حسن أبو زينب عمر
مرة أخرى نجلس مجبرين لمشاهدة مسلسل رديء الإخراج قميء الانتاج كارثي النتائج أبطاله (من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) وضحاياه قطاع عريض من مهمشي الهامش ارادت الأقدار أن يرتبط عيشهم ومصدر رزقهم بميناء عثمان دقنه في سواكن وأنا هنا لا أضيف جديدا إذا قلت ان تشييد الميناء بث الروح في هذه المدينة التي جار عليها الزمان فاستطالت وتمددت بضواحيها وامتداداتها طولا وعرضا وهي رميم بعد ان تدفق نحوها وأتى اليها من كل فج عميق كل الباحثين عن فرص العمل من كل الأطياف الاثنية في السودان.
(2)
حبل صرة أسواقها وفنادقها ومطاعمها ومقاهيها بل كل أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية مرتبط بشرايين الميناء كجوع كل دم الغريق الى الهواء كما يقول السياب فاذا كانت مصر هبة النيل كما يقول المؤرخ (هيروديت) فان سواكن هبة ميناء عثمان دقنه كما يقول الواقع المعاش وأي هزة في الميناء هي هزة للمدينة التي تعيش وتعتمد عليها الاف الاسر.
(3)
لأن الظروف والامكانيات لا تساعد هذا الفئات لشراء كميات كبيرة من السلع من الأسواق السعودية فهي تلجأ عادة الى عمل شراكات ومساهمات لشراء كميات صغيرة من السلع تدخل ميناء سواكن محمولة فوق ظهر طبليات لبيعها والتكسب منها بعد تسديد كل الرسوم والضرائب المستحقة والمطلوبة من الجمارك على (دائر المليم) وهي رسوم تتزايد من حين لآخر وتضع مزيدا من الأعباء على كاهل هؤلاء المساكين بإصدار فرمانات ضاغطة جديدة.
(4)
مهنة مارسوها منذ عشرات السنين وأصبحت مصدر الرزق الوحيد لهم. الآن وتحت مبرر تطوير الأداء وتنظيم المهنة عادت إدارة الجمارك مجددا واتجهت كما جرت العادة الى (الحيطة الأقصر) بإعادة انتاج القرار الأسهل تنفيذا والأكثر دمارا في هذه المعادلة وهو تخصيص قضية التصدير والاستيراد لأجسام اعتبارية كبيرة مثل الشركات ورجال الأعمال بموجب رخص تصدير واستيراد وأن يكون التعامل عبر البنوك وهو قرار سينتهي قطع شك الى قطع أرزاق الآلاف بدفعها الى هاوية البطالة والتشرد والضياع والسبب كيف ومن أين ستأتي هذه الفئات المستضعفة بسجلات تجارية وشهادات استيراد وتصدير وحسابات في البنوك ؟.
(5)
بات واضحا وبالتجارب الكثيرة ان إدارة الجمارك تتعامل مع هذه الطبقات المسحوقة التي تكافح سحابة يومها تحت الشمس اللاهبة والرطوبة الخانقة لتحقيق حد الكفاف من المتطلبات الضرورية بقسوة مطلقة وعنجهية غير مبررة دون دراسة واعية للتداعيات والآثار السالبة على هذه المجتمعات التي تعمل (رزق اليوم باليوم) لأن التنمية والتطوير تجيران دائما في العالم الذي يحترم إنسانية الانسان لصالح هذا الانسان بل يتصدر مبدأ توفير العمل للعطالة هدف علم الاقتصاد في العالم ودونه التشريد والحرمان والبهدلة وتضييق الخناق وهو سبب مباشرلانتاج الجريمة التي انتشرت مؤخرا بصورة مخيفة .
(6)
لا أحد يطالب باستثناء هذه الفئات الضعيفة من الضرائب والاتاوات والرسوم فهم جاهزون لتسديدها حسب القوانين ولوائح التي تراعي ظروفهم وامكانياتهم أما أن يكون الحكم هو شطب المهنة وقطع الأرزاق فلن يقبل به أحد سيما وان هناك تسريبات بأن ورائها جماعة دارفور الذين يخططون لاحتكار مجمل الحراك الاقتصادي ووضع اليد عليه بإحلال رجال أعمال تابعين لهذه الاثنية يتصدر نشاطهم وزير المالية جبريل وقد حاولوا تنفيذ نفس الهدف في هيئة الموانئ فوقفوا لهم بالمرصاد وبروح النمر الجريح وأفشلوا مخططهم.
(7)
الجميع يعرف الظروف التي يمر بها السودان ولا أحد يريد أن يفتح جبهة جديدة تنكأ مزيدا من الجراح المتقيحة. ولكن كل شيء مقدور عليه الا قطع (الأرزاق) التي هي أكثر وجعا من قطع (الأعناق) فسجل هذه الفئات ومعظمها تعيش في الضواحي والأطراف المنسية من سواكن برئ من المخالفات. لا يعرف تاريخهم تهريب الذهب ولم يتهمهم كائنا من كان بالتورط في جرائم ادخال المخدرات بالكونتينرات. يتجهون مع خيوط الفجر الى الميناء بأمل العودة الى أطفالهم بحفنة مصروفات من تجارة هامشية دفعوا لها جماركها المستحقة بالغالي والرخيص. يمدون حبال الصبر بأمل أن يفرجها الله ولكن أخشى ما أخشى والجوع والحرمان ينهش في الأجساد أن يلجأوا الى علاج الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي قال ذات مرة (أعجب لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج الى الناس شاهرا سيفه). فهذا حقهم الذي لا ينازعهم فيه أحد وهذا خيارهم الذي لا يملكون غيره .. اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.
حسن أبو زينب عمر
المصدر: صحيفة الراكوبة