مناظير الاربعاء 10 يوليو، 2025
زهير السراج
* لم يكن مستغرباً أن يعجز الدكتور كامل إدريس عن تشكيل حكومته رغم مرور شهرين كاملين على تكليفه، بعد أن اختار طوعاً أن يغوص في مستنقع الانقلابيين والكيزان، ورفض كل النصائح من الوقوع في شراكهم! لقد ظن أنه قادر على المناورة والاحتفاظ باستقلاله، فإذا به يجد نفسه مكبلاً بالأوامر والتعليمات، يتلقى توجيهاته من البرهان والكباشي وعلي كرتي وقادة المليشيات كما يتلقى العسكري المستجد الاوامر من التعلمجية!
* شهدنا على يديه تجربة عبثية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً: تشكيل حكومة بالتقسيط المريح! وزير الدفاع فرضه الكباشي، ووزير الداخلية جاء بأمر مباشر من البرهان، ثم فجأة خرج علينا قبل أيام بمجموعة من الوزراء قيل إنهم “تكنوقراط مستقلون”، بينما الحقيقة أن اثنين منهم من أبناء الحركة الإسلامية، أما الثالث فقد ظل يدّعي الثورية حتى عُرض عليه المنصب، فانكشفت حقيقته في لحظة برق، وزاغ بصره وانحنى للكرسي ناسياً ماضيه الثوري المزعوم إن كان له ماض ثوري في الأصل !
* المضحك ان هذا الثوري الذي عُرف بحبه للظهور والأضواء ادّعى قبل عشرين عاماً أن ملكة السويد منحته ميدالية التفوق العلمي لاكتشاف علمي غير مسبوق في مجال طفيل مرض النوم “التريبانوسوما”، وصدَّق الكذبة يومها بعض البسطاء والإعلاميين، فخرج علينا تلفزيون السودان في زمن الإنقاذ البائد ليحتفي بـ”العبقري” ويخصص له يوماً كاملاً على الهواء مباشرة، ولم يظهر للاكتشاف العلمي المزعوم اثرا حتى اليوم إلا في الأوهام!
* أين هي “حكومة التكنوقراط المستقلة” التي وعدتنا بها يا دكتور إدريس، وهل من الاستقلال في شيء أن تُملَى عليك أسماء الوزراء من غرف العسكر وجحور الكيزان وقاعات المليشيات؟! هل من الاستقلال أن تُجبر على إبقاء وزارات المالية والمعادن والرعاية الاجتماعية تحت سيطرة عصابة جوبا التي هددتْ بكل وقاحة : إما أن تبقى هذه الوزارات بأيديهم، أو يسحبوا دعمهم من الجيش، فتدخل الحلمان وأمرك بإعادة تعيينهم كما يشاؤون، وكأنك مجرد سكرتير لديه، لا رئيس وزراء لحكومة زعمتَ أنها “مدنية انتقالية مستقلة”!
* لقد وضح جلياً أن كامل إدريس لم يكن إلا غطاءً مدنياً زائفاً لحكومة انقلابية يختار لها العسكر والكيزان مَن يريدون لتولي المناصب الوزارية وغيرها، إما مِن عصابتهم أو مِن الانتهازيين الذين يلهثون وراء الشهرة والأضواء ليبقوا راكعين تحت أقدامهم، بينما تتنازع مليشيات جوبا الوزارات كما تتنازع الذئاب على فريسة. لم يأتِ الرجل بمشروع، ولم يملك حرية اختيار فريقه، ولم يصمد أمام ضغط العسكر والكيزان، فخان وعوده، وخذل من أحسنوا به الظن.
* من أراد أن يكون جزءاً من منظومة الكيزان والقتل والنهب فليتحمل تبعات اختياره، وقديماً قال المتنبي:
مَن يهن يسهل الهوانُ عليه ** ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ !!
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة