمريكية، هو البروفيسور جوريل مينديليزباديو، لكتابة نصوص من تاريخ البلاد على غلاف كل أغنية من الأغاني الـ17، يخبر فيها جزءاً من أجزاء تاريخ الجزيرة السياسي والاجتماعي، ابتداءً من عام 1508 في مرحلة أسماها بـ”الاستعمار الأول لبورتوريكو” وحتى يومنا هذا، في مرحلة حدد بدايتها في عام 2006 ووضع “جيل الأزمة” عنواناً لها، مروراً بمراحل عدة، بينها موجة الهجرة من الجزيرة إلى الولايات المتحدة، ابتداءً من أربعينيات القرن الماضي.

وكان من الملفت أيضاً، أن أستاذ التاريخ، تطرق أيضاً في نصوصه هذه على أغاني “باد باني”، إلى الحيوانات المتوطنة في بورتوريكو والتي هي على شفا الانقراض.

قدّم لنا “الأرنب المشاغب” إذاً ألبوماً غنائي ليكون بمثابة ملف تعريفي بتاريخ بورتوريكو لكل من يسمعه ويقرأ النصوص المرفقة فيه.

وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من الأعمال الفنية عادةً ما لا يحصد روجاً عالمياً بهذا الشكل، خصوصاً أيضاً أنه يغنّي بالإسبانية، إلا أنه يبدو أن لـ”باد باني” سحراً خاصاً، أو ربما طريقة تسويق خاصة أيضاً.

واستطاع “باد باني” أن يحتل المرتبة الأولى للمغنين الأكثر سماعاً في العالم أجمع (في جميع اللغات)، على تطبيق “سبوتيفاي” لثلاث سنوات متتالية، هي 2020 و2021 و2022.

واستطاع عام 2022 أيضاً، أن يصبح أكثر مغني لاتيني تُسمع أغانيه في التاريخ على “آبل ميوزك”. وفي عام 2024، حصل على اللقب نفسه على “سبوتيفاي” أيضاً. بالإضافة إلى أرقام قياسية أخرى، منها ما يتعلق بمستوى أرباح حفلاته كذلك.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *