اخبار السودان

قتل حميدتي أو جعله مجنونا : نقد العقل الدائري

أحمد محمود أحمد

*مدخل*: لقد تم قتل حميدتي ضمن مخيلة الحركة الإسلامية والتابعين لها، وهذا لم يؤدي لوقف الحرب ، وعندما فشلت اسطورة مقتل حميدتي ظهر لنا فقيه جديد كان يتحدث حول نظرية التحليل الثقافي وبدأ لاحقا يتحدث عن نظرية الوسواس الخناس ليقول لنا ان حميدتي لم يمت فعلا ولكنه قد  فقد عقله ، وهذه مرحلة جديدة من التصورات البلهاء تطلبت كتابة هذا المقال ، دون ان يفهم هذا المقال بأعتباره دفاعا عن قوات الدعم السريع وقائدها ، انما هو تعرية لخطاب الحرب

وتجاه الطرف الأسوأ في هذه الحرب المدمرة..

*العقل الدائري وازمة التفكير*

يمكن ودون تردد أن نقول بأن خطاب الحرب الدائرة في السودان اليوم ومن قبل عناصر الحركة الإسلامية وتابعيها هو خطاب العقل الدائري والذي لا ينفك من تصدير المقولات الفاسدة ، اذ كلما برزت حقيقة أمامه يعود للألتواء عليها بمقولة فاسدة أخري ، وبهذا المعني فهو عقل فصامي دائري دخل التاريخ من بابه الخطأ حيث دار طويلا حول الماضي ولم يخرج من الماضي الا بفكرة عرجاء حاول توظيفها في الحاضر وقد غلبه الحاضر واصبح يدور حول المسلمات دون نقدها وتفكيكها ، وهذا العقل يأتي نقيضا للعقل الخطي الزمني الذي يتطور مع هذا الزمن وفق سيرورة منهجية يراجع فيها الأخطاء ولكنه لا يدور حول المسلمات … لقد  نقل العقل الدائري هذا الدوارن الي مجال هذه الحرب فأصبح عقلا تلفيقيا  مرتبطا كل ذلك بدائرة أخري مغلقة عنوانها الكذب وتحوير الأشياء ، كيف؟؟؟

لقد بدأ هذا العقل ومنذ أندلاع الحرب بسردية مقتل حميدتي ، وقد حشد أقاويل وتخريجات عديدة حول مقتل الرجل … اذ يقول أصحاب هذا العقل بأن الاستخبارات السودانية قد حددت موقعه مسبقا وبالتالي وضمن تفكير هذا العقل فأن هذه الاستخبارات لا تخطيء في معرفة وتحديد الهدف ولهذا  فأن مقتله لا يجب أن يشك فيه أحد.. لكن وفي الأتجاه المقابل يروج هذا العقل لفرية أخري تقول أن حميدتي قد بدأ هذه الحرب ولقد استطاع الوصول للبرهان في مرقده وفاجأ قيادات الجيش وهم نيام ، وبالتالي يجب هنا  طرح السؤال المركزي حول الاستخبارات العسكرية السودانية داخل منطق هذا العقل الدائري : اذا كانت هذه الاستخبارات تعلم وبدقة متناهية بموقع حميدتي وبالتالي امكانية استهدافه وقتله ، فكيف فات عليها مسبقا تحركات قواته بعتادها حتي وصلت الي منزل البرهان  ولقيادات الجيش الأخري كما تم الترويح لذلك منذ أن بدأت هذه الحرب؟..

