قحاتي ولا كوز!
تأمُلات
كمال الهِدَي
. بالرغم من كل الأهوال التي نعيشها منذ عامين يصر الكثيرون على التعامل مع قضية الوطن وكأنها منافسة كروية بين الهلال والمريخ.
. ويا سبحان الله حتى في الكورة أعرف من لا يشجعون سوى الموردة أو التحرير ولا علاقة لهم بالناديين الكبيرين الذين تظن الغالبية أن مؤازرة أحدهما فرض عين.
. فما رأيك في نفسك يا من إختزلت وطنك في جماعتين اثنتين الأولى ضالة تنتمي لحزب لا وطني والأخرى تولت أمر ثورة ديسمبر بعد إنطلاق شراراتها بأكثر من مدينة كأعظم ثورة رافضة للظلم والطغيان والفساد الذي إستشرى فخرب كل شيء في البلد بما في ذلك العقول والنفوس! .
. ماذا أنت قائل عن نفسك، ولماذا تعجز دائماً عن مواجهة هذه النفس اللوامة وسؤالها : ما الذي يجعلني ضحية دائمة لثقافة سمعية تحجب عني رؤية الأشياء كما هي؟! .
. أشعل الكيزان حربهم القذرة التي قضت على الأخضر واليابس وأنت لا تزال محلك سر واقفاً كحمار الشيخ في العقبة في ذات المربع الذي وضعك فيه إعلامهم المضلل وأقلامهم الصدئة مصدقاً أن قحت هي من أشعلت الحرب بالرغم من أن عدو الكيزان فيها هم أحباب الأمس وصنيعتهم الجنجويد! .
. استمرت الحرب وبانت أهدافها منذ أيامها الأَولى لكنك تصر أيضاً علي تصديق فرية أنه لولا القحاتة (حاضنة الجنجويد) لما بلغت هذه الحرب عامها الثاني! .
. إعترف الكيزان أنفسهم مرات ومرات بألاعيبهم وكيف أنهم جندوا كيكل وغيره لإرتكاب أبشع الجرائم في حق أهلنا بمختلف مناطق السودان ولسانك أنت مستمر في ترديد ما حفظته دون وعي أو تفكير “القحاتة وتقدم لم يدينوا جرائم الجنجويد”! .
. تصر مجموعة داخل تقدم على تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع بمبررات لم تقنعني شخصياً ، فيرفض الفكرة غالبية أعضاء تقدم رفضاً قاطعاً ، لكنك كمغيب بفعل الثقافة السمعية لا بتقول (كتر خير تقدم) ولا بتعترف بأن هذا الموقف يدحض الكثير من إفتراءات وأكاذيب الكيزان وأقلامهم الرخيصة! .
. يا ما قلنا أن البلد ليست قطعة حلوى يتنافس عليها القحاتة والكيزان ، لكن المغيبون لا يسمعون.
. مثلما كان المجلس العسكري الإنتقالي يردد (كذباً) كلما قُتل بعض إخوانكم الثوار أن طرفاً ثالثاً يطلق الرصاص على المتظاهرين ، فهنا الوضع يحتمل حقيقة أطرافاً ثالثة ورابعة وعاشرة تؤمن بقضية الوطن وتعمل لأجله فلماذا تقبل بوضعك في قوالب جاهزة يعدها لك الكيزان وكأنهم قد سحروك وجرفوا عقلك يا ثائر الأمس!! .
. لا نطالبك بأن تكون تقدمياً أو قحاتياً لأننا أنفسنا لا قحاتة ولا تقدميين ، وكل ما نرجوه منك أن تستخدم عقلك قليلاً ، وقليلاً جداً حتى لا تتضاءل أمام نفسك وتصبح عبداً لإعلام الكيزان الضلاليين الذين يجبنون دائماً عن مواجهة خصومهم بشرف لذلك يجنحون للأساليب القذرة، والعزف على أوتار عاطفتك ، والركون لحقيقة أنك لا تستقصي لنفسك أو تتأمل الشواهد التي أمامك لكي تصل لحقائق الأشياء دون إملاء من أي كائن كان.
. لا نطالبك بأن تكذبهم هم وتصدقنا نحن ، لكن نريد منك فقط أن تفكر وتتأمل فديننا الحنيف الذي يتاجر به الكيزان علمنا أن نملك عقولاً ناقدة تهدينا للحكم على الأشياء وألا نكون مجرد إمعات نسير وراء الجموع إن أحسنوا أحسنا وإن أساءوا أسأنا.
. لا أنزه قحت أو غيرها من قوانا المدنية من الأخطاء ، بل علي العكس كان رأيي ولا يزال أن القحتيين إرتكبوا أخطاء جسيمة منذ أيام الإعتصام لو أنهم لم يقعوا فيها لأنقلبت المعادلة الحالية رأساً على عقب ، وكل ذلك موثق في زاويتي ومتاح بأرشيفها بمختلف المواقع.
