د. أحمد عثمان عمر
واجبات الجبهة القاعدية معقدة ومتعددة، تعتمد على تنوع عضويتها وقدرة شعبنا الواضحة على اجتراح الحلول. مدخلها هو تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين من طرفي الصراع المنخرطين في جرائم الحرب وتفكيك التمكين. حيث لا انتقال بدون تفكيك ومحاسبة، ولا حرية ولا سلام في ظل التحول من ثورية إلى إصلاح وشراكات دم. لذلك الواجب الان هو رصد وتوثيق الجرائم المرتكبة، وجمع ادلة الإدانة بشكل قانوني سليم، ودفع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية للمشاركة الفاعلة في هذا الأمر، ورفع كافة أشكال الدعاوى أمام المحاكم الدولية او في الدول التي تقبل الاختصاص العالمي في مثل تلك الجرائم، توطئة لتكوين المحاكم الوطنية بعد اعادة بناء الهيئة القضائية في فترة الانتقال، بعد تفكيك قضاء الإنقاذ غير المستقل الحالي الذي يستحيل اصلاحه. وجمع المعلومات والرصد والتوثيق والتحضير لتقاضي ناجح ومثمر يقود إلى ادانة المجرمين، يستدعي تكوين جسم متخصص في هذا الأمر تحديداً، عابرا لتنظيمات القانونيين المتواجدة داخل البلاد وخارجها، يعمل كمركز نشط للقيام بهذه المهمة العاجلة بشكل مستدام، ويعد الدراسات اللازمة ذات الصلة، على إلا تستثنى اي جريمة، بدأ من جرائم دارفور، وانقلاب القصر ، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة، وقتل الثوار المتظاهرين السلميين المستمر خلال فترة حكومات شبه المدنية وشراكات الدم، وانقلاب الموز في اكتوبر 2021، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة أثناء الحرب، وجرائم تخريب الاقتصاد الوطني، وانتحال شخصية قيادة الجيش المختطف، والكثير من الجرائم الأخرى التي لم يتم ذكرها.
القيام بمهمة رصد وتوثيق الجرائم وجمع الأدلة والتحضير للمحاسبة، يستدعي القيام بعمل وثيق الصلة ليس بالتحقيق في الجرائم فقط بصورة قضائية ، بل يستدعي التعاون مع جهة مهتمة بأمن الوطن والمواطن ليست هي جهاز امن الإنقاذ الحالي الذي يجب حله وتقديم قياداته للمحاسبة على الجرائم التي ارتكبها الجهاز منذ يونيو 1989م حين استولت الجبهة الإسلامية على السلطة عبر انقلابها سيئ الذكر. لذلك لا بد من تكوين جسم بديل ينهض كمؤسسة موازية للجهاز المعادي لشعبنا، كمركز لجمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وتقديمها لاجهزة الدولة البديلة والموازية التي يجب تكوينها من قبل الجبهة القاعدية، حتى لا تعمل هذه الأجهزة في الظلام، او تضطر للاستعانة بجهاز امن الإنقاذ وترى بعيونه، كما فعلت حكومة شراكات الدم. هذا المركز قاعدته كامل الحركة الثورية المنخرطة في الجبهة القاعدية، ومصادره جميع المواطنين بإستثناء طرفي الحرب ومن انخرط فيها مؤيدا لاحد طرفيها. وهو جسم ضروري لحكومة الجبهة القاعدية التي يجب تكوينها قبل إيقاف الحرب لتصبح اداة استلام السلطة عند إيقاف الحرب لتنفيذ برنامج الثورة، او حكومة موازية لأي حكومة أمر واقع غير شرعية تنتج عن صفقة بين طرفي الحرب في إطار إيقاف الحرب اللعينة. كذلك يجب تكوين هيئة تشريعية برلمانية تقوم بواجب التشريع ووضع القوانين، مع التجهيز المبكر لبناء هيئة قضائية مهنية مستقلة وتحديد عناصرها، لاستكمال سلطات الدولة الانتقالية قبل سقوط النظام، وتفادي حالة العجز عن تكوين سلطة تمثل الثورة، بتكوين سلطة موازية تشارك في صنع الثورة بدلا من سلطة تساوم لتقطف ثمارها وتضيع أهدافها. فالأنتباه إلى هذه المسألة والى انهيار الدولة وسقوط مؤسساتها بعد انقلاب الموز الذي كشف عن ذلك الانهيار ولم يؤسس له، أمر مهم لبناء الدولة من جديد. فالواجب هو ليس الحفاظ على اجهزة الدولة الحالية التي تفككت بالفعل واصبحت مجرد واجهات للحركة الإسلامية المجرمة، بل تحطيم آلة شبه الدولة الحالية وبناء دولة الشعب الجديدة، وهذا يشمل تحطيم آلة شبه دولة مليشيا الجنجويد الإرهابية ايضا بكل تأكيد.
