تحولت قرية ترسين بجبل مرة إلى ركام بعد أن جرفتها انزلاقات أرضية عنيفة نجمت عن أمطار غزيرة، لتسجَّل واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في دارفور، حيث أكدت حركة تحرير السودان مجدداً، مقتل أكثر من ألف شخص، واعتبرت أن القرية محيت بالكامل من الوجود..

التغيير: الخرطوم

شهد إقليم دارفور واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية، بعد أن انهارت قرية ترسين بالكامل نتيجة انزلاقات أرضية حادة في منطقة جبل مرة بدائرة أمو.

وأعلنت السلطة المدنية في الأراضي المحررة التابعة لحركة/ جيش تحرير السودان، الاثنين، أن أكثر من ألف شخص فقدوا حياتهم الأحد في قرية ترسين، إثر انزلاقات أرضية واسعة أعقبت هطول أمطار غزيرة الأسبوع الماضي.

وأكدت السلطة في بيان أن الكارثة أزالت القرية من الوجود تمامًا، ولم ينجُ من سكانها سوى شخص واحد، مشيرة إلى أن المنطقة المنهارة كانت من أشهر مناطق جبل مرة لإنتاج الموالح.

رد الحركة على التشكيك

وقال المتحدث باسم حركة تحرير السودان (قيادة عبد الواحد نور)، محمد عبد الرحمن الناير، إن الأنباء التي شككت في صحة تصريحات الحركة حول مقتل أكثر من ألف شخص «لا أساس لها من الصحة»، مؤكداً أن ما نقلته الحركة «دقيق وموثق».

وأوضح الناير، في تصريح لـ«التغيير»، أن «هذه المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرها “فلول النظام البائد” وأذيالهم في سلطة بورتسودان»، حسب قوله، مضيفاً أن الحركة «تعرف أهدافهم ومراميهم من وراء هذا التشكيك».

وتساءل: «ما مصلحة الحركة في فبركة أحداث لم تقع؟ وهل هم أدرى من السلطة المدنية بالأراضي المحررة، وهي الجهة المختصة؟».

وكان إعلان الحركة قد أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات بالتأكد من حجم الخسائر.

تحليل جيولوجي: جبل بركاني خامد

وفي السياق، أكد الخبير في علوم المساحة والأرض، عبد الكريم الأمين، أن جبل مرة يقع في نطاق جيولوجي بركاني خامد يمتد لمسافة 250 كيلومتراً طولاً، وبعرض يتراوح بين 80 و100 كيلومتر.

وأوضح الأمين لـ«التغيير» أن المنطقة ذات تضاريس حادة وشديدة الانحدار، وتكثر فيها التعرجات الطبوغرافية، ما يجعلها عرضة للانزلاقات والانهيارات الأرضية في حال تزايد معدلات الأمطار أو حدوث نشاط جيولوجي مفاجئ.

وأشار إلى أن المنطقة شهدت في عام 2018 مظاهر مشابهة، حيث ظهرت تشققات في التربة على بعد نحو 500 كيلومتر من جبل مرة، كما سُجِّل نشاط أرضي في بابنوسة أثّر على تماسك التربة. واعتبر أن هذه السوابق تؤكد أن ما جرى في ترسين «جزء من نمط جيولوجي أوسع يحتاج إلى دراسة دقيقة».

وأضاف أن الانهيار الأخير في ترسين تمثل في «انزلاق طبقات التربة وهبوط تام لمساحة القرية»، وهو ما وصفه بالمؤشر المخيف، خصوصاً مع ترافق الحادثة مع هطول أمطار غزيرة تجاوزت معدلاتها الطبيعية.

وحذر من خطورة ما يُعرف بـ«الأمطار البركانية»، وهي ظاهرة تحدث عندما تختلط الغازات والغبار البركاني مع الرطوبة فتسقط على شكل أمطار ملوثة تؤثر على الغطاء النباتي والموارد المائية والهواء.

ودعا الأمين إلى استخدام صور الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة لرصد حجم الانهيارات وتقدير المخاطر المستقبلية، مع الاستعانة بالمنظمات الدولية المختصة في رصد الزلازل والكوارث الطبيعية.

نداء إنساني من عبد الواحد نور

وأصدر رئيس حركة/ جيش تحرير السودان، عبد الواحد محمد أحمد النور، بياناً عاجلاً أكد فيه أن الكارثة «محت القرية من الوجود»، وأن جميع سكانها تقريباً قضوا تحت الأنقاض.

ووصف الحادثة بأنها «مأساة إنسانية مروعة»، مشيراً إلى أن حجم الضحايا والدمار يتجاوز قدرة السلطات المحلية على التعامل معها.

وطالب النور الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإقليمية والدولية بالتدخل السريع، عبر إرسال فرق متخصصة للبحث والإنقاذ وانتشال الجثث، داعياً كذلك إلى وضع خطة عاجلة لإجلاء القرى المجاورة المهددة بخطر الانزلاقات، وتوفير سكن بديل للمتأثرين.

وأكد أن احتمالات تكرار الكارثة قائمة في ظل استمرار الأمطار وتوقعات بحدوث انزلاقات إضافية، محذراً من أن «التأخر في التحرك الدولي سيؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا».

من جهته، أعرب حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، عن أسفه العميق للحادثة، مؤكداً أن حكومته تتابع الموقف عبر قنواتها الرسمية.

وقال إن السلطات تعمل على التنسيق مع الجهات الوطنية والمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات العاجلة، بما يشمل إرسال فرق إلى مواقع الحدث وتقدير حجم الأضرار.

وشدد مناوي على ضرورة إجلاء المواطنين من المناطق المعرّضة لمخاطر مشابهة في محيط جبل مرة، مؤكداً أن حكومته ستسعى لتوفير مأوى مؤقت للناجين، بجانب العمل مع الشركاء الدوليين لتعبئة الدعم اللوجستي والإنساني.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.