رباب محمد الحسن
تطبيق إسرائيلي خفي في هواتف سامسونج.. يجمع البيانات ويستهدف الشرق الأوسط دون علمنا.
في تصريح أثار الجدل مؤخراً، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام وفد من الكونغرس الأمريكي كانوا في زيارة لإسرائيل : “هل لديك هاتف محمول؟ إذن أنت تحمل قطعة من إسرائيل هنا، هل تعلم ذلك؟”، مشيراً إلى الدور الإسرائيلي في صناعة التكنولوجيا، بما في ذلك الهواتف الذكية. لم يكن هذا الكلام مجرد تباهٍ سياسي؛ فقد تزامن مع تحقيقات صحفية وتقارير أمنية تكشف عن وجود تطبيق إسرائيلي “متغلغل” في هواتف سامسونج المبيعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يجمع بيانات المستخدمين دون موافقتهم، ولا يمكن حذفه بسهولة.
التطبيق المقصود هو “AppCloud” الذي طورته شركة “IronSource” الإسرائيلية (مقرها في تل أبيب، ويقودها الإسرائيلي تومر بار زئيف حتى بعد استحواذ الشركة الأمريكية Unity عليها في 2022). يُقدم التطبيق نفسه كأداة لاقتراح ألعاب وتطبيقات، لكنه في الواقع يعمل في الخلفية لجمع بيانات حساسة تشمل: عناوين IP، بصمات الجهاز (للتتبع الدقيق)، بيانات بيومترية (مثل ملامح الوجه وبصمات الأصابع)، معلومات الشبكة، وتفاصيل الجهاز. هذه البيانات تُرسل إلى خوادم غير معلنة، مما يثير مخاوف أمنية في منطقة تشهد توترات سياسية وعسكرية، خاصة بعد حوادث مثل تفجيرات الأجهزة في لبنان عام 2024، التي اعتمدت على تكنولوجيا إسرائيلية للتجسس والاستهداف.
قصة التطبيق: شراكة سرية بين سامسونج وإسرائيل
بدأت القصة في عام 2022، عندما أبرمت سامسونج اتفاقية شراكة حصرية مع IronSource لدمج منصة “Aura” (التي يُعد AppCloud جزءاً منها) في هواتفها. أُعلنت الشراكة كوسيلة لـ”تحسين تجربة المستخدم” عبر اقتراحات ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لكن التحقيقات كشفت أنها تتجاوز ذلك إلى جمع بيانات واسع النطاق دون إفصاح واضح. وفقاً لتقرير منظمة SMEX (منظمة غير ربحية للحقوق الرقمية في غرب آسيا وشمال أفريقيا)، يُثبت التطبيق مسبقاً على هواتف Galaxy A وM (الفئات الاقتصادية الأكثر مبيعاً في المنطقة، حيث يُقدر شحن Galaxy A وحدها بـ89 مليون وحدة في 2024)، أو يُنزل تلقائياً عبر تحديثات النظام دون موافقة المستخدم.
لماذا الشرق الأوسط تحديداً؟ التحقيقات تشير إلى أن التطبيق مخصص لأسواق غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA)، بما في ذلك لبنان، مصر، الأردن، المغرب، سوريا، العراق، وتركيا، ولم يُكتشف في أجهزة تباع في أوروبا أو أمريكا. هذا يثير تساؤلات حول الامتثال لقوانين مثل اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR)، التي تحظر مثل هذه الممارسات، بينما تفتقر الدول العربية إلى تشريعات صارمة مشابهة.
في رسالة مفتوحة إلى سامسونج في مايو 2025، طالبت SMEX بالشفافية الكاملة حول كيفية عمل التطبيق، وتمكين المستخدمين من حذفه، معتبرة أن الإجراءات الحالية تنتهك قوانين الخصوصية في المنطقة. ووصفت المنظمة التطبيق بأنه “بلواتوير غازي” (bloatware invasive)، يُثبت بدون موافقة ويُجمع بيانات بيومترية دون إخطار.
كيف تكتشف التطبيق وتحد منه؟
للتحقق من وجود AppCloud على جهازك (خاصة إذا اشتريته في الشرق الأوسط):
- اذهب إلى الإعدادات> التطبيقات> البحث.
- اكتب “AppCloud” (بدون مسافة).
- إذا ظهر، حاول تعطيله: اضغط عليه> “تعطيل” (لكن هذا لا يمنع عمله الكامل في الخلفية).
الحذف الكامل يتطلب مهارات متقدمة، مثل استخدام أداة ADB (Android Debug Bridge) أو عملية “روت” للجهاز، مما قد يبطل الضمان. خبراء أمنيون يحذرون من أن التحديثات قد تعيد تثبيته.
الآثار الأمنية والسياسية: هل هو مجرد تجسس أم أداة استهداف؟
في سياق التوترات الإقليمية، يُرى التطبيق كتهديد محتمل للأمن القومي. يمكن للبيانات المجموعة (مثل الموقع والسلوكيات) أن تُستخدم للتتبع أو الاستهداف، كما حدث في عمليات إسرائيلية سابقة ضد حزب الله. على وسائل التواصل مثل X (تويتر سابقاً)، انتشرت التحذيرات منذ نوفمبر 2024، مع آلاف التغريدات تطالب بمقاطعة سامسونج، ووصف المستخدمين التطبيق بـ”الجاسوس في جيبك”.
الجهات الرقابية العربية لم تصدر تعليقاً رسمياً حتى الآن، رغم الشكاوى على منتديات مثل Reddit ومجتمع سامسونج الرسمي. خبراء يرون أن هذا “تطبيع تقني صامت”، يُستغل ضعف التشريعات في المنطقة لجمع استخبارات.
في الختام، تصريح نتنياهو لم يكن صدفة؛ أنه تذكير بأن الهواتف ليست مجرد أدوات اتصال، بل أبواب مفتوحة للرقابة. هل ستتحرك الدول العربية لفرض رقابة على الشركات الأجنبية، أم سيبقى الأمر “قطعة من إسرائيل” في جيوبنا؟ الإجابة تكمن في إجراءاتنا اليومية: تحقق من جهازك، وفكر مرتين قبل التحديثات، وادعم السيادة الرقمية المحلية.
المصادر: عربي بوست
SMEX: منظمة غير ربحية لبنانية تعمل على تعزيز وحماية الحقوق الرقمية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
المصدر: صحيفة التغيير