قراءة في بيانات القوى الديمقراطية في أسمرا
قراءة في بيانات القوى الديمقراطية في أسمرا
زين العابدين صالح عبد الرحمن
اجتمعت قوى سياسية ومدنية في أسمرا تحت عنوان (القوى الوطنية الديمقراطية لإنهاء الحرب) وأصدرت بيانين الأول إعلان سياسي والثاني إنهاء الحرب وإدارة الفترة الانتقالية.
الإعلان السياسي متناسق ويتماشى مع التحولات الجديدة في الساحة باعتبار أنه يتحدث عن قضايا عامة يوضح الهدف من الاجتماع وأسباب انعقاد الاجتماع في أسمرا ودعوة الجميع للعمل من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوداني والعودة لمسار التحول الديمقراطي إلى جانب مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد والحديث عن فدرالية الدولة وتنوعها الثقافي وأن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات، إلى جانب موقفهم من الحرب الدائرة والجرائم التي ارتكبت ضد المواطنين في الخرطوم وإقليم دارفور. ثم الدعوة لتوحيد المنابر. الإعلان السياسي بيان عام يمكن الاتفاق مع العديد من النقاط التي وردت فيه. فهو أرضية طيبة للحوار بين التيارات المختلفة.
يأتي البيان الآخر بعنوان “إنهاء الحرب وإدارة الفترة الانتقالية” الذي يعود مرة أخرى لذات الأجندة التي كانت محور اختلاف ما قبل 15 إبريل، ورغم أن البيان يتحدث أن فكرته تقوم على “التفكير خارج الصندوق” لكن ما ورد في البيان محاولة لفرض الأجندة التي كانت داخل الصندوق، كأن الحرب قامت على قضايا أخرى ليس لها علاقة بالصندوق نفسه. يقال في البيان (لقد فرضت الحرب واقعاً جديدا في المشهد السياسي والأمني والإنساني والاجتماعي بالبلاد تمثل في الآتي:
1 أضافت عبئا ثقيلا لحكومة الفترة الانتقالية بمعالجة انعكاساتها وآثارها امنيا واقتصاديا واجتماعيا لتحقيق التحول للحكم المدني الديمقراطي.
2 أثبتت أن هنالك ضرورة قصوى لمخاطبة جذور الازمة التاريخية المؤجلة التي ظلت تبارح مكانها منذ الاستقلال والسعي الجاد لإيجاد الحلول المناسبة أثناء فترة الانتقال.
3 التوافق على دور المكون العسكري لأسباب امنية وسياسية داخلية ونتيجة للاضطرابات.
هذه المقولات التي تتعلق بمخاطبة جذور المشكلة وأبعاد المشكلة داخلية وخارجية وغيرها من القضايا قد ملت منها الساحة السياسية، ولا ادري ما هي جذور المشكة التي أصبحت طابع بوستة عند بعض القيادات. هذه المشكلة يجب أن تحول مباشرة للمؤتمر الدستوري وتقرر فيها كل القوى السياسية وليست قوى بعينها، وأصبحت هذه المقولات اجندة الذين لا يملكون قضية..! بقدر ما يريدون البحث عن مصالح الذات. المؤتمر الدستوري مكان مناقشة القضايا الجذرية والاتفاق عليها ثم عرضها للاستفتاء الجماهيري، حتى لا تصبح مكان ارتزاق لبعض السياسيين.