هذه الفكرة التي يروج لها هذا العقل حول مداهمة قيادات الجيش وهم نيام تنفي قدرة الاستخبارات العسكرية علي معرفة أي شيء .. ولأنه خطاب مشوه ينسي المنطق الذي يصدره للاَخرين ، فهو يثبت وينفي وفي نفس الوقت ،    فالفكرة التي يقول بها ان  المخابرات السودانية عليمة بكل شيء ، فهي وحسب منطق هذا العقل فهي لا تعلم أي شيء ،  وهي ذات المخابرات التي قال قائد الجيش السابق عبد الرحيم محمد حسين بنظرية الدفاع بالنظر والتي تهدم جميع الآليات المتطورة عند الاستخبارات السودانية لتحديد اهدافها .. ولقد اثبتت التجربة ان حميدتي لم يقتل في هذه الضربة العشوائية ، وبعد ان ثبت أن كل ما يقال هو مجرد تصورات و خرج حميدتي الي العلن ، ابتكر العقل الدائري نظرية أخري وهي ان الذي نراه علي شاشات التلفاز هو مجرد ريبوت  وأن كل ما يصدر عنه من حديث هو منتج عبر الذكاء الاصطناعي .. في هذه الجزئية تحديدا قد اَمن العقل الدائري بتكنولوجيا الغرب بوضعها في مستوي الرب القادر علي صياغة الأنسان وخلقه من جديد مع ان هذا العقل وعبر تاريخه الدائري رفض منجزات الغرب ووقف ضدها بكونها منجزات للكفار لا تستقيم مع منهج الاسلام الذي يدعونه ، ولكن لأن هذا الترويج يتفق ومصالح أصحاب هذا العقل فقد منحوا هذا الغرب او الدول المشابهة له في التكنولوجيا القدرة علي صياغة وتركيب الأنسان من جديد بتجاوز فكرة الروبوت العادي الي الأنسان المخلٌق جسديا وروحيا ولكنه يبدو مشوها وهو الجانب الذي يتقصده هذا العقل وهو تشويه الآخر ومسخه ليخرج هو من تشوهاته المستقرة في داخل النفس والوجدان … ولقد بطلت هذه السردية ومن خلال دلائل عديدة وبالذات عبر خطاب حميدتي الأخير حيث ظهر الرجل متحدثا دون أن يقرأ شيئا مكتوبا بل تحدث بطريقة عفوية وساردا احداثا وقعت قريبا وليست من القرون الوسطي ، وبعدها سكت هذا العقل عن قول أي شيء سوي أن البعض بدأ يقول يائسا ان حميدتي وحتي لو ظهر فهو يعتبر ميتا ، لكن وبأي كيفية أذ لم يحدد هؤلاء  كيف ان يكون الحي ميتأ … وللخروج من ذلك المأزق ظهر لنا فقيه العقل الدائري الجديد محمد جلال هاشم ليقول لنا الآتي (بموجب إفادة نقلها لي وقتها صديق عزيز) وهو من أهالي الجزيرة ودارفور وموجووووود ومعروووووف) ، نقلا عن أحد أقربائه وهو ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية ، ذلك عندما أُعلن عن أن حميدتي قد تمكن من مغادرة البلاد إلى الإمارات ، قال له ذلك الضابط : “نعم ، حميدتي حي ونجا من الضربة الجوية جسديا ، بعد إصابات بليغة للغاية ، لكنه لم ينجُ عقليا ، فهو لا يُجمّع بطريقة منطقية. نحن في الاستخبارات العسكرية ، عبر عناصرنا في استخبارات المليشيا (وغالبيتهم صف ضباط ينتمون إلينا ولم نطلب منهم التبليغ لدينا بل تركناهم داخل استخبارات المليشيا ليكونوا عيونا لنا) رفعنا توصياتنا ، ليس فقط بعدم استهداف حميدتي شخصيا حيث كنا نعرف المكان الذي كان يختبئ فيه ، بل أوصينا بضرورة مغادرته للبلاد. فبالنسبة إلينا يمثل قتله والإعلان عن ذلك بما لا يسمح بالشك فيه (بعد معرفة حالته العقلية) أن نواجه من سيخلفه والذي سوف يتعامل معنا وهو بكامل قواه العقلية. بدلا عن هذا ، من الأفضل أن يظل حميدتي (وهو في حالته العقلية الراهنة)… انتهي قول الأبلج في الباطل محمد جلال هاشم والذي نقلته حرفيا ، وهو حديث مثير للدهشة ، فصديقه الذي حدثه هو من الجزيرة ومن دارفور ، أي شخص عابر للاقليم ومزدوج الهويات مع تكثيف الواو في كلمة موجود و معروف ، ولكننا لا ندري معروف لمن وموجود في أي جغرافيا حيث ان التأكيد علي هذا الوجود بتكثيف الواو وكذلك  بان صديق محمد جلال هاشم معروف وبتكثيف الواو كذلك هو تعبير عن اضطراب عقلي نتيجة لأنعدام المصداقية وتأكيد لشيء لم يسأله احد لتأكيده والكذاب يفضحه كذبه حيث لم يسأله احد عن هذا الصديق ، لكن يؤكد لنا محمد جلال هاشم انه موجود ومعروف ، ولكن موجود وفي أي مكان ومعروف لمن فلا توجد إجابة تقال لنا ، وهذا ما يعرف بأطلاق الكلام علي عواهنه أي الكلام ( الفارغ) والذي يصدر عن عقل قد ( اتلحس) فعلا وضاع وسط رهط (الإسلاميين الكذبة) .. الدائري انه لا يمتلك القدرة علي مسائلة الأشياء ، فأذا كانت هذه الاستخبارات و التي حكي عنها محمد جلال هاشم بهذه القدرات و التي تساهم بشكل او آخر في جعل حميدتي رجلا مجنونا ويسمح له بالسفر للخارج وفق توجيهاتها ، فلماذا لا تجلبه هذه المخابرات لمواقع الجيش وسيكون ذلك انتصارا لهذا الجيش والذي لا تمده هذه المخابرات بمعلومات صحيحة حتي سيطر هذا الذي يقال انه مجنون علي ٨٠% من أراضي السودان .. اذن نحن هنا أمام عقل ليس دائريا فحسب انما هو عقل كسيح يفضي الي الفراغ  وعدمية الرؤية ويصارع الحقائق وتصرعه وهذه صفة جديدة يمكن ان نضيفها الي ذلك العقل وهي صفة الصرع وهو ما يعكسه حديث محمد جلال هاشم والذي هو أشبه بالهزيان ..

*خاتمة*: ان حميدتي قد اصبح شخصية عامة و شريكا اصيلا في هذه الحرب الدائرة اليوم ، ويحق للمختلف معه نقده ونقد قواته وممارساتها ،  ولكن ان يتحول الذين يحاربونه الي كذبة ومنافقين هذا يدلل ان هؤلاء قد استباحوا كل القوانين وأهم ما ذلك قد اسقطوا قانون الأخلاق  سقطوا في تيه اللامعقول …

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *