قراءة عامة في الدراما السودانية في رمضان
فايز السليك
سعدتٌ جداً ببداية تشكل ملامح ثورة درامية سودانية قادمة،وبروز اهتمام ومتابعة لهذا الانتاج الدرامي.
سعيد أيضا بميلاد اتجاهات نقدية مشجعة، يمكن وصفها بالإيجابية بسبب حرصها على سبر أغوار الأعمال بمسؤولية والعمل على توضيح مواضع الخلل، وكشف بؤر الإشعاعات.
تابعتُ ثلاثة مسلسلات سودانية تم بثها خلال شهر رمضان الكريم، وهي ( زاندا)، ( دروب العودة)، ( ود المك).
اشتركت المسلسلات الثلاثة في تناول مشاكل اجتماعية متشابهة؛ مع اختلاف طرح التفاصيل وطريقة المعالجات. سيطرت قضايا المخدرات، ( الآيس)، الجريمة، الفساد على بقية القضايا، مع التركيز على فئات الشباب عامة، والطلاب والفتيات على وجه التحديد.
كانت قضية الهحرة خارج القوانين والقنوات الرسمية الثيمة الرئيسة في مسلسل دروب العودة، وتداعيات ومتلازمات تلك الهجرة مثل جريمة الإتجار بالبشر والمخدرات.
فيما تعددت ثيمات مسلسل ( ود المك) ما بين فساد سياسي ونفاق ديني، وكفاح شاب عصامي.
تضيع ثيمة مسلسل ( زاندا)، ولا ازال باحثاً عنها؛ اهي التحولات المجتمعية؟ ام الصراع الأزلي ما بين الشر والخير؟، حيث سعي كاتب السيناريو لخلق بطل ( اسطورة، أو برينس كنسخة سودانية من النجم المصري #محمد_رمضان، فتشتت الفكرة ما بين ( الآكشن) والتراجيديا السوداء، وتقسيم الناس ميكانيكياً ما بين الشر والخير المطلقين.
سوف أحاول بعد انتهاء حلقات المسلسلات منح مساحة نقدية لكل مسلسل بمفرده؛ إلا أن أداء الممثلين والممثلات كان في مجمله جيدا، ويتراوح ما بين الوسط وفوق الوسط، يمكن الأشارة هنا بتقدير لاجتهادات المطرب احمد الجقر، احترافية صالح عبد القادر، والكندي الأمين، وموسى الأمير، وإلى تطور روبي كمال النسبي، وبدايات مصعب عمر ( زول سغيل) الجادة.
هذا لا يعني حكماً نهائيا، أو إشارة بضعف الآخرين والأخريات، فالإشارات الواردة هنا هي أمثلة فقط.
لم تنجو سيناريوهات المسلسلات الثلاثة من ترهل في البناء الدرامي بعض الأحيان.
السيناريو هو الفيديو المكتوب على الورق، و هو كل الحبكة وعناصر التشويق ، ويحتوي على فكرة العمل الدرامي، تفاصيل الشخصيات، تصاعد الأحداث ومساراتها الدرامية، المشاهد، اللقطات.
يتضح ترهل أجزاء من السيناريوهات الثلاثة بجلاء في خلو كثير من حوارات الشخصيات من الجاذبية والإبداع، بل يغلب عليها اقترابها من الحديث اليومي المعتاد وثرثرة المجالس الشئ الذي ادى إلى افتقار تلك الحوارات ومشاهدها إلى عنصري التشويق والاثارة ( مشاهد النساء و رمي الودع ، كجول وزوجته في ود المك، حوارات المهاجرين والخاطفين، في دروب العودة، الحلاق في زاندا _.
المعروف أن الحوار الدرامي يختلف تماماً عن الحوار العادي في الحياة، فالحوار الدرامي يكون متنامياً، متصاعداً ومتسلسلاً بغرض تقديم معلومات، أو عرض احداث تقود الى تطوير المسار الدرامي، وينتج عن ذلك بناء وتركيب وتفكيك عقدة العمل، وخلق أزمات للشخوص، أو فيما بينها، و تقديم حلول وتشبيك أحداث لتعقيد البناء الدرامي.
اعيب كذلك على السيناريوهات الثلاثة تسطيح كثير من الشخوص، وعجزها عن التطور الدرامي وذلك بسبب اهمال التعقيدات الاجتماعية والنفسية، والعوامل المحيطة، او التي اثرت على الشخوص، أو ساهمت في صنع الأحداث.
يمكن استثناء شخصية ( الزين، زاندا) من مسالة بساطة الشخصيات؛مع وجود تحفظات سوف افرد لها مساحات لاحقاً.
لازمت الأعمال الثلاثة مشكلة رسم وتخطيط الحركة، وهي مشكلة مزمنة تلازم غالبية أعمالنا الدرامية، حيث نجد أن غالبية الحوارات تتم والأشخاص جالسين، أو حتى متكئين على عناقريب؛ مما بفقد العمل الحيوية.
لاحظتُ كذلك ضعف الانفعالات، جمود تعابير الوجه والعيون وعدم توظيف لغة الجسد بدرجة كافية، عدم الاهتمام بمسألة تنويع النبرات الصوتية علواً وهبوطاً؛ ونقل المشاعر الداخلية، وانتقالها ما بين الحزن والفرح/ القوة والضعف/ الانكسار والصمود.
تشمل عملية رسم الحركة كذلك حركة الكاميرا، زاوية اللقطات، حجمها وكثرتها، بالإضافة إلى المؤثرات الضوئية والبصرية، و الصوتية بغرض خلق الإبهار والإثارة.
من العسف اصدار أحكام متعسفة، وآراء مستعجلة و مبخسة للأعمال الثلاثة. لقد غدت الدراما صناعةً تحتاج إلى تمويل ضخم من اجل الصرف على عملية الانتاج في كلياتها، وتشمل العناصر البشرية فيما يتعلق بالأجور، والتكاليف التتقنية؛ بالإضافة إلى منح المخرجين فرصاً تمكنهم من انتقاء أماكن التصوير، السفر، بناء وتشييد مجسمات ومناظر، تنويع المشاهد، الخ.
اللافت في هذه الأعمال بروز وجوه جديدة، وهذا أمر جيد للغاية، لكنا نحتاج الى وجود نجوم معتقة لا يسمح المجال بذكرهم هنا.
المصدر: صحيفة التغيير