فالتجربة اثبتت ان انتظار سقوط النظام عبر ثورة او انتفاضة، لا ينتج سلطة ثورية قادرة على الاضطلاع بمهام فترة الانتقال، وعبر ودروس ثورة ديسمبر المجيدة، اثبتت ان الشراكة مع العدو والإبقاء على آلة دولته يعني احتواء الثورة والبقاء في حدود إصلاح جزئي مبتسر يؤدي إلى استمرار النظام القديم الذي هدم الدولة وقوض أسسها، وحولها إلى مجرد واجهة لسلطة تنظيم بنى دولة موازية تحكمها وتسيطر على مؤسساتها الشكلية بما فيها الجيش المختطف. لذلك على من يرغب في اعادة بناء الدولة واستعادة هيبة السلطة ببناء سلطة الجماهير، ان يبدأ هذا الواجب الملح والعاجل الان، بعد استكمال بناء الجبهة القاعدية صاحبة السلطة وبانية الدولة البديلة في مرحلة الانتقال، استنادا إلى دستور المنحة الذي يؤسس لهدم دولة التمكين وإقصاء طرفي لجنتها الأمنية المتحاربين، وبناء دولة الشعب البديلة، لتحقيق شعار ثورةً ديسمبر المجيدة ” الثورة خيار الشعب حرية سلام وعدالة”.
والمدخل للقيام بالواجبات الصعبة أعلاه، ليس هو انتظار استكمال بناء كامل الجبهة القاعدية وتكوين كافة مؤسساتها، لأن تكوينها عملية مستدامة ومتطورة وممتدة قد تأخذ وقتاً، بل البدء فورا في تكوين المؤسسات البديلة والموازية لاجهزة الدولة المختطفة التي ماتت وشبعت موتا، مع تكوين الأجسام اللازمة للقيام بالمهام المطلوبة. فتكوين جسم قانوني موحد للقيام بالمهمة العدلية، لا يتطلب الانتظار. فمن الممكن ان تؤسّس نواته من المنظمات والتنظيمات الحقوقية التي انخرطت في ثورة ديسمبر بالداخل، مع الاستعانة بالمنظمات والتنظيمات الحقوقية السودانية بالخارج، على ان يدار بشكل علمي ومهني، يمكن من القيام بمهمة التحضير ليس للمقاضاة والمحاسبة فقط، بل يؤسس لتكوين الهيئة القضائية الجديدة، والنيابة العامة الجديدة، ووزارة العدل الجديدة، ويوفر البرنامج اللازم لذلك وكذلك الدراسات القانونية الضرورية لتنفيذه. ايضا من الممكن تكوين مركز جمع وتصنيف وتحليل المعلومات المطلوب من الوطنيين المختصين، وتكوين قيادة شرعية للقوات المسلحة المختطفة كما تم في التجمع الوطني المعارض للإنقاذ.
ولا يجب نسيان تكوين جسم إعلامي موحد لقوى الثورة، مهمته الترويج لمشروع الثورة وبرنامج الجبهة القاعدية المنبني على مواصلة النضال وفقا لاهداف ثورة ديسمبر المجيدة، والذي لا يحايد بل يقف في مواجهة طرفي الحرب معا بإعتبارهما عدو الشعب السوداني الذي لا يجب التسامح معه. كذلك يقوم هذا الجسم بتفنيد الخطاب الإعلامي المضلل لطرفي الحرب، ومناهضة النشاط الإعلامي المكثف الرامي لتسويق الحرب على أنها حرب كرامة من ناحية، وحرب تحرير وبناء دولة جديدة ديمقراطية من ناحية أخرى، وكشف زيف خطاب طرفي الحرب بشكل مستمر. فمهمة كبيرة مثل هذه، لا يمكن ان تترك للمبادرات الفردية او مبادرات مؤسسات معزولة، بل تستلزم تكوين جسم موحد قادر على المواجهة، يحصل على معلومات موثوقة من الأمن الجماهيري والشعبي الذي يجب تكوينه من قبل الجبهة القاعدية. فخطاب طرفي الحرب الزائف والمضلل، ودعم بعض المثقفين للجيش المختطف تحت مزاعم الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة في ظل انهيار الدولة ووضوح ان مؤسساتها المتبقية مختطفة، ودعم اخرين لتأسيس دولة الجنجويد الإرهابية وتسويقها على اساس أنها دولة الثورة وإعادة التأسيس، ضلل قطاعا من جماهير شعبنا ودفعه للانخراط في حرب الاعداء، مما يستلزم خطابا موحدا يفكك هذا الخطاب القائم على الاستهبال السياسي ومحاولة تسويق طرفي الحرب وإيهام شعبنا بأن هذه الحرب حرب عادلة وهي ليست كذلك بأية صورة من الصور.
هذه المهام صعبة ومعقدة بلا شك خصوصا في ظل انقسام وتشتت قوى الثورة ومحاولة البعض سوقها خلف شعار “لا للحرب” بعزله عن “نعم للثورة” المكملة له بصورة حتمية، ولكنها ليست مستحيلة قولا واحداً. فهي ممكنة بالعمل المثابر لتأكيد ان رفض الحرب يستلزم العمل من اجل تحقيق أهداف الثورة ورفض وجود الطرفين المتحاربين في المعادلة السياسية ومحاسبتهما الضرورية لتفكيك التمكين، وكذلك ببدء البناء فورا وعدم انتظار وقف الحرب وترتيب نتائج الوقف السياسية، او انهيار النظام تحت ضربات انتفاضة جماهيرية عفوية. فالفعل التنظيمي الاستباقي هو المطلوب لإنجاز مهام الثورة، التي تشكل برنامجا واضحا هو جوهر التغيير الجذري المفترى عليه. ويقيننا أن شعبنا العظيم يعي تماما طريقه الثالث بعيدا عن طرفي الحرب وبالمواجهة معهما والعمل ضدهما معا، وأنه قادر على صنع المعجزات.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
المصدر: صحيفة الراكوبة