. ومن أكبر الأخطاء التي وقعوا فيها بعد ثقوب الوثيقة الدستورية صمتهم على سلام جوبا بشكله الذي أتى ببعض أرزقية الحركات الذين سرقوا ونهبوا وأفسدوا ووفروا للبرهان حاضنة إنقلابه ، وهم أنفسهم الذين يشقون تقدم اليوم بإصرارهم على تشكيل الحكومة الموازية.
. وقعت قحت في جملة أخطاء نعم ، لكنك كنت جزءاً من هذه الأخطاء يا ثائر ، أتدري لماذا! .
. لأنك سكت أيضاً وتجاهلت تلك الأخطاء ، بل مضيت لأبعد من ذلك ، وحين كنا نكتب أثناء مفاوضات جوبا بضرورة خروج مليونيات تطالب بإيقاف عبث التعايشي وكباشي وحميدتي وثلة من أرزقية الحركات المسلحة كنا نسمع منكم كثوار ” السلام سمح يا أستاذ ومافي عاقل بيرفض السلام”.
شفتوا كيف أنكم كنتم شريكاً لقحت في أخطائها!
. هذا مثال وحيد
. فالموضوعية والشجاعة إذاً تقتضيان ألا تحملوا قحت وحدها أخطاء شاركتم فيها.
. وعموماً حتى لو إفترضنا أن الموقف الواحد الصحيح هو الإختيار بين قحت والكيزان ، وأن هذا السودان لابد أن يصبح ملكاً لأحدهما وبالتالي عليك الإختيار بين أن تكون (مع دول ولا مع دول) ، فأي منطق وفطرة سليمة ستهدي صاحبها للميل نحو الكيزان! .
. بالعقل كده ستجد أن الكيزان كلما عبرت عن إختلافك معهم قتلوك وجزوا رأسك وبقروا بطنك وألقوا بك في النيل ، أما القحاتة فكقوة مدنية بإمكانك أن تختلف معهم في أي لحظة وترفض طرحهم دون أن يتمكنوا من إيذائك حتى إن رغبوا في ذلك ، لكونهم لا يملكون سلاحاً.
. تقول لا للكيزان فيوضع إسمك في قائمة سوداء ويبدأ نائبهم العام في تلفيق التهم ضدك في محاولة لتجريمك والقبض عليك وهذا أمر لا يستطيع القحاتة إليه سبيلا.
. لا توجد أوجه مقارنة أصلاً بين قوة مدنية وأخرى تحكم بقوة السلاح، لكن مشكلة الكثيرين في هذا السودان أنهم (سميعين).
. يُقال لهم أن القراي غير المناهج فيصدقوا دون سؤال.
. نسمع من مضلل وأفاك أن القحاتة (كفرة) يريدون الإساءة للإسلام فنبصم بالعشرة على ذلك دون سؤال مع إننا لم نقرأ لهم كتابات تؤكد على ذلك أو نرى قانوناً مجافياً للدين قد سنه هؤلاء القحاتة.
. يسمع أحدنا عبارة نطق بها وزير العدل آنذاك حول (المريسة) ويبدأ الكذبة في الترويج لفرية أنه يدعو لفتح البارات ، مع إن مفردة (المريسة) جاءت في كلمة الرجل بجنيف ضمن سياق محدد هو أنها جزء من عادات وثقافة قبائل سودانية عديدة وهذه حقيقة لا تقبل الجدال.
. والمفارقة أن الكثير ممن يرفعون شعارات حماية الدين يشربون هذه المريسة ، بل ويجلبون أضر أنواع المخدرات لتغييب شبابنا ولقتل الإنسانية (الضعيفة أصلاً) في نفوس من تشاهدونهم هذه الأيام وهم يجزون الرؤوس ويبقرون البطون كوحوش كاسرة.
. كل ما تقدم تغضون عنه الطرف ويردد الواحد منكم مقولة أنه ثائر لكنه يكره قحت.
ثائر كيف!
. الثائر لابد أن يكون موضوعياً ، والموضوعية لا تقبل أن تصب كل غضبك على من حكموا لأقل من عام ونصف وتغفر لمن قادوك للهلاك والدمار والخراب علي مدى أكثر من ثلاثة عقود ، هذا لا يمكن أن يكون تفكير ثائر حقيقي وأصيل.
. أكره قحت وتقدم كما تشاء ، لكن ليس لدرجة ترديد العبارة البليدة (الكيزان ولا القحاتة).
. فمن غير الكيزان وسنواتهم العجاف تسبب في إضعاف الأحزاب وتقسيمها! .
. ومن غيرهم شوش العقول وجعلك أنت وأنا وقحت وكلنا نقع في الأخطاء! .
. ومن غيرهم صنع الجنجويد الذين أذاقونا الويلات ونهبوا بيوتنا وشردوا أهلنا! .
. أحس بأسى حقيقي عندما أري أخاً أو صديقاً واعياً يردد بعاطفة غبية “نحن مع الجيش إلى أن تنتهي هذه الحرب” بالرغم مما يتابعه من فظائع وجرائم لا ترتكبها حتى الحيوانات في حق بعضها البعض.
. الحرب لا يمكن أن تجلب خيراً لكننا ساهمنا في إطالة أمدها بمثل هذه العواطف غير المُرشدة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة