عصام عباس

المتابع للأحداث يلحظ تغير واضح في الخطاب الأمريكي تجاه الدعم السريع. فقد تابعنا انتقادات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في ختام اجتماعات قمة مجموعة السبع (G7) التي تضم الدول الكبرى: الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، واليابان. عكست تلك التصريحات نغمة حادة وغير مألوفة في الخطاب الأمريكي تجاه سلوك وتصرفات الدعم السريع في الصراع السوداني. فقد هاجم بوضوح الدعم الدولي الذي يتلقاه الدعم السريع، ولم ينف إمكانية تصنيفه ككيان إرهابي.

دعوني أقتبس جزءا من تصريحات ماركو روبيو هذه:

`نحن قلقون جداً. كما تعلم، نحن نرعى مبادرة الرباعية مع مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، والمشكلة الأساسية هي أن قوات الدعم السريع توافق على أمور، ثم لا تلتزم بها أبداً. وما نواجهه الآن هو كارثة حقيقية. `

هذه التصريحات تشير إلى تآكل الثقة بقدرة هذه المليشيا على ضبط أفعالها أو الالتزام بتعهداتها.

ورغم إصدار قيادة الدعم السريع بياناً أعربت فيه عن موافقتها على بيان الرباعية الدولية، إلا أن ما صرح به مسعد بولس بتاريخ ١٢ نوفمبر ٢٠٢٥، بخصوص مطالبة طرفي الحرب حسم مواقفهما بوضوح والموافقة الصريحة على مبادرة الرباعية، كشفت بجلاء عن غياب الثقة الأمريكية في صدقية ما تعلنه قيادة الدعم السريع. هذا الموقف الأمريكي ليس معزولاً، بل يعكس قراءة عميقة لفشل هذه القوة في تجاوز طبيعتها المليشياوية نحو شكل الجيش النظامي القادر على فرض الانضباط والالتزام بأوامر القيادة.

لا شك في أن منظومة السيطرة والقيادة تمثل العمود الفقري لأي جيش محترف، فهي التي تضمن تنفيذ الأوامر، وضبط سلوك الجنود، وتحقيق الانسجام بين التوجهات السياسية والعمليات الميدانية. إلا أن الدعم السريع، وبرغم محاولاته إظهار نفسه كقوة منظمة، ظل عاجزاً عن تجاوز بنيته المليشياوية. فقرارات قيادته، مهما بدت منضبطة على الورق، لا تجد طريقها إلى التنفيذ على الأرض.

لقد تابع المجتمع الدولي سلسلة من القرارات الإيجابية المعلنة من قيادة الدعم السريع، لكن واقع الميدان كان يناقض تلك البيانات تماماً. فحينما دخلت قواتهم إلى ولاية الجزيرة خلال عام الحرب الأول، صدرت توجيهات واضحة من قيادتها بعدم الاعتداء على المدنيين. غير أن ما حدث كان العكس تماماً، إذ مارست تلك القوات أعمال القتل والنهب والسلب دون أدنى اعتبار لتلك التوجيهات. وفي مدينة الفاشر، أعلنت المليشيا التزامها بحماية المدنيين، لكن النتيجة كانت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدتها المدينة في تاريخها الحديث. هذه الوقائع، وغيرها من عشرات الشواهد، تؤكد أن قيادة الدعم السريع فقدت السيطرة على قواتها، وأن القرار الفعلي بات في يد القيادات الميدانية التي تتصرف وفق تقديراتها الخاصة ومصالحها الضيقة، بعيداً عن أي هيكل قيادي موحد.

هذا التفكك في منظومة القيادة لا يضعف الدعم السريع فحسب، بل يجعل منه عبئاً أمنياً وسياسياً على أي عملية سلام مستقبلية. فالقوة التي تعجز عن ضبط نفسها لا يمكن الوثوق بها في تنفيذ اتفاقيات أو حفظ الأمن. ولهذا، فإن الموقف الأمريكي الأخير يعبر عن إدراك تام بأن الدعم السريع لم يعد يمتلك مقومات الجيش النظامي المنضبط، وتحول إلى تجمع متنافر من المجموعات المسلحة التي تفتقر إلى وحدة القيادة والتحكم.

في المحصلة، يمكن القول إن تفكك السيطرة والقيادة داخل مليشيا الدعم السريع يمثل جوهر أزمتها الراهنة، وهو ما يفسر تصاعد الانتقادات الدولية تجاهها، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبلها، وقدرتها على التحول إلى كيان سياسي أو عسكري منضبط ضمن أي تسوية قادمة في السودان.

اختم بهتاف الشارع الثوري السوداني “ما في مليشيا بتحكم دولة” وأقولها صراحة كم كان الثوار أكثر وعيا من الجميع، وهم يرجون الأرجاء رجا بهاتفهم المدوي حول مستقبل مليشيا الدعم السريع.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.