بينما تكثف الحكومة السودانية دعواتها العلنية للمواطنين للعودة إلى العاصمة الخرطوم بعد أن هٌجروا بسبب الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، صدر مؤخرًا قرار رسمي يُجمّد جميع أعمال صيانة المنشآت والمرافق الحكومية بالولاية..

التغيير: الخرطوم

رغم إصرار السلطات الحكومية على أن الأوضاع في الخرطوم تتحسن وأن العاصمة باتت مهيأة لاستقبال سكانها، فإن القرار الحكومي الأخير يقر ضمنيًا بعدم جاهزية المرافق الحكومية الأساسية لتقديم الخدمات، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية تلك الدعوات.

في أواخر يوليو، أصدر الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم، عضو مجلس السيادة الانتقالي ورئيس اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين، القرار رقم (22) لسنة 2025 بوقف أعمال الصيانة، مستندًا إلى قرار سابق لمجلس السيادة (رقم 153) الذي قضى بتشكيل اللجنة المعنية بإعادة تأهيل العاصمة.

نصّ القرار على التوقف الفوري عن جميع أعمال الصيانة في منشآت ومرافق ولاية الخرطوم، وشدد على أن تلتزم كل الجهات ذات الصلة بتنفيذه دون تأخير.

ويأتي القرار في توقيت بالغ الحساسية، إذ تحاول الحكومة إعادة ترتيب أولوياتها المالية والخدمية في ظل شح الموارد وتحديات إعادة الإعمار عقب عامين من الصراع الداخلي.

وأثار القرار تساؤلات المواطنين بشأن جدوى تجميد صيانة مؤسسات خدمية أساسية، في وقت تُوجَّه فيه إليهم دعوات بالعودة إلى مدينة ما تزال تعاني من انهيار واسع في البنية التحتية وانعدام شبه تام للخدمات الأساسية.

نقل الوزارات

سبق القرار توافق حكومي على نقل مقار الوزارات والهيئات الرسمية إلى مجمع أكاديمية الأمن بمنطقة سوبا جنوبي الخرطوم، كحل مؤقت يخفف الضغط عن وسط المدينة ويقلل الحاجة إلى صيانة المباني المتضررة هناك.

كما تخطط الحكومة لإعادة توجيه الميزانيات المخصصة للصيانة نحو تأهيل خدمات الكهرباء والمياه، وهما خدمتان حيويتان تعانيان من شلل شبه كامل في أجزاء واسعة من العاصمة.

وتُفهم هذه الخطوة باعتبارها محاولة لوقف الهدر المالي في صيانة مبانٍ متضررة وغير صالحة للاستخدام. إلا أن غياب خطة واضحة لتعويض المؤسسات التي أُغلقت أو دُمّرت، يفاقم الفراغ الإداري والخدمي، ويزيد من حالة الغموض لدى المواطنين بشأن فرص العودة.

وما تزال غالبية المؤسسات الخدمية، مثل المدارس والمراكز الصحية والمكاتب الحكومية، في أوضاع متدهورة؛ بعضها مدمر، وبعضها الآخر غير مؤهل للعمل، ما يجعل العودة الفعلية إلى الخرطوم شبه مستحيلة في الظروف الراهنة، رغم التصريحات الرسمية المتفائلة.

ويرى مواطنون ومراقبون أن العودة لا يمكن أن تُحقق عبر “المناشدات الإعلامية”، بل تتطلب توفير مقومات أساسية كالأمن والخدمات والمؤسسات الفاعلة والمساكن الآمنة، وهي عناصر غائبة إلى حد بعيد.

ورغم أن القرار في ظاهره يتناقض مع دعوات العودة، إلا أنه قد يمثل خطوة أولى نحو إعادة توجيه الموارد نحو الأولويات الملحة، إذ تُعد الكهرباء والمياه حجر الأساس للاستقرار اليومي، ومن دونهما لا يمكن تصور عودة جماعية آمنة.

لكن نجاح هذا التحول يتوقف على مدى سرعة تنفيذ الإصلاحات، وشفافية الصرف، ووجود خطط واقعية لتشغيل مؤسسات الدولة، سواء داخل الخرطوم أو في مقارها المؤقتة بسوبا.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.