ويقول البيان ايضا (إن فشل أو عجز الاحزاب السياسية خلال فترة حكمها منذ استقلال السودان احراز غالبية بالبرلمان تمكنها من حكم البلاد إلا من خلال اللجوء للائتلاف التي تأتي بحكومات ضعيفة اتضحت انها تمثل مدخلا للانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي بالبلاد) هذه القضية أيضا هي محلها المؤتمر الدستوري الجامع وليس الفترة الانتقالية، هذه زجت في البيان وفي الفترة الانتقالية لأن البعض يريد تطويل الفترة الانتقالية، وهؤلاء يريدون الهروب من الانتخابات وتحكيم رأي الشعب في العملية السياسية، كما بعض القيادات تريد ان تحكم دون تفويض شعبي، هؤلاء كل مرة يجادلون من أجل تصفير العداد هذه القضية هي التي تزيد الأزمة السياسية، جاء الوقت الذي يجب أن ترجع القضية للشعب لكي يقول كلمته. ويضاف ايضا في البيان (التدخلات الاجنبية في شؤون البلاد وانتهاك السيادة والقرار الوطني لقد بدأت في الآونة الأخيرة بروز توجه لتعدد المبادرات والمنابر وهذا التعدد من شأنه أن يلعب دوراً أقرب إلى تعقيد المشكلة مع وجود التقاطعات الاقليمية والدولية حول الأزمة في السودان. ان كافة المساعي والمبادرات دون توحيدها سوف لا يحالفها النجاح لتسوية الازمة السياسية وانهاء الحرب في السودان) هذه نقطة صائبة رفض التدخلات الاجنبية في القضية السياسية في البلاد وحضوره فقط للمراقبة وليس لفرض أي آراء على الساحة الساسية. وأيضا تعدد المبادرات الخارجية مضر بالعمل السياسي ويجب على القوى السياسية متحالفة أو منفردة أن تقدم مبادراتها وتوضع على مائدة الحوار الوطني.
أما ما جاء في قضية الوضع الإنساني لا غبار عليها من ناحية المبدأ ولكن ليست هي سبب لعودة ميليشيا الدعم مرة أخرى لممارسة العمل السياسي، أما ما جاء حول الفترة الانتقالية من مجلس وزراء وأن تكون هناك قوى باقية في السلطة لأن هناك اتفاقية قد أشارت لذلك، اعتقد أن الحرب جبت ما قبلها وأثبتت الحرب أن اتفاق جوبا لم يوقف القتل في دارفور بل زاد من عملية القتل والتهجير من خلال الآلية الموجودة في دارفور، لذلك دارفور تحتاج إلى مؤتمر جامع ليس لنخب بعيدة عن هم المواطن ولكن نخب يختارها المواطن الدارفوري، وتمثل كل قطاعات دارفور المتنوعة.
إن الأحداث قد تجاوزت تماما كل ما كان في الصحيفة السياسية قبل 15 إبريل، وأي عودة لذلك المنهج والسلوك سوف يعيد الناس مرة أخرى للاسباب التي أدت للحرب. فالقيادات السياسية الدارفورية وجب عليها أن تخرج من عباءات المصالح الذاتية والجهوية الحزبية، وأن تنظر للقضية بكليات المشكلة الوطنية. هناك ماتزال بعض القيادات في الحركات تريد أن تتمسك بمواقعها في السلطة، والغريب في الأمر أنها تؤكد على رفض المحاصصة. عدم المحاصصة للكل وليس لفئة بعينها.
إن سلطة الأمر الواقع يجب أن تعترف وتجعل دستور 2005م الذي شاركت فيه أغلبية القوى السياسية هو أساس للحكم لحين الوصول للانتخابات، وتشكيل الحكومة من كفاءات غير منتمية ذات تأهيل علمي وإداري ومعرفة بدروب السياسة، هي التي تدير الفترة الانتقالية وتنفذ ما يتفق عليه وهي التي تكون المفوضيات المختلفة وتدعو إلى حوار قومي دستوري للاتفاق على القواعد الأساسية وأيضا النظر لجذور المشكلة حتى لا يتضرر البعض من نقص المصطلحات. وأيضا هي التي تشرف على المؤتمر الدستوري ومطلوباته.
إن الذين يريدون الرجوع مرة أخرى لتصفير العداد للفترة الانتقالية هؤلاء بالفعل لا ينظرون للمواطن ومشاكله ولا لعملية الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد هؤلاء ساعين من أجل السلطة فقط وتطويل الفترة الانتقالية.
أعتقد أن البيان الثاني هو بيان بهدف تقديم المصالح الذاتية على المصالح الشعبية. أعتقد كما أكدت العديد من القيادات السياسية التي بالفعل تريد أن تتعلم من التجربة أن الحرب تجاوزت كل الأجندة التي كانت مطروحة قبل 15 إبريل، ويجب على القيادات التي اجتمعت في أسمرا أن تراجع هذا البيان الذي يهدف فقط للعودة مرة أخرى للأزمة بصور أخرى والتكسب منها. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير