اخبار السودان

قرار قطع العلاقات بروبaganda باهتة وتصدعات في معسكر الحرب

✍️ محمد هاشم محمد الحسن

إن الضجة الإعلامية المصاحبة لقرار مجلس الأمن والدفاع بقطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي لا يعدو كونه بروبقندا لتبييض ماء وجه الحكومة أمام البلابسة، يفتح نافذة على حقائق أكثر تعقيدًا وتثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة السلطة ومراكز القرار في حكومة بورتسودان. فبينما يؤكد الخبراء القانونيون أن صلاحية اتخاذ قرار بقطع العلاقات مع الدول ليست ضمن اختصاصات مجلس الأمن والدفاع الذي لا يملك سوى حق التوصية بذلك لمجلس السيادة ووزارة الخارجية عبر مجلس الوزراء وفقًا للوثيقة الدستورية المعدلة لعام 2025، يظل السؤال قائمًا لماذا يتم الترويج لهذا القرار بهذه الطريقة؟

إن هذا التناقض الصارخ بين الصلاحيات الدستورية والواقع المعلن للقرار لا يعدو كونه دليلًا واضحًا على تعدد مراكز القرار في حكومة بورتسودان وتصدعات معسكر الحرب. فإذا كان مجلس الأمن والدفاع يتجاوز صلاحياته الدستورية ويصدر قرارات ذات طابع سيادي بحت، فهذا يشير إلى خلل بنيوي في هيكل السلطة وتنازع محتمل على النفوذ بين مختلف الأطراف داخل الحكومة.

والأكثر دلالة على هذا التصدع هو الصمت المطبق للفريق أول عبد الفتاح البرهان نفسه عن التطرق لهذا القرار المثير للجدل في خطابه الأخير. فتجاهله التام لقرار مجلس الأمن والدفاع بشأن الإمارات التي يفترض أنها أصبحت عدوًا يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا القرار ربما لا يحظى بالإجماع أو أنه يمثل محاولة من جهة معينة داخل الحكومة لفرض رؤيتها وأجندتها الخاصة.

إن هذا المشهد السياسي المتشابك يدعو إلى وقفة تأمل ونظرة واقعية لمصالح السودان العليا. فبدلًا من الانجرار وراء بروبقندا داخلية أو محاولة كسب ود فئة معينة عبر قرارات رعناء قد تعزل البلاد إقليميًا ودوليًا، فإن الحكمة تقتضي سلوك طريق الحوار العقلاني والبراغماتي.
وفي هذا السياق، يصبح التحذير لحكومة بورتسودان بالغ الأهمية (تواصلوا مع الإمارات فهي فاعل مؤثر في المنطقة، خاطبوا دوافعها ومخاوفها، هكذا هي السياسة). إن الإمارات العربية المتحدة، بحكم موقعها وتأثيرها الإقليمي والدولي، لا يمكن تجاهلها أو اعتبارها خصمًا بسهولة. فالسياسة تتطلب مد جسور التواصل وفهم الدوافع والمخاوف المشتركة والعمل على تهدئتها، لا إشعال فتيل العداوة بناءً على حسابات داخلية ضيقة. ويعد هذا القرار أيضًا معاداة صريحة لمنظومة مجلس التعاون الخليجي بحكم أن الإمارات جزء لا يتجزأ من هذا الائتلاف الخليجي.

ومما يثير القلق البالغ مصير الجالية السودانية الكبيرة المقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي حال تفعيل قرار قطع العلاقات، يخشى أن يواجه هؤلاء المواطنون صعوبات جمة في ترتيب أوضاعهم القانونية والإدارية، سواء فيما يتعلق بالإقامة أو العمل أو حتى السفر. ويتساءل المراقبون عن الخطة التي قد تتبناها الحكومة السودانية لحماية حقوق ومصالح رعاياها في مثل هذا السيناريو المؤسف.

وفي ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمر بها السودان، لا يمكن إغفال الدور المحتمل للإمارات ودول الخليج في تقديم المساعدات الضرورية للشعب السوداني. فقرار قطع العلاقات قد يعيق تدفق هذه المساعدات الحيوية ويضاعف من معاناة المدنيين الذين يعانون ويلات الحرب.
أما عن السيناريوهات المستقبلية، فيبقى الباب مفتوحًا على احتمالات متعددة. هل ستتدخل قوى إقليمية ودولية للوساطة واحتواء هذا التصعيد؟ هل يمكن أن يشهد الموقف السوداني أو الإماراتي تراجعًا في المستقبل القريب؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات ستحدد مسار العلاقات على المدى الطويل ومكانة السودان في محيطه الإقليمي.

من جهة أخرى، يراقب المجتمع الدولي والإقليمي هذا التطور بقلق بالغ، لما له من تداعيات محتملة على الأمن والاستقرار الإقليميين. وقد تسعى قوى فاعلة للعب دور التهدئة ونزع فتيل الأزمة قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة.
ويبقى السؤال الأخير ما هي الرسالة التي تسعى حكومة بورتسودان لتوجيهها للرأي العام السوداني من خلال هذا القرار؟ هل يهدف إلى حشد الدعم الداخلي في مواجهة تحديات معينة، أم أنه محاولة لتشتيت الانتباه عن قضايا داخلية ملحة؟ إن فهم هذه الدوافع الداخلية قد يساعد في تحليل أعمق لأبعاد هذا القرار وتداعياته المحتملة.

ختامًا، إن قرار اعتبار الإمارات عدوًا يمثل منعطفًا خطيرًا في علاقات السودان الإقليمية، وله تداعيات إنسانية واقتصادية وسياسية وأمنية بعيدة المدى. يبقى الأمل معقودًا على تغليب صوت الحكمة والعقل لتجنب هذا المسار التصعيدي والبحث عن حلول دبلوماسية تحافظ على مصالح السودان ووحدته واستقراره.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *